2015-12-22 16:27:00

رسالة الكاردينال بياتشينزا للمعرّفين بمناسبة عيد الميلاد المجيد


مع اقتراب عيد الميلاد وجّه الكاردينال ماورو بياتشينزا رئيس محكمة التوبة الرسوليّة رسالة إلى جميع المعرّفين قال فيها إذ تحركنا أولى خطوات هذه السنة اليوبيليّة للرحمة وتقودنا حكمة صلوات هذه الأيام الأخيرة من زمن المجيء نستعدّ للدخول في دهشة الكنيسة الحيّة أمام سرّ العائلة المقدّسة التي أراد فيها ابن الآب الأزلي أن يصير إنسانًا "من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا".

تابع الكاردينال ماورو بياتشينزا يقول نعرف – وقد ذكّر الأب الأقدس بهذا الأمر أيضًا في أول صلاة تبشير ملائكي في حبريّته – كيف أن الحدث الذي نستعدّ للاحتفال به لا يمت بأي صلة للمفهوم الـ "خرافي" الذي كوّن حول هذا العيد وإنما يشكل سرًّا مقدّسًا سيُحاسب على أساسه العالم والتاريخ في نهاية الأزمنة، سرّ رحمة الله. في الواقع إن ابن الله لن يحاسب البشريّة فقط على أساس تصرّف أخلاقي، وإنما سوف نحاسب على أساس "حقيقة" محبّتنا: محبّة بشريّة كاملة وبالتالي ذكيّة وحرّة، محبة لا تمتلك الأخ بل تفهمه وتسعى إلى الخير الحقيقي؛ محبة تستعمل كل شيء وتضع حياتها في خدمة مصير البشر الأبدي، محبّة لا تستغل الأشخاص من أجل مصالحها؛ محبّة تأخذ موقفًا أمام سر ابن الله الذي صار إنسانًا والذي لا يزال يأتي باستمرار، أولاً في خفاء بيت لحم والآن في سرّ الكنيسة، وفي المجد في نهاية الأزمان.

أضاف رئيس محكمة التوبة الرسوليّة يقول نعرف أن محبّتنا هذه المدعوّة لتنمو كجواب على محبّة المسيح هي على الدوام محبة مجروحة، "تلوثها" الخطيئة وهي بحاجة لأن تكون حقيقيّة وأن تتنقّى وتُخلَّص. ولكن ما من بنية اجتماعيّة أو كنسيّة ولا أي تشجيع أخلاقي أو إستراتيجية بشريّة بإمكانها أن تحرّر المحبة وتجعلها حقيقيّة. وحدها نعمة المسيح تملك هذه القدرة. هو – كما ذكّرنا الأب الأقدس – سرّ الرحمة وعندما يُعترف به ويقبل يحرّر الإنسان ويجعله قادرًا على أن يحب حقيقة. لذلك وفي نهاية الأزمنة سنُحاسب على أساس حقيقة المسيح، على حقيقة محبّتنا له، وإنما في الوقت نفسه يبقى يسوع وحده القادر على تحرير محبّتنا وعلى جعلنا قادرين على حبِّه. وبالتالي فهو الديّان وهو المخلّص، هو العدالة وهو المحبّة، هو الحقيقة وهو الرحمة. أين يجد هذا التناقض الإلهي الظاهر حلّه؟ في سرّ الرحمة الكبير، في سرّ الاعتراف.

تابع الكاردينال ماورو بياتشينزا يقول في كل احتفال بهذا السرّ، تأتي مسبقًا لنَفسِ المؤمن الدينونة الأخيرة، ويفتح هذا الحاضر المؤمن بفضل النعمة على مستقبل المسيح: فالمؤمن، وبواسطة الكاهن المعرِّف والمشيئة الإلهيّة، يقف عند أقدام المسيح المتجسّد، المائت والقائم من الموت؛ وأمام ربِّه هو مدعو للاعتراف، نادمًا على أعماله وطالبًا عنها المغفرة وهكذا ومن خلال الحلّة، يعطى له أن ينفتح مجدّدًا على الحقيقة الكبيرة لسرّ المسيح وعلى حقيقة رحمته فتغمر التائب وترفعه وتحوّله ليصبح قادرًا على "عيش المسيح" ورؤية المسيح وإعلانه بفرح. لذلك لنقدّم نحن أيضًا بفرح حياتنا في خدمة لقاء الحقيقة والرحمة هذا؛ خدمة تتمُّ في الخفاء وإنما تجد قوّتها في الامتنان الكبير للميزة التي مُنحت لنا لنقود بشكل أسراريّ وحقيقي إخوتنا إلى "مغارة بيت لحم" ونضعهم في علاقة مع قلب المسيح الكليّ الرحمة فنراهم هكذا يولدون إلى الحياة الحقيقيّة. من هنا من كرسيّ الاعتراف يمكن أن يولد السلام الوحيد والحقيقيّ الذي يحتاجه العالم حقًّا، العضد الوحيد والفعّال للبشريّة بأسرها والتي بعد كل اعتراف تتنقى من الخطيئة وتُخلَّص من "الضُخان" المميت. ففي الاعتراف يتمّ العمل البيئي الأكثر جذريّةً.

وختم الكاردينال ماورو بياتشينزا رئيس محكمة التوبة الرسوليّة رسالته إلى جميع المعرّفين بالقول لنصلِّ من أجل بعضنا البعض، لاسيما في هذه الأيام الأخيرة من الاستعداد للميلاد المجيد، لكي وإذ تُطهِّرنا الرحمة التي تعبر من خلالنا في كل سرّ اعتراف نحتفل به، وإذ نغوص في الانتظار الإلهي لقلب المسيح الذي يجذب إليه كل التائبين، نسمح لسرّ الكلمة المتجسّد بأن يحوّلنا على الدوام. أشكركم من كل قلبي وأعبِّر لكم عن امتناني العميق على التضحية الصبورة والمحبة الراعوية اللتين تعبر عنهما خدمتكم السخيّة كمعرِّفين والتي تنير وتُجدِّد وتنعش أساسات الكنيسة عينها؛ وأؤكّد لكم صلاتي إلى العذراء مريم لكي تنال لكل كاهن منكم نعمة الإيمان الحي والأمانة الفرحة لدعوته ولكي تمنح الجميع نعمة الارتداد إلى حقيقة رحمة المسيح.           








All the contents on this site are copyrighted ©.