2018-06-09 15:56:00

البابا فرنسيس للمشاركين في منتدى حول الانتقال الطاقي: لا يحق لسد العطش إلى الطاقة إحداث زيادة في العطش الحقيقي إلى المياه، أو في الفقر والإقصاء


استقبل قداسة البابا صباح السبت في القصر الرسولي المشاركين في منتدى بدأ أمس 8 حزيران يونيو وأنهى أعماله اليوم بعنوان "الانتقال الطاقي والعناية ببيتنا المشترك"، نظمته الأكاديمية الحبرية للعلوم بالتعاون مع جامعة نوتردام الكاثوليكية الأمريكية وشارك فيه عدد كبير من الخبراء وممثلي شركات الطاقة العالمية. وفي كلمته شكر قداسة البابا المشاركين، مشددا على إيجابية أن تتوفر لمن لديهم أدوار هامة في توجيه الاختيارات والمبادرات والاستثمارات في مجال الطاقة فرصة التبادل المثمر للآراء والمعارف. تحدث الحبر الأعظم بعد ذلك عن التطور التكنولوجي والعلمي الذي قاد إلى السرعة المميِّزة لعالم اليوم في حركة الأنباء والمعلومات والأفكار، بل وأيضا في حركة الأشخاص والبضائع، ما يجعل مجتمعاتنا في اتصال متزايد. وتتطلب هذه الحركة السريعة الكثير من الطاقة بشكل يفوق أية مرحلة سابقة، هذا إلى جانب أن الكثير من مجالات حياتنا تعتمد على الطاقة وتتأثر بها. وأشار قداسته في هذا السياق وبأسف إلى أنه لا يزال هناك كثيرون في عالمنا محرومين من التيار الكهربائي، ويقدَّر عددهم بحوالي مليار شخص. هناك بالتالي تحدي توفير كم كبير من الطاقة الضرورية للجميع، وذلك عبر استخدام الموارد بطرق تتجنب إحداث خلل بيئي يسفر عن التردي والتلوث الذي قد يشكل جرحا خطيرا للبشرية بكاملها اليوم وفي المستقبل.

ثم توقف البابا فرنسيس عند تبعات ما وصفه بعطش الكائنات البشرية للطاقة، فقال إن جودة الهواء ومستويات البحار، احتياطي المياه العذبة، المناخ وتوازن الأنظمة البيئية الحساسة لا يمكنها ألا تتأثر بالأسلوب الذي يسد به البشر عطشهم هذا للطاقة، والذي يسفر مع الأسف عن لامساواة كبيرة. وتابع قداسته أنه لا يحق لسد العطش إلى الطاقة إحداث زيادة في العطش الحقيقي إلى المياه، و في الفقر والإقصاء الاجتماعي، ولا يمكن إرضاء الحاجة الضرورية للتمتع بكم متزايد من الطاقة لتمكين الآلات من العمل مقابل تسميم الهواء الذي نتنفسه، كما أن الحصول على مساحات لنشاط الإنسان لا يمكن أن يتم بشكل يهدد بصورة خطيرة حياتنا وحياة أنواع أخرى من الكائنات التي تعيش على الأرض. وذكّر قداسة البابا بما كتب في الرسالة العامة "كن مسبَّحًا" عما وصفه بافتراض زائف "بأنه توجد كمية غير محدودة من الطاقة ومن الوسائل التي يمكن استخدامها، وبأن تجدَّدها الفوري هو ممكن، وبأنه يمكن احتواء التأثيرات السلبية للتلاعبات في الطبيعة". (راجع "كن مسبَّحًا" 106).

قضية الطاقة هي بالتالي، وحسب ما تابع الحبر الأعظم، أحد التحديات الرئيسية أمام المجتمع الدولي على الصعيدين النظري والعملي، وعلى التعامل مع هذه القضية ستتوقف جودة الحياة وأيضا إن كانت النزاعات في مناطق مختلفة من العالم ستوجد لها حلول بشكل أسهل، أم سيوجد وبسبب الخلل العميق في التوازن البيئي وشح الطاقة وقود جديد يغذيها، يحرق الاستقرار الاجتماعي وحياة البشر. ولهذا فهناك حاجة إلى استراتيجية عالمية على المدى الطويل توفر الأمن الطاقي مساهِمة هكذا في الاستقرار الاقتصادي، وتحمي الصحة والبيئة وتعزز التنمية البشرية المستدامة، وتحدد التزامات واضحة لمواجهة مشكلة التغيرات المناخية. وعاد قداسته في هذا السياق إلى الرسالة العامة "كن مسبَّحًا" التي تطرقت أيضا إلى قضية الطاقة وأهمية تطوير أشكال الطاقة المتجددة، فشدد على العمل وبالتزام جاد للقيام بانتقال نحو استخدام أكبر لطاقة ذات فعالية كبيرة ونسبة تلوث ضئيلة.

أراد الـب الأقدس بعد ذلك لفت الأنظار إلى تداخل وتشابك التحديات، فتحقيق أهداف التنمية المستدامة مثل القضاء على الفقر والجوع يعني ضرورة تمكين المليار شخص تقريبا المحرومين من التيار الكهربائي من الحصول عليه، ومن المهم في الوقت عينه أن تكون هذه الطاقة نظيفة وذلك باحتواء استخدام الوقود الأحفوري. وتابع قداسته أن بلوغ هدف توفير الطاقة للجميع لا يمكن أن يقود إلى تغيرات مناخية خطيرة وظروف بيئية أكثر قسوة وارتفاع في معدل الفقر. ذكّر الخبر الأعظم من جهة أخرى باتفاقية باريس لمواجهة ارتفاع درجة الحرارة مشيرا إلى أمر مقلق، وهو أنه اليوم وعقب سنتين ونصف لا تزال انبعاثات ثاني أوكسيد الكاربون مرتفعة. ومن المقلق أيضا عمليات التنقيب عن احتياطي جديد للوقود الأحفوري.

