2016-02-22 13:06:00

البطريرك الراعي: زمن الصوم وسنة الرحمة هما "الزمن المقبول" لنعكس وجه الله الرحوم


ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي صباح أمس الأحد القداس الإلهي في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي، وألقى عظة للمناسبة قال فيها: في هذا الأحد الثالث من زمن الصوم، تتأمّل الكنيسةُ في آية شفاء امرأة تعاني من نزيف دم منذ اثنتَي عشرة سنة، وقد أنفقت كلّ مالها على الأطبّاء من دون جدوى. فعلّمها إيمانها أنّها إذا استطاعت أن تلمس ولو طرف رداء يسوع تشفى. وهذا ما حصل في الواقع: "فلمّا لمست طرف ردائه، توقّف للحال نزيف دمها".

ونقلا عن الموقع الإلكتروني للبطريركية المارونية، أضاف غبطته: يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهية، ملتمسين فيها من الله أن يشفي كلّ مريض ينزف في صحّته، وأن يشفي كلّ واحد وواحدة منّا من أي نزيف يعاني منه. أكان نزيفًا روحيًّا وأخلاقيًّا من جرّاء الخطايا المتكرِّرة والتي لا يتوب عنها؛ أم كان نزيفًا معنويًّا من جرّاء حزن على فقدان شخص عزيز، أو عدم احترام وانتهاك كرامة؛ أم كان نزيفًا مادّيًا من جرّاء الفقر والحرمان؛ أم كان نزيفًا وطنيًّا من جرّاء تعطيل المؤسسات الدستورية، والتراجع الاقتصادي، والفساد في الإدارات العامة، وهجرة خيرة قوانا الحيّة. عندما "لمست المرأة النازفة طرف رداء يسوع شُفيتْ". انسلّت المرأة بين الجمع الغفير قاصدة يسوع بإيمان كبير، وفي قلبها شوق لأن تلمس فقط طرف ردائه لتشفى من نزيف دمها. وهكذا حصل. فكان إيمانها مصدر شفائها، من بعد أن أنفقت كلّ مالها على الأطبّاء، مدّة اثنتَي عشرة سنة، من دون أيّة فائدة. هذا ما أراد الربّ يسوع إظهاره للجمع عندما أصرّ سائلاً: "مَن لمسني؟"، وأتت المرأة مرتعدة واعترفت بفعلتها أمام الحاضرين. أمّا يسوع فقال لها: "يا ابنتي، إيمانك، خلّصك، إذهبي بسلام".

تابع الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يقول بقوّة إيمان المرأة النازفة شفاها يسوع من دائها، ليبيّن لنا في هذه الآية أنّه هو الذي يشفينا من كلّ أنواع النزف التي تصيبنا، إذا التمسنا بإيمان الشفاء منها. وكما أنّ نزيف الدم يؤدّي إلى الموت، كذلك أي نزيف آخر يؤدّي إلى ميتات متنوّعة. فالنزيف الروحي والأخلاقي يؤدّي إلى موت إنسانيّتنا المخلوقة على صورة الله، وإلى موت العلاقة السليمة مع الله والناس، وموت القيم الروحية والأخلاقية. هذا النزيف يؤدّي إلى الموت الأبدي المعروف بالهلاك. والنزيف المعنوي، من جرّاء الحزن وانتهاك الكرامة، يؤدّي إلى الموت النفساني والانكفاء على الذات، والكفر بكلّ شيء، فإلى موت طعم الحياة وقيمتها ومعناها. والنزيف الاقتصادي يؤدّي إلى حالة الفقر والحرمان، وإلى موت سعادة الحياة الزوجيّة والعائليّة، وموت الطاقات البشرية المحرومة من الوسائل التي تمكّنها من تحقيق ذاتها. وعلى المستوى العام، الفساد في الوزارات الإدارات العامّة، وسلب المال العام، وتعطيل الحياة الاقتصادية يؤدّي إلى موت النموّ الاجتماعي، وفرص العمل، وإفقار المواطنين وإقحامهم على الهجرة والكفر بوطنهم. والنزيف الوطني، المتأتِّي من فقدان الولاء للوطن، ومن إعطاء الأولوية للمصالح الخاصّة والفئوية والمذهبية على حساب الخير العام، والمتأتّي من دوام مخالفة الدستور والقوانين والواجبات، وفي رأسها عدم انتخاب رئيس للجمهورية، يؤدّي إلى انحلال المؤسسات الدستورية، وانتشار الفوضى في التصرفات والمواقف التي تستبيح انتهاك سيادة الدولة وسيادة الدول الأخرى، ولاسيما الصديقة منها. كل هذه الأمور تؤدي إلى هدم الدولة على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي. إننا نقدر جهود الإرادات الطيبة التي تعمل على وقف النزيف الوطني، وعلى ترميم العلاقات مع الدول الصديقة في محيطنا العربي.

أضاف البطريرك الماروني يقول إن إيمان المرأة النازفة بيسوع شفاها. نحن بحاجة إلى هذا الإيمان لكي نتوجّه إلى الله ملتمسين الشفاء من كلّ أنواع نزيفنا الشخصي والاجتماعي والوطني. لكن هذا الالتماس يقتضي وعيًا لنوع النزيف، وإقرارًا به. نحن لا نلتقي المسيح على الطريق، لنلمس طرف ردائه، بل نلتقيه في كلمة الإنجيل وتعليم الكنيسة التي تمسّ عقولنا وضمائرنا وتنقّيها من الكذب والضلال؛ ونلتقيه في نعمة سرَّي التوبة والقربان التي تمسّ قلوبنا ونفوسنا وتقدّسها؛ ونلتقيه في وصية المحبة التي إذا عشناها، أدخلتنا في صميم الاتّحاد بالله والوحدة مع جميع الناس. هذا اللقاء بالمسيح يجعلنا بدورنا فاعلين ناشطين في إيقاف أيّ نزيف يتعرّض له الآخرون، ويتعرّض له المجتمع والدولة، بقوّة اتّكالنا على نعمة الله ومعونته. وختم البطريرك الراعي عظته قائلا إنّ زمن الصوم الكبير ويوبيل سنة الرحمة هما "الزمن المقبول" لكي نكون بدورنا، كلُّ واحد في مكانه، رسلَ رحمة، نعكس وجه الله الرحوم.








All the contents on this site are copyrighted ©.