2015-09-24 16:57:00

خطاب البابا أمام الكونغرس الأمريكي في واشنطن


قام البابا فرنسيس صباح اليوم الخميس بالتوقيت المحلي بزيارة إلى الكونغرس الأمريكي حيث خاطب أعضاء مجلسي النواب والشيوخ وتطرق في كلمته إلى دور ومسؤولية الفرد والمجتمع وإلى رسالة كل شخص. وذكّر البابا أعضاء المجلس التشريعي الأمريكي بأنهم مدعوون ـ في إطار الأوضاع الصعبة التي نعيشها حاليا ـ إلى حماية كرامة المواطنين والدفاع عنها في سياق البحث عن الخير العام الذي هو هدف كل نشاط سياسي. وتطرق بعدها البابا إلى شخصية النبي موسى الذي مثّل الشعب وقام بكتابة الناموس كي يضمن سير الشعب على الدرب القويمة، وكان موسى في الوقت نفسه موجّها نحو الله وسار بذلك نحو الكرامة المتسامية للكائن البشري.

هذا وتوجه البابا من خلال أعضاء الكونغرس إلى جميع المواطنين الأمريكيين، إلى الأشخاص الذين يتوجهون إلى عملهم يوميا من أجل تأمين لقمة العيش وتوفير حياة أفضل لهم ولعائلاتهم، وشدد على ضرورة ألا يُنظر إلى هؤلاء كأشخاص يسددون الضرائب وحسب، لأنهم يدعمون حياة المجتمع. بعدها شدد البابا فرنسيس على أن التاريخ البشري المعقد يعانق التنوع ومحدودية الأشخاص وصعوبة العمل والبحث عن مستقبل أفضل. ولفت إلى أن الشعب الأمريكي عرف كيف يواجه أزمات وتوترات وصراعات عدة في تاريخه وظل أمينا للقيم الأساسية وقادرا على إيجاد الموارد الملائمة للسير قدما وتعزيز الكرامة.

ولم يخلُ خطاب البابا من الإشارة إلى الرئيس الأمريكي الأسبق إبراهام لينكولن الذي يُحتفل هذا العام بالذكرى السنوية المائة والخمسين لاغتياله، مشيرا إلى أن هذه المناسبة تحملنا على التفكير بأهمية الحريات، خصوصا وأن هذا الرجل عمل بجهد كي تشهد الأمة الأمريكية ولادة جديدة في إطار الحرية. واعتبر البابا أن بناء مستقبل أفضل من الحرية يتطلب محبة الخير العام والتعاون في روح من التعاضد والتضامن. وأكد أن عالمنا اليوم يشهد صراعات عدة وأعمالا وحشية تُمارس باسم الله والدين معتبرا أن السبب ليس الدين إنما التطرف الأيديولوجي. كما حذر من كل شكل من أشكال الأصولية مشددا في الآن معا على ضرورة الحفاظ على الحريات الدينية والفكرية والفردية.

هذا ثم أشار البابا إلى أن مسؤوليات الكونغرس تحملنا على أن نفعل كل شيء ممكن من أجل تحقيق السلام والعدالة كما لا بد من التسلّح بالشجاعة والذكاء اللازمين كي نتمكن من حل العديد من المشاكل وليدة الأزمات الجيوسياسية والاقتصادية. وشدد على ضرورة إعادة بناء الرجاء وتعزيز رخاء الأشخاص والشعوب في إطار الأخوّة المتجددة والتضامن والتعاون السخي في سبيل الخير العام بشكل يتماشى مع تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية ويرتكز إلى الموارد الهائلة للأشخاص وكفاءاتهم. وذكّر بأن مختلف الطوائف الدينية ساهمت في بناء المجتمع الأمريكي وتدعيم أسسه، لذا من الأهمية بمكان أن يُسمع اليوم صوت الإيمان في المجتمع الأمريكي لأنه صوت الأخوة والمحبة.

شدد البابا فرنسيس بعدها على أهمية التعاون من أجل مكافحة الأشكال الجديدة للعبودية الناجمة عن حالات الظلم الكثيرة التي يمكن تخطيها فقط بواسطة سياسات وأشكال جديدة من التوافق الاجتماعي. وذكّر البابا بما جاء في إعلان الاستقلال للعام 1776، لافتا إلى أن النشاط السياسي مدعو في المقام الأول إلى تعزيز خير الكائن البشري واحترام كرامته التي منحه إياها الخالق وهذا يعني أن على السياسة ألا تشجع عبودية الاقتصاد والمال. وفي سياق حديثه عن ظاهرة الهجرة التي يشهدها عالم اليوم، وهي الأكبر من نوعها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، شدد البابا على أهمية التعامل مع المهاجرين كأشخاص لا كأرقام، كما سلط الضوء على ضرورة وضع حد لعقوبة الإعدام، كما يطالب أساقفة الولايات المتحدة لأن هذا الأمر هو من متطلبات قدسية الحياة البشرية.

هذا ثم قدم البابا لمحة عن أهم ما جاء في رسالته العامة "كن مسبحا" لافتا إلى الحاجة لجهود شجاعة ومسؤولة من أجل تغيير المسار المتبع حاليا واحتواء التدهور البيئي الذي تتسبب به الأنشطة البشرية. وفي سياق حديثه عن المساعي الرامية إلى حل الصراعات الراهنة من خلال الحوار، تطرق البابا إلى مسألة الاتجار بالأسلحة وقال إن هذه الأدوات تُباع إلى من يريدون التسبب بآلام جمة للأشخاص والمجتمع، والأرباح الناجمة عن تلك الصفقات تكون دائما أموالا ملطخة بالدماء. في الختام ذكّر البابا المشرعين الأمريكيين بأنه سيشارك في اللقاء العالمي للعائلات في فيلاديلفيا، وسلط الضوء على الدور الهام الذي تضطلع به العائلة من أجل بناء المجتمع، لذا من الأهمية بمكان أن تحظى الأسرة بالدعم اللازم في زمن نشهد فيه ارتباكا بشأن العلاقة بين الرجل والمرأة التي تشكل ركيزة الزواج والعائلة.    








All the contents on this site are copyrighted ©.