2015-05-02 08:37:00

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


في ذلك الزمان، وقبل أن ينتقلَ يسوعُ من هذا العالَمِ إلى أبيه، قالَ لتلاميذِه: "أَنا الكَرمَةُ الحَقّ، وأَبي هوَ الكَرَّام. كُلُّ غُصنٍ فِيَّ لا يُثمِر يَفصِلُه. وكُلُّ غُصنٍ يثُمِر يُقَضِّبُه لِيَكثُرَ ثَمَرُه. أَنتُمُ الآنَ أَطهار بِفَضْلِ الكَلامِ الَّذي قُلتُه لَكم. أُثبُتوا فيَّ كما أَثبُتُ فيكم. وكما أَنَّ الغُصنَ، إِن لم يَثْبُتْ في الكَرمَة، لا يَستَطيعُ أَن يُثمِرَ مِن نَفْسِه، فكذلكَ أَنتُم لا تَستَطيعونَ أَن تُثمِروا إِن لم تَثبُتوا فيَّ. أَنا الكَرْمةُ وأَنتُمُ الأَغصان. فمَن ثَبَتَ فيَّ وثَبَتُّ فيه فَذاكَ الَّذي يُثمِرُ كثيرًا لأَنَّكُم، بِمَعزِلٍ عَنِّي لا تَستَطيعونَ أَن تَعمَلوا شيئًا. مَن لا يَثْبُتْ فيَّ يُلْقَ كالغُصنِ إِلى الخارِجِ فَيَيْبَس فيَجمَعونَ الأَغْصان وَيُلْقونَها في النَّارِ فَتَشتَعِل. إِذا ثَبَتُّم فيَّ وثَبَتَ كَلامي فيكُم فَاسأَلوا ما شِئتُم يَكُنْ لَكم. أَلا إِنَّ ما يُمَجَّدُ بِه أَبي أَن تُثمِروا ثمراً كثيراً، وتكونوا تلاميذي" (يوحنا 15، 1- 8).

للتأمل

قالَ يسوع لتلاميذِهِ: "أَنا الكرْمةُ وأَنتمُ الأَغصان. فمَن ثَبَتَ فيَّ وثَبَتُّ فيهِ فذاك الذي يُثمرُ كثيراً. أَمَّا بدوني فلا تَستطيعونَ أَنْ تَعمَلوا شيئاً. مَنْ لا يَثبُتْ فيَّ يُلقَ كالغُصْنِ إلى الخارجِ فيَيْبَس. والأَغصانُ اليابسةُ تُجمَعُ وتُلقَى في النارِ فتَحترِق. إذا ثَبَتُّمْ فيَّ وثَبَتَ كلامي فيكُم فاسأَلُوا ما شِئْتُم يَكُنْ لكم. أَلا إِنَّ ما يُمجَّدُ بهِ أَبي أَنْ تُثمروا ثَمَراً كثيراً وتكونوا لي تلاميذ." ( يوحنا 15/5-8 ). إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا التشبيه هي أنَّ حياةَ يسوع الإلهيَّة تنتقل إلى المسيحيين كما تنتقل حياةُ الكرمة إلى أغصانها. فيسوع هو الكرمة والمسيحيُّون هم الأغصان. فكما أنَّ الأغصان المتَّحدة بالكرمة تستمدُّ حياتها الطبيعيَّة من الكرمة، فكذلك المسيحيُّون المتَّحدون بيسوع يستمدُّون حياتهم الروحيَّة من يسوع.

إنَّ هذا التشبيه، وإِن كان يتمتَّع بقوّة تعبيريَّة فائقة، لا يستطيع أن يصف طبيعة اتِّحاد المسيحيين بيسوع على حقيقتها. فإنَّ اتِّحادَ المسيحيين بيسوع أشدُّ عمقاً, وأكثرُ غزارة، وأوفرُ حيويَّة من اتِّحاد الأغصان بالكرمة، ذلك لأنَّ يسوع الإله يمنح المؤمنين به حياة إلهيَّة تفوق بما لا يُقاس الحياة الطبيعيَّة المحدودة التي تمنحها الكرمة لأغصانها. إنَّ حياة المسيحيّين من دون اتحادهم بيسوع عقيمة روحيّاً. وإذا اتَّحدتْ به ازدهرت وحَظيت بالخصب الروحي. قال يسوع: "بدوني لا تَستطيعونَ أَنْ تعمَلوا شيئاً". إنَّ كلام الرب واضح، ولا يحتاج إلى تأويل. فنحن عاجزون عن القيام بأيِّ عمل صالح ومثمر إنْ لم نكن متَّحدين بيسوع في مسيرة حياتنا الطبيعيَّة، وأعمالنا الفرديَّة، ونشاطاتنا الجماعيَّة.