ثم تحدث البابا فرنسيس عن أهمية التوصل إلى مزيج ملائم من مصادر الطاقة وذلك لمحاربة التلوث والقضاء على الفقر وتعزيز المساواة الاجتماعية، كما أشار إلى الجوانب الاقتصادية والمالية ونقل القدرات التكنولوجية والتعاون والحصول على المعلومات، مؤكدا أن هذه أهداف يجب ألا تُعتبر ثمار استراتيجية محددة، بل أهدافا حضارية تعزز أيضا النمو الاقتصادي والنظام الاجتماعي. أكد من جهة أخرى أن على القرارات السياسية والمسؤولية الاجتماعية للشركات ومعايير الاستثمار أن تنطلق من التطلع إلى الخير العام على المدى الطويل، وتقوية التضامن بين الأجيال.

ثم تحدث قداسته عن دوافع أخلاقية عميقة للسير نحو انتقال طاقي سريع، فأشار إلى أن تبعات التغيرات المناخية على سبيل المثال ليست متجانسة، فأكثر الأشخاص فقرا هم الأكثر تضررا، كما يتأثر مثلا قطاع الزراعة بأزمات المياه والظواهر المناخية ما يدفع كثيرين إلى الهجرة بدون معرفة بأي شكل سيُستقبلون. وهكذا إن الانتقال الطاقي هو مسؤولية علينا إزاء الملايين من أخوتنا وأخواتنا في العالم، إزاء الدول الفقيرة والأجيال القادمة. وللسير على هذه الدرب يجب الوعي بأننا عائلة بشرية واحدة تجمعها روابط الأخوّة والتضامن.

هذا وأشار قداسة البابا أيضا إلى تلك الثقة المطلقة في الأسواق وفي التكنولوجيا، والتي جعلت كثيرين يعتقدون أن التغيرات في الأنظمة الاقتصادية والتكنولوجية كافية لمواجهة أشكال الخلل الإيكولوجي والاجتماعي، بينما علينا الاعتراف بأن الرغبة في نمو اقتصادي متواصل قد أسفرت عن تبعات إيكولوجية واجتماعية خطيرة، وذلك لأن النظام الاقتصادي الحالي يزدهر بشكل أكبر بالنشاط الاستخراجي والاستهلاك والتبذير. وذكّر قداسته مجدَّدا بكلماته في الرسالة العامة "كن مسبَّحًا" عن وجود مشكلة هي أننا لا نملك بعدْ الثقافة اللازمة لمواجهة هذه الأزمة، وهناك حاجة إلى تكوين قيادات تشق دروبا جديدة، وتسعى إلى تلبية حاجات الأجيال الحاضرة بمشاركة الجميع، دون المغامرة بالأجيال المستقبلية (53). وأكد بالتالي أن التفكير في هذه القضايا الثقافية العميقة والأساسية يدعونا إلى إعادة التفكير في هدف الحياة الأساسي. وذكّر بما جاء في الرسالة العامة "كن مسبَّحًا": "لن يكون هناك وجود لعلاقة جديدة مع الطبيعة بدون كائن بشري جديد"(118)، ويحتاج هذا التجدد أشكالا جديدة للقيادة. وعلى القادة الجدد فهم أمر هام هو ما أشار إليه البابا الفخري بندكتس السادس عشر حين كتب في الرسالة العامة "المحبة في الحقيقة": "إن كتاب الطبيعة واح لا يتجزأ، فيه نجد البيئة والحياة والحياة الجنسية والزواج والأسرة والعلاقات الاجتماعية، وبتعبيرٍ واحد "التنمية البشرية المتكاملة". إنَّ واجباتنا تجاه البيئة مرتبطة بواجباتنا تجاهَ الشخصِ البشري، في حد ذاته وفي علاقته بالآخرين. لا يمكن لواحد أن ينتهك الآخر، مما يشكل تناقضا خطيرا في المواقف والممارسات في عصرنا، يرهق الإنسان ويُعطِّل البيئة ويضر بالمجتمع" (المحبة في الحقيقة 51).

حث قداسة البابا ضيوفه بعد ذلك على أن يساهم الساعون إلى التجديد وتحسين جودة حياة الكثير من الأشخاص بشكل أكبر بوضع قدراتهم في خدمة واقعَين ضعيفَين كبيرَين في عالم اليوم، الفقراء والبيئة. ودعاهم إلى أن يكونوا نواة مجموعة جديدة من القادة، يتخيلون الانتقال الطاقي بشكل يأخذ بعين الاعتبار جميع شعوب الأرض، وأيضا أجيال المستقبل وكافة الأنواع والأنظمة البيئية. وتابع مشددا على أن هذا أمر لا يمكنهم وحدهم أو لشركاتهم بمفردها القيام به، وأضاف أنه بالعمل معا وبالتعاون مع آخرين تكون هناك على الأقل إمكانية التوصل إلى مقاربة جديدة لم تظهر حتى الآن. وأكد قداسته أنه ليس هناك وقت لإضاعته، وأضاف أن قبول هذه النداء يعني تحمل مسؤولية كبيرة تحتاج إلى بركة الله ونعمته، وإلى الإرادة الطيبة لرجال ونساء من جميع أنحاء العالم. منح قداسته بعد ذلك ضيوفه بركته متضرعا إلى الله كي يمنح كلا منهم العزم والشجاعة لخدمة البيت المشترك في شكل متجدد للتعاون.

 

     

 








All the contents on this site are copyrighted ©.