2015-07-06 19:57:00

البابا فرنسيس: الله يقترب على الدوام من الضواحي التي نفدت لديها الخمر


ترأس قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الاثنين القداس الإلهي في منتزه لوس سامانيس في غواياكويل بحضور حشد كبير من الأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات والمؤمنين وقد تخللت الذبيحة الإلهيّة عظة للأب الأقدس قال فيها: يشكّل نص الإنجيل الذي سمعناه الآية الأولى التي يخبرنا عنها إنجيل القديس يوحنا. فقلق مريم قد تحوّل إلى تضرّع ليسوع: "ليس عندهم خمر" وذِكرُ "الساعة" يمكن فهمه في روايات الآلام.

تابع الأب الأقدس يقول من الجيد أن يكون الأمر على هذا النحو، لأنه يسمح لنا برؤية رغبة يسوع في التعليم والمرافقة والشفاء وزرع الفرح من خلال صرخة أمّه هذه: "ليس عندهم خمر". إن عرس قانا يتكرر مع كل جيل ومع كل عائلة ومع كل فرد منا فيما نجتهد لكي يتمكّن قلبنا من أن يثبت في حب دائم خصب وفرح. لنعطِ مكانًا لمريم؛ "الأم" كما يقول الإنجيلي. ولنقم معها بمسيرة قانا. لقد كانت مريم منتبهة في هذا العرس الذي كان قد بدأ، وكانت متنبّهة لحاجات العروسين. لم تنشغل بنفسها ولم تنغمس في عالمها لأن حبّها قد جعلها "تكون لأجل" الآخرين. ولذلك تنبّهت لنقص الخمر. الخمر هو علامة فرح ومحبة ووفرة. كم من مراهقينا وشبابنا يشعرون بأن الخمر، ومنذ فترة، قد نقص من بيوتهم. كم من امرأة وحيدة وحزينة تتساءل متى زال الحب وتلاشى من حياتها. كم من المسنين يشعرون بأنهم قد تُركوا خارج أعياد عائلاتهم، منسيّين ولا يرتوون من الحب اليومي. يمكن لنقص الخمر أن يكون أيضًا نتيجة لنقص العمل أو الأمراض أو المشاكل التي تمرُّ بها عائلاتنا. مريم ليست أمًّا "متذمرة" كما وليست حماةً تسهر لتفرح بفشلنا وأخطائنا وسهونا. مريم هي أم! وها هي متنبِّهة ومُحبَّة.

أضاف الحبر الأعظم يقول لكن مريم تأتي بثقة إلى يسوع، مريم تصلّي. فهي لا تذهب إلى رئيس الخدم؛ بل تخبر ابنها مباشرة عن مشكلة العريسين. لكن الجواب الذي تناله يبدو غير مشجِّع: "ما لي وما لكِ؟ لم تأتِ ساعتي بعد" (الآية 4). ولكنها، وفي هذه الأثناء، كانت قد تركت المشكلة بين يدي الله. فاهتمامها لحاجات الآخرين يُسرِّع "ساعة" يسوع. فمريم هي جزء من هذه الساعة، منذ المغارة وحتى الصليب. فهي التي عرفت كيف "تحوّل مغارة حيوانات إلى بيت ليسوع، ببعض اللفائف الفقيرة وكمٍّ كبير من الحنان" (فرح الإنجيل، عدد 286) وقبلتنا كأبناء عندما جاز سيف في قلبها، تعلمنا أن نترك عائلاتنا بين يدي الله وأن نصلّي مُضرمة فينا الرجاء الذي يُظهر لنا أن قلقنا هو قلق الله أيضًا. إن الصلاة تنتشلنا على الدوام من محدودية قلقنا، وترفعنا عما يؤلمنا ويهزّنا وينقصنا وتضعنا مكان الآخرين. العائلة هي مدرسة تذكرنا فيها الصلاة أيضًا أن هناك "نحن" وبأن هناك قريبًا: يعيش تحت السقف عينه يقاسمني الحياة وهو معوز.