إنَّ مسيرة حياتنا الطبيعيَّة، وإن تتوَّجت بأعمال ناجحة ومُبهرة وقادرة على إثارة إعجاب الناس قاطبةً في مجالات الفنِّ أو الاقتصاد أو السياسة أو الاختراعات العلميَّة، تبقى عقيمةً في عينَيْ الله، ولا تأتي بأيِّ ثمر روحي إِن لم تتَّحِد بيسوع وتنتعش بحياته، لأنها تبقى مسيرةَ حياةٍ أرضيَّة تزول بزوالنا عن هذه الأرض. إن أعمالنا الدينيَّة الفرديَّة نفسها، كالوعظ والإرشاد والمحاضرات الدينيَّة وأعمال التقشُّف والتبشير بالإنجيل، تكون عقيمةً أيضاً إِنْ لم تتّحد بيسوع وتستمدَّ حيويَّتها من حياته الإلهيَّة وتتغذّى به، لأنها تنقلب آنذاك أعمالاً خارجيَّة محضة، لا حياةَ روحيّة فيها ولا ثمر، وتحمل كثيراً من الرياء والكبرياء المستورة. إن النشاطات الدينيَّة الجماعيَّة التي ننفِّذها في أثناء اجتماعات الأخويَّات الكنَسيَّة، لا قيمةَ لها روحيَّاً إلاَّ إذا اتَّحدت قلوبُنا، نحن أعضاءَ هذه الأخويَّات، بيسوع واستمدَّت منه القوَّة والحياة الإلهيَّة، لأنَّها تكون نشاطات فارغة روحيَّاً. وبخلاف ذلك، فإن نشاطاتنا المسيحيّة تكون مخصبة إذا اتَّحدنا بيسوع الكرمة الحقيقيَّة.

قال يسوع: "مَن ثَبَتَ فيَّ وثَبَتُّ فيهِ فذاكَ الذي يُتمِرُ كثيراً". في الحياة اليوميَّة أعمالٌ كثيرة تبدو خارجيَّاً تافهة, لا تتمتَّع بأيَّة قيمة بشريَّة كعمل العامل في ورشة العمل، أو ألم المريض الذي تذوب حياته على مهل وهو متمدِّد على فراش الألم، أو تعب التاجر الصغير الذي يجاهد كثيراً ليجني ربحاً معقولاً يعيل به أُسرَتَهُ. إن هذه الأعمال العاديَّة التي لا تَلْتفِتُ إليها أبصارُ الناس، تكون مخصبة روحيَّاً إذا اتَّحدت قلوبُ أصحابها بيسوع مصدر الحياة الإلهيَّة. ونحن المسيحيين الذين نتَّحد بيسوع تكون حياتنا العاديَّة مُخصبة روحيَّاً بفضل ثلاثة أفعال متكاملة نقوم بها وهي: قبول المعموديَّة المقدّسة، التوجُّه إلى يسوع باستمرار، والقيام بالصلاة والأعمال الصالحة. فمَن قَبِلَ المعمودية، وعاش في حال النعمة المقدِّسة، ووجَّه عقله وقلبه ومحبَّته إلى يسوع، وجعل صلاته وعمله في سبيل مجده، اتَّحد به وكان كالغصن المتَّحِد بالكرمة، فأتى بثمر كثير يُمَجِّد اسم يسوع في هذه الحياة وفي الحياة الأبديَّة. أما الثمر الكثير الذي يُمَجِّد اسم يسوع فهو بلوغ القداسة التي دُعينا إليها منذ الأزل، ونحن لا نزال على الأرض، كما ذكر بولس الرسول ذلك عندما قال: "تباركَ اللهُ أَبو ربِّنا يسوعَ المسيح الذي اختارَنا في المسيح قَبْلَ إِنشاء العالَمِ  لنكونَ عندَهُ قدّيسين بِلا لَومٍ في المحبّة" ( أفسس 1/3-4 ).








All the contents on this site are copyrighted ©.