2017-09-07 19:34:00

زيارة البابا فرنسيس إلى كولومبيا: تحية البابا إلى الشعب الكولومبي


بعد لقائه مع الممثلين عن السلطات المدنية قام البابا فرنسيس ـ كما جرت العادة ـ بزيارة مجاملة إلى رئيس الجمهورية قبل أن يزور كاتدرائية بوغوتا وينقل بعدها سيرا على الأقدام إلى القصر الكاردينالي، الذي هو مقر إقامة رئيس الأساقفة. وقد وجه البابا تحية إلى حشود المؤمنين المحتشدين في ساحة بوليفار المقابلة للكاتدرائية وقال لهم:

أيها الأخوة والأخوات الأعزاء، صباح الخير!

أحييكم بفرح كبير وأشكركم على الترحيب الحار. "وأي بيت دخلتموه فقولوا أولا: سلام لهذا البيت. فإن كان هناك ابن السلام يحل سلامكم عليه وإلا فيرجع إليكم" (لوقا 10، 5-6).

اليوم أدخل هذا البيت الذي هو كولومبيا قائلا لكم "السلام لكم". هذه هي الطريقة التي كان يحيّي فيها كل يهودي، ويسوع أيضا. شئتُ المجيء إلى هنا كحاج سلام ورجاء، وأود أن أعيش لحظات اللقاء هذه بفرح، شاكراً الله على كل الخير الذي صنعه في هذه الأمة، وفي حياة كلّ شخص.

جئتُ أيضا لأتعلّم؛ نعم، لأتعلّم منكم ومن إيمانكم ومن قوّتكم إزاء الصعوبات. تعلمون أن الأسقف والكاهن عليهما أن يتعلما من شعبهما: لهذا جئت لأتعلم منكم. إني أسقف لكني جئت لأتعلم. لقد عشتم لحظات صعبة ومظلمة، بيد أن الرب قريب منكم، إنه في قلب كل ابن وابنة لهذا البلد. إنه ليس انتقائياً، الرب لا يستثني أحداً بل يعانق الجميع؛ وكلنا مهمّون وضروريون بالنسبة له. خلال هذه الأيام أود أن أتقاسم معكم الحقيقة الأهم: إن الله يحبكم محبة الآب، ويشجّعكم على مواصلة البحث عن السلام والتوق إليه، هذا السلام الأصيل والدائم. الله يحبنا حبا أبوياً. دعونا نكرر هذه الجملة معا! شكراً!

أرى هنا العديد من الشبان، وحتى لو كانت عيناي معصومتين أعرف أن هذا الضجيج يُحدثه الشبان فقط. لقد قدمتهم من جميع أنحاء البلاد. إنها مدعاة فرح لي أن التقي بالشبيبة. وفي هذا اليوم أقول لكم: حافظوا على الفرح حياً، لأنه علامة للقلب الفتي الذي التقى بالرب. وإذا حافظتم على هذا الفرح مع يسوع حياً لا أحد يستطيع أن يأخذه منكم (راجع يوحنا 16، 22). أنصحكم ألا تتركوا أحداً يسلبكم إياه، اعتنوا بهذا الفرح الذي يوحّد كل شيء مدركين أن الرب يحبنا. كما قلنا في البدء إن الله يحبنا وهذا هو مبدأ الفرح. من نار محبة المسيح يفيض هذا الفرح وهذه النار كافية لتشعل العالم كله. ماذا يمنعكم إذاً من تغيير هذا المجتمع؟ لا تخافوا من المستقبل! تجرؤوا على الحلم بأمور عظيمة! هذا هو الحلم الذي أدعوكم إليه اليوم. لا تفعلوا أمورا صغيرة، حلّقوا في الأعالي واصنعوا أمورا كبيرة!

أيها الشبان لديكم قدرة مميزة على التعرف على معاناة الآخرين؛ إنكم تشعرون بهذا الأمر فورا. إن العمل التطوعي في مختلف أنحاء العالم يتغذّى من الآلاف من أمثالكم، أنتم القادرون على تكريس وقتكم، والتخلي عن رفاهيتكم، والمشاريع التي تتمحور حولكم، كي تتركوا احتياجات الضعفاء تؤثر بكم وتكرّسوا أنفسكم من أجلهم. وقد يكون البعض منكم أبصروا النور في بيئات عرفت الموت والألم والانقسام، وهذا الألم خدّركم. لذا أقول لكم: اتركوا معاناة أخوتكم الكولومبيين تؤثر فيكم وتحرككم! وساعدونا نحن المسنين كي لا نعتاد على الألم والهجر. إننا بحاجة إليكم، ساعدونا كي لا نعتاد على الألم والهجر.

أنتم أيضا أيها الفتيان والفتيات، الذين تعيشون في بيئات معقّدة، تشهد وقائع متنوعة وأوضاعاً عائلية مختلفة، اعتدتم على أن تروا أن الأمور كلها لا تقتصر على الأبيض والأسود في هذا العالم؛ وأن الحياة اليومية هي عبارة عن نطاق واسع من الألوان الرمادية، وهذا الأمر يعرضكم لخطر الوقوع في أجواء من النسبية، وللتخلي عن المقدرة التي يتمتع بها الشبان ألا وهي تفهّم ألم من عانوا. لديكم القدرة على التمييز ورصد الأخطاء، لأنكم تشعرون بها فورا، وأيضاً القدرة الجميلة والبناءة: ألا وهي قدرة التفهّم. أن تتفهموا أن ثمة كماً غير محدود من المسببات والظروف التخفيفية وراء الأخطاء، مع أن الخطأ يبقى خطأً وينبغي ألا تُخفى هذه الحقيقة، ويجب أن نقول هذا الأمر بوضوح. إن كولومبيا تحتاج إليكم لتضعوا أنفسكم مكان الأشخاص الذين لم يتفهموا هذه الأمور، على مر الأجيال الغابرة، أو لم يعرفوا كيف يتفهمونها أو لم يجدوا الطريقة المناسبة لذلك!

