2016-12-05 14:43:00

البطريرك الراعي: نأمل من المسؤولين أن يمارسوا الرحمة من خلال القيام بواجبات حالتهم


في عظته مترئسا قداس الأحد في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي: في مسيرتنا نحو الميلاد، تتذكَّر الكنيسة في هذا الأحد مولد يوحنا المعمدان والسابق. فكان آخر نبيّ من أنبياء العهد القديم، الذين تنبّأوا عن المسيح، وأوّل رسول من رسل العهد الجديد الذين بشّروا بقدومه. بمولد يوحنا تعتلن رحمة الله الخلاصيّة لجميع الناس. ولذا أوحى الملاك لأبيه زكريا أن يسمّيَه يوحنا الذي تفسيره "الله رحوم". يوحنا السابق ليسوع بستّة أشهر أعلن أنّ رحمة الله تتجلّى وتأخذ جسدًا بشخص ابن الله المتجسِّد من مريم. فأصبح للرحمة اسم في تاريخ البشر هو يسوع المسيح.

ونقلا عن الموقع الإلكتروني للبطريركية المارونية، أضاف غبطته: يبدأ النصّ الإنجيلي بالقول أنّه "لما تمّ زمان إليصابات لتلد، ولدت ابنًا. هذا "إتمام الزمن" لا يعني فقط زمن الشهر التاسع الذي تلد فيه المرأة مولودها، بل يعني أيضًا زمن تحقيق الله وعده، واتّكال زكريا وإليصابات على عنايته، واكتمال زمن انتظارهما لتجلّي رحمة الله. حياتنا كلّها، كمسيحيِّين، في حالة انتظار لتجلّيات إرادة الله وتحقيق تصميمه الخلاصي في تاريخنا البشري. والانتظار صلاة وتأمّل وسهر وأمانة لله ولرسومه، وبخاصّة في الظروف الصعبة والمعاكسة والمظلمة والغامضة. ثمرة انتظار زكريا وإليصابات، وأمانتهما لله وللواجب، ظهرت في هبة يوحنا الذي قال عنه الربّ يسوع: "لم يولد في مواليد النساء مثل يوحنا".

تابع البطريرك الماروني يقول "إتمام الزمن" يتحقق في كلّ واحد وواحدة منا، كشريك لله في بناء تاريخنا البشري على قيم تاريخ الخلاص. ويتحقّق على الأخصّ في كلّ مسؤول في الكنيسة والعائلة والمجتمع والدولة. فينبغي أن يجعله زمنَ حقيقةٍ وعدالةٍ ومحبة وحرية بمفهومها الموضوعي لا النسبي. وهي الزوايا الأربع التي يرتكز عليها بناء البيت الكنسي والعائلي والاجتماعي والوطني. بسبب الخلل في هذه الزوايا تعثّر سابقًا انتخاب رئيس للجمهورية على مدى سنتَين وخمسة أشهر، ذهبت كلها ضياعًا وخلّفت في الوقت عينه نتائج وخيمة في الحياة السياسيّة والاقتصاديّة والمعيشيّة، وفي نشاط المؤسّسات العامّة. واليوم، بعد شهر كامل على تكليف رئيس الحكومة الجديد تشكيلها بالاتّفاق مع رئيس الجمهورية، بحيث تكون جامعة وقادرة وفقًا للميثاق الوطني والدستور، نخشى أن يتعثّر هذا التشكيل للخلل نفسه، ولمدّة غير معروفة، على حساب المصلحة الوطنيّة العليا، وممارسة مهامّ السلطة الإجرائية، كما يقتضيها الدستور. لا يمكن أن تسلم حياة اجتماعية ووطنية، والحقيقة مغيَّبة، والعدالة منتقصة، والمحبة جافّة في القلوب، والحرّية أسيرة المصالح الشخصية والفئوية. فإنّنا نناشد من جديد الكتل السياسيّة والنيابيّة التقيّد بالدستور وبوثيقة الوفاق الوطني، والموآزرة في تسهيل تشكيل الحكومة، واضعين أمام أعينهم خير البلاد، وقيام دولة المؤسسات والقانون، والصالح العام. في هذا الأحد الذي نحيي فيه مولد يوحنا، المعلِن باسمه وبرسالته، رحمة الله ودعوة البشر إلى اختبارها وممارستها، نأمل من المسؤولين في أيّ قطاع أن يمارسوها حقيقة وعدالة ومحبة وحرية، من خلال القيام بواجبات حالتهم.

أضاف الكاردينال الراعي يقول إن اختيار اسم يوحنا للمولود الجديد جاء بتناغم كامل بين اليصابات وزكريا الأبكم: فهي بوحي من الروح القدس الذي ملأها يوم زيارة مريم العذراء لها، وهو من فم الملاك جبرائيل. هذا التناغم يكشف قيمة الزواج كسرّ، أي كأداة تنقل النعمة الإلهيّة، وتجعل الله حاضرًا في حياة الزوجَين والعائلة. ففي سرّ الزواج يقطع العروسان عهدًا مثلَّثًا، مرموزًا إليه بالخاتمَين. العهد الأول هو عهد الحبّ بينهما والعهد الثاني هو عهد الأمانة لله ولكلامه ورسومه، والعهد الثالث هو مع العائلة البشرية، من خلال الالتزام بنقل الحياة البشرية عبر الإنجاب والتربية والإعالة.

وختم البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عظته بالقول إننا نصلّي اليوم من أجل الأزواج والوالدين، ومن أجل كلّ عائلة، في زمن صعب عليهم وعليها، اقتصاديًّا وأخلاقيًّا وروحيًّا؛ لكي ينعموا بالاستقرار، ويدركوا حضور الله في حياتهم الزوجيّة والعائليّة لخيرها ومساعدتها. وليرتفع، من كلّ عائلة دمويّة وكنسيّة ووطنيّة، نشيدُ المجد والتسبيح للثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.








All the contents on this site are copyrighted ©.