2015-12-19 14:40:00

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


وفي تلكَ الأَيَّام قَامَت مَريمُ فمَضَت مُسرِعَةً إِلى الجَبَل إِلى مَدينةٍ في يَهوذا. ودَخَلَت بَيتَ زَكَرِيَّا، فَسَلَّمَت على أَليصابات. فلَمَّا سَمِعَت أَليصاباتُ سَلامَ مَريَم، ارتَكَضَ الجَنينُ في بَطنِها، وَامتَلأَت مِنَ الرُّوحِ القُدُس، فَهَتَفَت بِأَعلى صَوتِها: "مُبارَكَةٌ أَنتِ في النِّساء! وَمُبارَكَةٌ ثَمَرَةُ بَطنِكِ! مِن أَينَ لي أَن تَأتِيَني أُمُّ رَبِّي؟ فما إِن وَقَعَ صَوتُ سَلامِكِ في أُذُنَيَّ حتَّى ارتَكَضَ الجَنينُ ابتِهاجًا في بَطْني فَطوبى لِمَن آمَنَت: فسَيَتِمُّ ما بَلَغها مِن عِندِ الرَّبّ" (لوقا 1، 39- 45).

للتأمُّل

تذكر الكنيسة في هذا الأحد زيارةَ مريم العذراء لنسيبتها إليصابات، بعد بشارةِ الملاك جبرائيل لها بأنّها ستكون أمَّ الإله المتجسّد، وإعلامِها بأنّ إليصاباتَ العاقر حُبلى هي أيضاً بابنٍ في شيخوختها، وهي في شهرها السادس. سافرت مريم مسرعة من الناصرة بلدتها إلى عين كارم بلدة إليصابات، قرب أورشليم، وهي حاملٌ بالربّ يسوع، وممتلئةٌ من الروح القدس، لكي تتقاسم مع إليصابات فرح الإيمان بما أوحاه الله في البشارتين، لزكريا ومريم، ولكي تشهد لإيمانها بمحبة الله وعنايته في خدمة إليصابات العجوز الحامل بيوحنا. نصلّي اليوم لكي يملأ قلبَ المسيحيّين فرحُ سرّ المسيح، فيعيشون الحياةَ الجديدة المُعطاةَ لهم بنعمة الأسرار، وينشرون هذا الفرح في خدمة ما هو حقٌّ وخيرٌ وسلام، ويبنون بيئةً إنسانيّةً تعمل على إنماءِ الشخص البشري إنماءً إنسانياً شاملاً، وإنماءِ المجتمع ثقافيًّا وأخلاقيًّا واقتصاديًّا.

"ذهبت مريم مسرعة إلى بيت إليصابات". إنّ مريم، في زيارتها لإليصابات هي صورة الكنيسة وصورة كلّ مؤمن ومؤمنة. هي أوّل رسول وأوّل مبشّر بسرّ المسيح. ولذلك سُمّيت "نجمة الكرازة بالإنجيل". إنّها أوّل من تبلّغ إنجيل يسوع المسيح، وأوّل من بشّر به، بشخص يسوع المسيح، "كلمة الله الذي صار بشراً"، جنيناً في حشاها. فكان التفاعل بين الجنينَين: يسوع ويوحنا، كما عبّرت إليصابات لمريم: "ما إن وقع صوت سلامك في أذنيّ حتى ارتكض الجنين من الابتهاج في بطني". وكان امتلاء إليصابات من الروح القدس، وكانت تحيتها النبوية لمريم المباركة في النساء، وأمِّ ربّها، وامرأة الإيمان.

إن الإيمان، كما تجلّى في شخص مريم، ليس مجرّد قبول فكري لوحي أو لحقيقة من عند الله، بل هو ترجمةُ هذا الوحي وهذه الحقيقة الخدمة المتواضعة لكلّ إنسان في حاجته، ويرفع الشكر والتسبيح لله على عطاياه وعلى ثمار هذه الخدمة. لكنّ خدمتنا المتفانية والمُؤدّاة بإيمان يقابلها حضور الله بروحه القدوس الذي يخاطب قلوبنا وقلوب مَن خدمناهم. في عين كارم، خدمة مريم لأليصابات أدّت إلى حضور الروح القدس، وحلوله على أليصابات وعلى الجنين يوحنا. فكانت كلمات النبوءة من فم أليصابات، ومن فم مريم.

الإيمان هو أن نؤمن بمحبة الله التي تجلّت في تجسُّد ابنه الوحيد يسوع المسيح، وموته على الصليب لفداء جميع البشر. ونؤمن بأنّ محبّة الله لا تتراجع ولا تنقص أمام شرور الإنسان، والشر والموت، بل تعمل على تحويل هذا الواقع، وعلى التحرير من عبوديّاته، وعلى إعطاء إمكانية الخلاص لكلّ إنسان. هذا الإيمان أثمر بابنٍ للزوجَين الطّاعنَين زكريا وأليصابات بعطية ابنٍ هو يوحنّا المعمدان، الذي قال عنه يسوع أنه "لم يولد إنسان مثل يوحنا".

وفيما نقول إن الإيمان عطيّة من الله، ندرك أيضاً أنه وبالعمق فعلٌ بشري وحرّ، نقول فيه، مثل مريم العذراء "نعم" لتصميم الله الخلاصي ولإرادته، فأيّها الربّ يسوع، أنعم علينا بهبة الإيمان، لكي على أمثال مريم أمّك، نفتح أذهاننا وقلوبنا لكلمة الإنجيل والكتب المقدّسة، فنقبلها ونجسّدها في الخدمة وفي ثقافة حياتنا اليومية. أفضْ علينا، يا ربّ، روحك القدّوس، كما أفضته على إليصابات، فنتعلّم منه الحقيقة ونعلنها بالقول والعمل، ونحترم كلّ حياة بشريّة من بداية تكوينها في حشا الأمّ حتى آخر لحظة من تاريخ وجودها. وأعطنا أن نلتزم شركة الوحدة في كنيستنا وبين سائر الكنائس، بالانخراط في الحركة المسكونيّة الروحية والراعوية، وفي حوار المحبة والحقيقة، فيعلم العالم أنّك أنت مبدأ وحدتنا وغايتها، وأنّ المحبة تفوق كلّ انقسام وخصام. ونرفع نشيد التسبيح للآب والابن والروح القدس الآن وإلى الأبد، آمين.








All the contents on this site are copyrighted ©.