2017-01-29 12:25:00

الإنجيل وقفة تأمّل عند كلمة الحياة


في ذَلِكَ الزَّمان، لَمّا رَأى يَسوعُ الجُموع، صَعِدَ الجَبَلَ وَجَلَس، فَدَنا إِلَيهِ تَلاميذُهُ. فَشَرَعَ يُعَلِّمُهُم، قائِلاً: "طوبى لِفُقَراءِ الرّوح، فَإِنَّ لَهُم مَلَكوتَ السَّمَوات. طوبى لِلوُدَعاء، فَإِنَّهُم يَرِثونَ الأَرض. طوبى لِلمَحزونين، فَإِنَّهُم يُعَزَّون. طوبى لِلجِياعِ وَالعِطاشِ إِلى البِرّ، فَإِنَّهُم يُشبَعون. طوبى لِلرُّحَماء، فَإِنَّهُم يُرحَمون. طوبى لأطهارِ القُلوب، فَإِنَّهُم يُشاهِدونَ الله. طوبى لِلسّاعينَ إِلى السَّلام، فَإِنَّهُم أَبناءَ اللهِ يُدعَون. طوبى لِلمُضطَهَدينَ عَلى البِرّ، فَإِنَّ لَهُم مَلكوتَ السَّمَوات. طوبى لَكُم، إِذا شَتَموكُم وَاضطَهدوكُم وَافتَرَوا عَلَيكُم كُلَّ كَذِبٍ مِن أَجلي، إِفرَحوا وَابتَهِجوا، إِنَّ أَجرَكُم في السَّمَواتِ عَظيم. فَهَكَذا اضطَهَدوا الأَنبِياءَ مِن قَبلِكُم.

للتأمّل

تضع الكنيسة بين أيدينا في هذا الأحد إنجيل التطويبات، عظة يسوع على الجبل التي يُظهر نفسه من خلالها كمعلم إلهيّ، كموسى الجديد. وماذا يعلّم؟ يعلّم طريق الحياة، ذلك الذي ساره بنفسه، لا بل ذلك الذي هو يسوع نفسه، والذي يقدمه لنا كطريق للسعادة الحقيقيّة. ففي إعلانه للتطويبات، يدعونا يسوع لإتباعه، وللسير معه في طريق المحبة الوحيد الذي يقودنا نحو الحياة الأبديّة. إن تطويبات يسوع تحمل تجدّدًا ثوريًّا ونموذجًا للسعادة يتضارب مع النموذج التي تقدمه لنا عادة وسائل الإعلام. فيسوع يدعونا، لنجيب على دعوة الحياة التي يقترحها علينا، لكي نقرّر ما هو الطريق الذي نريد اتخاذه لنصل إلى الفرح الحقيقي. إنه تحدي إيمان كبير لكن إن عرفنا كيف نجيب بالـ "نعم" على دعوة يسوع، سيصبح لحياتنا معنى وبهذا تصبح خصبة أيضًا.

ما معنى كلمة "طوبى"؟ كلمة "طوبى" تعني "سعيد". وتُعلن الطوبى الأولى: سعداء هم فقراء الروح فإن لهم ملكوت السموات. في وقت يتألم فيه العديد من الأشخاص بسبب الأزمة الاقتصادية قد يبدو لنا من الغريب موازاة الفقر والسعادة. فكيف يمكننا إذًا أن نفهم الفقر كبركة؟ علينا قبل كلّ شيء أن نحاول فهم معنى "فقراء الروح". عندما تجسد ابن الله اختار لنفسه طريق الفقر والتجرّد. فيسوع هو الله الذي يتجرد من مجده. وهنا نرى خيار الفقر الذي قام به الله: فقد افتقر لأجلنا وهو الغني لنغتني بفقره. إن كلمة "فقير" باللغة اليونانيّة لا تعني فقط الفقر المادي وإنما أيضًا تعني "متسوّل أو مُستَجدٍ". وترتبط ارتباطًا وثيقًا بالتعبير العبري "عَناويم" أي فقراء الله والذي يشير إلى التواضع والتيقن من المحدودية الشخصيّة وحالة الفقر الوجوديّة، فهؤلاء الأشخاص هم الذين يثقون بالرب ويعرفون كيف يتّكلون عليه. ويسوع، كما رأته القديسة تريزيا الطفل يسوع، يتجلى لنا في سرّ تجسّده كمتسولٍ محتاجٍ يبحث عن الحب.

لعيش هذه الطوبى نحن بحاجة لعيش ارتداد فيما يختص بالفقراء. علينا أن نهتم بهم ونكون متنبّهين لحاجاتهم الروحية والمادية. لنفكر أيضًا في جميع الذين لا يشعرون بأنهم محبوبون، والذين ليس لديهم رجاء في المستقبل فيتخلون عن التزاماتهم في الحياة لأنهم فقدوا شجاعتهم وخاب أملهم وسيطر عليهم الخوف! علينا أن نتعلم أن نقيم مع الفقراء لا أن يفيض لساننا فقط في الكلام الجميل عنهم! لنذهب إلى لقائهم ولننظر في أعينهم ونصغي إليهم. فالفقراء هم المناسبة الملموسة لنلتقي بالمسيح ونلمس جسده المتألّم. لكن الفقراء ليسوا فقط الأشخاص الذي بإمكاننا أن نقدم لهم شيئًا ما، بل لديهم الكثير ليقدموه لنا ويعلموننا. يمكننا أن نتعلّم الكثير من حكمتهم! هم يعلموننا أن قيمة الإنسان ليست فيما يملك. الفقير هو شخص يفتقر للخيور المادية ولكنه يحافظ دائمًا على كرامته البشرية، كما ويمكن للفقراء أيضًا أن يعلموننا الكثير عن التواضع والثقة بالله!

هناك رباط وثيق بين الفقر والبشارة، فالرب يريد كنيسة فقيرة تبشر الفقراء. ويسوع عندما أرسل الإثني عشر قال لهم: "لا تقتنوا نقودًا من ذهب ولا من فضة ولا من نحاس في زنانيركم، ولا مزودًا للطريق ولا قميصين ولا حذاءً ولا عصًا، لأن العامل يستحق طعامه". فالفقر الإنجيلي هو شرط أساسي في نشر ملكوت الله. وأجمل فرح هو فرح الفقراء الذين ليس لديهم شيئًا ليتمسكوا به.

إن نشيد مريم، فقيرة الروح، هو أيضًا نشيد من يعيش التطويبات. وفرح الإنجيل ينبع من قلب فقير يعرف كيف يتهلل بأعمال الرب ويتعجب بها، تمامًا كقلب العذراء التي ستطوبها جميع الأجيال. فلتساعدنا إذاً مريم العذراء، أم الفقراء ونجمة البشارة الجديدة، لنعيش الإنجيل ونجسد التطويبات في حياتنا ونتحلّى بشجاعة السعادة.








All the contents on this site are copyrighted ©.