تابع البابا فرنسيس إن مريم قد تصرّفت في النهاية. والكلمات "مهما قال لكم فافعلوه" (الآية 5) والتي قالتها للخدم هي أيضًا دعوة لنا، لنضع أنفسنا في تصرُّف يسوع الذي جاء ليَخدُم لا ليُخدَم. فالخدمة هي مقياس الحب الحقيقي. وهذا الأمر نتعلّمه بشكل خاص في العائلة حيث نصبح بدافع المحبة خدامًا لبعضنا البعض. فما من أحد يُهمّش في كنف العائلة؛ فيها "نتعلّم الاستئذان باحترام، وأن نقول "شكرًا" كتعبير عن تقييم صادق للأشياء التي نحصل عليها، وأن نكبح العدوان أو الجشع، وأن نعتذر عند القيام بشيء سيء. إن لفتات المجاملة الصادقة هذه، تساعد في بناء ثقافة الحياة المشتركة واحترام كل ما يحيط بنا" (كُن مُسبَّحًا، عدد 213). فالعائلة هي المستشفى الأقرب، ومدرسة الأطفال الأولى، ومرجعية الشباب التي لا يمكن الاستغناء عنها، وأفضل ملجأ للمسنين. تشكل العائلة "الغنى الاجتماعي" الأكبر الذي لا يمكن لباقي المؤسسات أن تحلّ محلّه، والذي ينبغي مساعدته وتعزيزه لكي لا يُفقد أبدًا المعنى الحقيقي للخدمات التي يقدِّمها المجتمع للمواطنين. في الواقع، هذه ليست نوعًا من الاستعطاء وإنما هي "دَين اجتماعي" حقيقي تجاه العائلة التي تساهم كثيرًا في الخير العام لصالح الجميع.

أضاف الأب الأقدس يقول تشكّل العائلة أيضًا كنيسة صغيرة، "كنيسة بيتيّة" تنقل أيضًا، بالإضافة إلى الحياة، الحنان والرحمة الإلهيّة. في العائلة يختلط الإيمان بحليب الأم: باختباره لمحبة الوالدين يشعر المرء بقرب محبة الله. في العائلة تتمُّ المعجزات بما لدينا وبما نحن عليه وبما يملكه المرء بيده... وغالبًا ليس بالأمر المثالي، أو ما نحلم به أو ما "ينبغي أن يكون". إن الخمر الجديد في عرس قانا، يولد من أجران التطهير، أي من المكان الذي يترك فيه الجميع خطاياهم... "حيثُ كثُرَت الخطيئة فاضت النعمة" (روما 5، 20). في عائلة كل منا وفي العائلة المشتركة التي نكوّنها جميعًا لا شيء يُستبعَد ولا شيء يُعدُّ غير نافع. قبل أن نبدأ سنة اليوبيل للرحمة، ستعقد الكنيسة سينودسًا عاديًّا مخصصًا للعائلات، من أجل تعزيز تمييزٍ روحي حقيقي وإيجاد حلول ملموسة للعديد من الصعوبات والتحديات الكبيرة التي ينبغي على العائلة أن تواجهها في أيامنا. أدعوكم لتكثيف صلاتكم على هذه النيّة، لكي يحوِّل الله ما يبدو لنا دنسًا أو ما يسبب لنا عثرة ويخيفنا إلى معجزة يصنعها في "ساعته".

تابع البابا فرنسيس يقول لقد بدأت هذه القصة لأنه "ليس عندهم خمر"، وكل شيء تمّ لأن امرأة – العذراء – كانت منتبهة، وعرفت أن تضع قلقها بين يدي الله وتصرّفت بحكمة وشجاعة. ولكن النتيجة النهائية لم تكن أقل أهميّة: لقد ذاقوا الخمر الأفضل. وهذا هو الخبر السار: إن الخمر الأفضل لم يُشرب بعد، والأجمل والأعمق والأروع بالنسبة للعائلة سيأتي قريبًا. سيأتي الزمن الذي فيه سنتذوّق الحب اليومي ويكتشف أبناؤنا مجدّدًا المكان الذي نتقاسمه، ويكون المسنّون حاضرين في الفرح اليومي. إن الخمر الأفضل سيأتي لكل شخص يُخاطر من أجل الحب، سيأتي وإن كانت جميع المتغيرات والإحصاءات تشير إلى العكس؛ الخمر الأفضل سيأتي في الذين يرون اليوم كل شيء يُدمّر. إهمسوه إلى أن تصدِّقوه: الخمر الأفضل سيأتي، إهمسوه لفاقدي الرجاء أو لقُساة القلوب.

وختم البابا فرنسيس عظته بالقول الله يقترب على الدوام من الضواحي التي نفدت لديها الخمر، والذين يشربون من اليأس فقط؛ يسوع يفضّل أن يفيض الخمر الأفضل على الذين لسبب أو لآخر يشعرون بأن جميع أجرانهم قد كُسرت. وكما تدعونا مريم لنفعل "مهما يقوله لنا" ولنرفع الشكر لكي، وفي زمننا هذا وفي ساعتنا هذه، يجعلنا الخمر الجديد والأفضل نستعيد فرح أن نكون عائلة.

 

                

 








All the contents on this site are copyrighted ©.