2016-01-01 12:46:00

البابا فرنسيس يحتفل بالقداس الإلهي في بداية السنة الجديدة


ترأس البابا فرنسيس صباح اليوم الجمعة في الأول من كانون الثاني يناير 2016 قداسا احتفاليا في بازيليك القديس بطرس بالفاتيكان لمناسبة اليوم العالمي للسلام وعيد العذراء مريم والدة الله. تخللت الاحتفال عظة للبابا قال فيها: لقد استمعنا إلى كلمات بولس الرسول "فلما تم الزمان، أرسل الله ابنه مولودا لامرأة" (غلاطية 4، 4). ماذا يعني أن يسوع وُلد عندما "تم الزمان"؟ إذا ما وُجهت أنظارنا نحو المحطة التاريخية، يمكن أن يُخيَّب ظنُنا فورا. كانت روما تسيطر على جزء كبير من العالم المعروف من خلال قوتها العسكرية. وقد وصل الإمبراطور أغسطس إلى السلطة بعد خمس حروب أهلية. وإسرائيل أيضا غزتها الإمبراطورية الرومانية وحُرم الشعب المختار من الحرية. بالنسبة لمن عاصروا يسوع لم يكن ذلك الزمان الأفضل. إذا يجب ألا ننظر إلى البيئة الجيوسياسية من أجل تحديد تمام الزمان.

تابع الأب الأقدس يقول إذا لا بد من تفسير آخر يشمل تمام الزمان من وجهة نظر الله. عندما قرر الله أنه آن الأوان لتحقيق الوعد المقطوع، تحقق بالنسبة للبشرية تمام الزمان. بالتالي فليس التاريخ من يقرر ولادة المسيح؛ بل بالأحرى إن مجيئه إلى العالم سمح للتاريخ بأن يبلغ تمامه. لهذا السبب بدأ تعداد حقبة جديدة انطلاقا من ولادة ابن الله، حقبة تحقق فيها الوعد القديم. كما كتب صاحب الرسالة إلى العبرانيين "إِنَّ اللهَ، بَعدَما كَلَّمَ الآباءَ قَديمًا بِالأَنبِياءَ مَرَّاتٍ كَثيرةً بِوُجوهٍ كَثيرة، كَلَّمَنا في آخِرِ الأَيَّام هذِه بِابْنٍ جَعَلَه وارِثًا لِكُلِّ شيء وبِه أَنشَأَ العالَمِين. هو شُعاعُ مَجْدِه وصُورةُ جَوهَرِه، يَحفَظُ كُلَّ شيَءٍ بِقُوَّةِ كَلِمَتِه" (عبرانيين 1، 1-3). إن تمام الزمان هو في المقام الأول حضور الله في تاريخنا. والآن يمكننا أن نرى مجده يشع في فقر إسطبل، يشجعنا ويدعمنا "كلمتُه" الذي صار "صغيرا" في طفل. بفضله يمكن أن يجد زماننا تمامه.

أضاف الأب الأقدس يقول لكن هذا السر يتعارض دائما مع الخبرة التاريخية المأساوية. يتعين علينا في كل يوم، وإذ نريد أن تدعمنا علامات حضور الله، أن نقوم بتعداد العلامات المتضاربة والسلبية التي تجعلنا نشعر بأن الله غائب. يبدو أن تمام الزمان يتفتت إزاء الأشكال المتعددة للظلم والعنف التي تجرّح البشرية يوميا. ونتساءل أحيانا: كيف يمكن أن يستمر طغيان الإنسان على الإنسان؟ أن تستمر غطرسة الأقوى في إذلال الأضعف، واضعة إياه في الهوامش الأكثر انحطاطا في عالمنا؟ إلى متى سيواصل الشر البشري زرع العنف والحقد في الأرض موقعا ضحايا أبرياء؟ كيف يمكن أن يتحقق تمام الزمان هذا عندما يُطرح أمام أعيننا العديدُ من الرجال والنساء والأطفال الهاربين من الحرب والجوع والاضطهاد والمستعدين للمخاطرة بحياتهم كيما تُحترم حقوقهم الأساسية؟ نهرٌ من البؤس، تغذيه الخطيئة، يبدو أنه يتعارض مع تمام الزمان الذي حققه المسيح.

تابع الحبر الأعظم يقول مع ذلك إن هذا النهر الطافح لا يستطيع أن يفعل شيئا إزاء محيط الرحمة الذي يغمر عالمنا. إننا مدعوون جميعا إلى الغوص في هذا المحيط، إلى تركه يجددنا بغية التغلب على اللامبالاة التي تعيق التضامن، والخروج من الحياد المزيّف الذي يعرقل المقاسمة. إن نعمة المسيح التي تحقق الخلاص المنتظَر تدفعنا لأن نتعاون معها في بناء عالم أكثر عدلا وأخوة حيث يتمكن فيه كل شخص وكل مخلوق من العيش بسلام، في تناغم الخليقة الأصلية لله.

أضاف الأب الأقدس يقول تحملنا الكنيسة، في بداية عام جديد، على التأمل بأمومة مريم كأيقونة للسلام. لقد تحقق الوعد القديم في شخصها. لقد صدّقت كلمات الملاك، حملت بالابن وأصبحت أم الرب. من خلالها، من خلال "نَعَمها"، وصل تمام الزمان. إن الإنجيل الذي سمعناه يقول إن العذراء "كانت تحفظ جميع هذه الأمور وتتأملها في قلبها" (لوقا 2، 19). إنها تُقدم نفسها لنا كإناءٍ مملوء على الدوام بذكرى يسوع، كرسي الحكمة، منها نستقي كي نحصل على التفسير المترابط لتعليمه. إنها تقدم لنا اليوم إمكانية أن نفهم معنى الأحداث التي تعنينا شخصيا، وتعني عائلاتنا وبلداننا والعالم بأسره. حيث يعجز عن الوصول رشد الفلاسفة وتفاوض السياسة، تبلغ قوة الإيمان الذي يحمل نعمة إنجيل المسيح، والقادر دائما على فتح دروب جديدة للرشد والتفاوض.

وختم البابا فرنسيس عظته بالقول طوبى لكِ يا مريم لأنك أعطيت للعالم ابن الله؛ وطوبى لك أيضا لأنك آمنتِ به. وإذ امتلأت بالإيمان، حملتِ يسوع في قلبك أولا ثم في أحشائك، لتصيري أما لكل المؤمنين (راجع أوغسطينس، عظة 215، 4). دعِ بركتك تشملنا في هذا اليوم المكرس لك؛ أرِنا وجه ابنك يسوع، الذي يهب العالم كله الرحمة والسلام.      








All the contents on this site are copyrighted ©.