2017-01-30 13:32:00

البطريرك الراعي: ندعو المسؤولين المدنيِّين إلى "معرفة عطيّة الله": هي وطننا اللبناني المميَّز


ترأس صاحب الغبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي صباح أمس الأحد القداس الإلهي في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي لإحياء ذكرى الأربعين لوفاة المثلَّث الرحمة المطران ادمون فرحات، السفير البابوي، وللمناسبة ألقى الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عظة تحت عنوان  "لو عرفتِ عطيّة الله!".  

ونقلاً عن الموقع الإلكتروني للبطريركيّة المارونيّة، أضاف غبطته بنتيجة هذا "الحوار في المحبة"، الذي أجراه الربّ يسوع بصبر وتفهّم وطول بال مع المرأة السامريّة، تمكّنت هذه المرأة الضائعة من "معرفة عطيّة الله" والإقرار بأنّ يسوع المتكلّم معها "نبيّ"، "وأنه المسيح الآتي". وراحت تخبر عنه بإيمان واثق أهل السامرة، وتدعوهم للمجيء إلى رؤيته. فأتوا وآمن منهم كثيرون. وعرفوا بدورهم "عطيّة الله" وأعلنوا أنّه "بالحقيقة مخلّص العالم". في ضوء إنجيل اليوم، عرف المطران ادمون فرحات "عطيّة الله"، مذ أعطاه الله نعمة الوجود، وميّزه بالدعوة إلى شرف خدمته وخدمة الكنيسة في الكهنوت والأسقفيّة. فأدّاها كاملة بفضل عطيّة الإيمان والروح القدس ونعمة الأسرار المقدّسة، حتى أصبحت عنده هذه العطية نبع ماء تفجّر حياة أبديّة قدّسته، وقدّست الذين بلغتهم خدمته الكهنوتيّة والأسقفيّة بكل أشكالها: بالعمل والكرازة والتقديس والإدارة والديبلوماسية والتعليم والكتابة.

تابع الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يقول إن "عطيّة الله" التي تكلّم عنها الربّ يسوع في حواره مع المرأة السامريّة هي "الروح القدس" المشبَّه بالماء الحيّ الذي يصبح فينا نبعًا داخليًّا يتفجّر حياة أبدية". فالروح هو قوّة الله المحيية بالإيمان. أمّا مصدر الماء الحيّ فهو يسوع نفسه الذي عندما طعنه الجندي برمح وهو ميت فوق الصليب، "جرى من صدره دم وماء". لقد أخرج الفادي الإلهي من جهة قلبه المياه القادرة أن تُروي الشعب في مسيرته نحو أرض الميعاد الحقيقيّة، أرض الخلاص النهائي في السماء، على ما كتب بولس الرسول إلى أهل كورنتس: "كلُّهم أكلوا طعامًا روحيًّا واحدًا، وكلّهم كانوا يشربون شرابًا روحيًّا واحدًا من صخرة روحيّة هي المسيح". هذا العمق اللاهوتي كلّه شكّل مضمون "حوار الحقيقة في المحبة" مع المرأة السامرية.

أضاف غبطته يقول من المسيح الصخرة الروحيّة شرب المطران إدمون الماء الحيّ الذي أروى مسيرة حياته فارتوى من الإيمان والصلاة وأنوار الروح القدس، طيلة مسيرته الروحيّة والتثقيفيّة نحو الكهنوت في إكليريكيّة غزير البطريركيّة أوّلاً، ثمّ في الجامعة الكاثوليكيّة بباريس، ففي الجامعة الحبريّة الأوربانيانا بروما متخصِّصًا، بعد الفلسفة واللاهوت، في الكتاب المقدّس والحقّ القانوني. وأتقن اللّغات الكتابيّة القديمة: السريانيّة والعبريّة واليونانيّة، ولغة الكنيسة الرسميّة اللاتينيّة، ومن اللّغات الحيّة الفرنسيّة والإيطاليّة والألمانية والانكليزيّة. وجرى من عمق كيانه نبع ماء حيّ ظهر في مسلكه المستقيم، وتفانيه في الخدمة والعطاء، وفي القيم الإنسانيّة والاجتماعيّة والكنسيّة التي تحلّى بها. وازداد ارتواؤه من الماء الحيّ، عندما بمسحة الروح القدس، أصبح أسقفًا سفيرًا بابويًّا، في عهد القديس البابا يوحنا بولس الثاني، وقداسة البابا بندكتوس السادس عشر، متنقِّلاً بين ثمانية بلدان من أفريقيا الشماليّة وأوروبا وآسيا. فكان يمثِّل قداسة البابا والكرسي الرسولي لدى سلطاتها ولدى الكنائس المحليّة. وبهذه الصفة بذل جهودًا حثيثة من أجل تعزيز السلام والترقّي والتعاون بين الشعوب؛ وشدّد أواصر العلاقات مع الأساقفة المحلّيّين؛ وساهم معهم في إنماء العلاقات بين الكنيسة الكاثوليكيّة والكنائس الأخرى، وبينها وبين سائر الأديان؛ ودافع لدى رؤساء الدول عن رسالة الكنيسة والكرسي الرسولي.

وختم البطريرك مار بشارة بطرس الراعي عظته بالقول "حوار الحقيقة في المحبة". هذا هو نهج الكنيسة، وينبغي أن يكون نهج المسيحيّين بنوع خاصّ. ونرجو أن يكون النهج اللبناني الذي تعتمده المؤسّسات الدستورية. ففي خدمة الخير العام، وحده "حوار الحقيقة في المحبة" يضع هذه المؤسّسات في مسارها الطبيعي، بعيدًا عن الاستغلال الشخصي أو الفئوي أو المذهبي، وعن فرض الرأي بالقوّة أو بالمقاطعة أو بالتعطيل. فلو ساد مثل هذا الحوار منذ سنة 2005 لكان لنا قانون انتخابات نيابيّة جديد منذ سنوات. ولو يسود مثل هذا الحوار اليوم، ونحن أمام الاستحقاق الدستوري لإجراء الانتخابات، لَتحمّل النوّاب مسؤوليّتهم الدستورية والوطنية، وجنّبوا المجلس النيابي مغبّة إنذار فخامة رئيس الجمهورية باللاأين: "لا لقانون الستين ولا للتمديد". مرّة أخرى نقول لهم: لا تُسنّ القوانين على قياس أشخاص وفئات، بل على قياس لبنان وشعبه. فجنِّبوا البلاد أزمة جديدة، فيما الداخل يتآكله الفساد والفقر والحرمان، ويهتزّ فيه الأمن والاستقرار؛ وفيما الخارج المجاور في غليان الحرب والتهجير والقتل والدمار. وندعو المسؤولين المدنيِّين عندنا إلى "معرفة عطيّة الله" التي هي وطننا اللبناني المميَّز، الذي تحميه يد سيّدة لبنان الخفيّة، والذي من حقّه على كلّ واحد وواحدة منّا أن يحافظ عليه، لكي يواصل الرسالة. وقد أوكلتها إليه العناية الإلهيّة لخدمة هذا المشرق وقضيّة العيش الواحد بين الأديان والثقافات والحضارات.








All the contents on this site are copyrighted ©.