التلاقي أمر سهل بالنسبة لكم أيها الشبان. لدي سؤال: لقد التقيتم كلكم هنا. منذ متى وأنتم هنا؟ يكفيكم حدث كهذا، أو يكفيكم فنجان من القهوة، أو مشروب ما، وأي شيء آخر كحجة للالتقاء. الشبان يلتقون في الموسيقى والفن... وحتى مباراة نهائية بين فريقي "أتليتيكو ناسيونال" و"أميريكا دي كالي" تصبح فرصة للتلاقي! يمكنكم أن تعلمونا أن ثقافة اللقاء لا تعني التفكير أو العيش أو التفاعل بالطريقة نفسها. إنها تعني أن ندرك أنه على الرغم من اختلافاتنا إننا كلنا جزء من شيء أكبر يوحدنا ويرتقي بنا، إننا جزء من هذا البلد الرائع. ساعدونا على الدخول في ثقافة اللقاء هذه.

شبابكم يجعلكم أيضا قادرين على صنع شيء صعب في الحياة: الغفران. أن نغفر لمن جرحونا؛ من الجدير أن نرى كيف لا تتركون قصص الماضي تلتصق بكم، كيف تنظرون بطريقة غريبة عندما نكرر نحن البالغون وقائع الانقسامات لمجرد أننا متمسكون بالضغينة. إنكم تساعدونا في نية التخلي عما أساء إلينا، والنظر إلى الأمام بدون عراقيل الحقد، لأنكم تجعلونا نرى الواقع الموجود أمامنا، وهو أن كولومبيا كلها ترغب في مواصلة النمو؛ هذا البلد الذي يحتاج إلى الجميع والذي يجب أن نسلّمه لكم نحن المسنون.

ولهذا السبب بالذات، ولهذه القدرة على المغفرة، إنكم تواجهون التحدي الكبير المتمثل في مساعدتنا على مداواة القلب؛ إني أطلب منكم أن تساعدونا على مداواة القلب، وعلى نقل الرجاء الفتي إلينا، هذا الرجاء المستعد دائما لتقديم فرصة ثانية للآخرين. إن بيئات اليأس وفقدان الإيمان تُمرض النفس، بيئات لا يوجد فيها مخرج من المشاكل وتُقْدم على عزل الأشخاص الباحثين عن هذه المخارج، وتلحق الضرر بالرجاء الذي تحتاج إليه كل جماعة لمتابعة مسيرتها. لتعطي تطلعاتكم ومشاريعكم نَفَساً لكولومبيا ولتملأها بـ"أوتوبيات" سليمة. أيها الشبان احلموا، تحركوا، جازفوا، انظروا إلى الحياة ببسمة جديدة، سيروا إلى الأمام! لا تخافوا!

بهذه الطريقة فقط تجدون شجاعة اكتشاف البلد المختبئ وراء الجبال: والذي يتخطى عناوين الصحف ولا يدخل ضمن الانشغالات اليومية لأنه بعيد جدا. هذا البلد غير المنظور والذي هو جزء من هذا الجسم الاجتماعي الذي يحتاج إلينا: أنتم قادرون على اكتشاف كولومبيا في عمقها. قلوب الشبان محفّزة أمام التحديات الكبرى. كم هي كثيرة المناظر الطبيعية الخلابة التي يمكن التأمل بها بدون استغلالها! كم من الشبان مثلكم يحتاجون إلى أياديكم الممدودة، وإلى أكتفاكم كي يروا مستقبلا أفضل!

لقد شئتُ أن أعيش هذه اللحظة معكم اليوم؛ إني لواثق بأنكم تملكون القدرات الضرورية من أجل بناء الأمة التي طالما حلمنا بها. الشبان هم أمل كولومبيا والكنيسة؛ في مسيراتهم وفي خطواتهم نستشف خطوات يسوع رسول السلام، الذي يحمل لنا دائما أخباراً سارة.

أتوجه إليكم جميعاً، أيها الأخوة والأخوات الأعزاء في هذا البلد الحبيب. إلى الأطفال، الشبان، البالغين والمسنين، كمن يرغب في أن يكون حاملاً للرجاء؛ لا ترزحوا تحت الصعوبات، لا تدعو العنف يُهبط عزيمتكم، ولا الشر يتغلب عليكم. لنؤمن بأن يسوع، ومن خلال محبته ورحمته اللتين تدومان إلى الأبد، انتصر على الشر والخطيئة والموت. يكفي أن نذهب للقائه. اذهبوا للقاء يسوع. أدعوكم إلى الالتزام ـ لا إلى تحقيق الانجازات ـ في تجديد المجتمع ليكون عادلاً ومستقراً وخصباً. من هذا المكان أشجعكم على وضع ثقتكم بالرب، الوحيد الذي يعضدنا ويشجعنا كي نساهم في المصالحة والسلام.

أعانقكم جميعاً، فرداً فرداً، وجميع الحاضرين هنا: المرضى والفقراء والمهمشون، والمحتاجون والمسنون، ومن هم في بيوتهم... أحملكم كلكم في قلبي. وأسأل الله أن يبارككم. ومن فضلكم لا تنسوا أن تصلوا من أجلي. شكرا جزيلا!

وقبل أن تذهبوا سأمنحكم بركتي. لنصل معا إلى العذراء.








All the contents on this site are copyrighted ©.