2015-03-27 14:18:00

عظة الأب كانتالاميسا الأخيرة لزمن الصوم


ألقى الأب رانييرو كانتالاميسا واعظ القصر الرسولي عظته الأخيرة لزمن الصوم صباح اليوم الجمعة في كابلة أم الفادي بالفاتيكان بحضور الأب الأقدس وأعضاء الكوريا الرومانية، واستهلها بالقول نقرأ في معجم اللاهوت الروحي: "إن هدف الحياة بالنسبة للمسيحيين الشرقيين هو التألّه أما بالنسبة لمسيحيّي الغرب فهو نوال القداسة... بحسب المسيحيين الشرقيين، إن الكلمة صار جسدًا ليعيد إلى الإنسان صورة الله التي تشوّهت بسبب آدم وليؤلّهه، أما بحسب اللاهوت الغربي فالله صار إنسانًا ليفتدي البشريّة ويحرّرها من الخطيئة..." لقد أعلنت نبؤات العهد القديم "العهد الجديد والأبدي" ويمكننا أن نميّز عنصرين أساسيين الأول، وهو سلبي ويقوم على محو الخطيئة والشر، والثاني، إيجابي ويقوم على عطيّة القلب الجديد والروح الجديد: "وأَرُشُّ عليكم ماء طاهِرًا، فتَطهُرونَ مِن كُلِّ نَجاسَتِكم، وأُطَهِّرُكم مِن جَميعِ قَذاراتِكم. وأُعْطيكم قَلبًا جَديدًا وأَجعَلُ في أَحْشائِكم روحًا جَديدًا وأَنزِعُ مِن لَحمِكم قَلبَ الحَجَر، وأُعْطيكم قَلبًا مِن لَحْم" (حزقيال 36، 25- 27).

تابع الأب كانتالاميسا يقول هناك إذًا ما سينزعه الله من الإنسان: النجاسة وقلب الحجر، وسيعطيه قلبًا جديدًا وروحًا جديدًا. يمكننا أن نرى في العهد الجديد هذين المكوّنين بوضوح، إذ منذ بدايات الإنجيل، يقدّم يوحنا المعمدانُ يسوعَ كـ "الحمل الذي يحمل خطيئة العالم"، وإنما أيضًا كـ "الذي يُعمِّدُ بالروح القدس". في الأناجيل الإزائية يغلب طابع الافتداء من الخطيئة، إذ نجد يسوع يقدم نفسه كالعبد الذي يأخذ على عاتقه خطايا الشعب. هذا الجانب نجده أيضًا في إنجيل يوحنا وهو يرتبط أيضًا بموضوع حمل الله الذي يرفع خطايا العالم. أما في رسالته الأولى فيقدّم لنا يسوع كـ "كَفَّارةٍ لِخَطايانا لا لِخَطايانا وحْدَها بل لِخَطايا العالَمِ أَجمعَ" (1 يوحنا 2، 2). أما في رسائل القديس بولس فنجد هذين العنصرين في توازن كامل. ففي الرسالة إلى أهل روما، يسلّط القديس بولس الضوء أولاً على ما جاء المسيح ليحررنا منه من خلال موته على الصليب: أي الموت والخطيئة والشريعة، ويعرض لنا من ثمَّ بهاء ما منحه المسيح للإنسان من خلال موته وقيامته أي الروح القدس وبواسطته البنوّة الإلهية ومحبة الله واليقين بالمجد النهائي.

أضاف واعظ القصر الرسولي يقول أما في الانتقال من الكتاب المقدس إلى كتابات آباء الكنيسة فيمكننا أن نلاحظ قبولاً مختلفًا لهذين العنصرين. فبحسب الرأي العام قبل الشرق العنصر الإيجابي أي الخلاص: تألّيه الإنسان واستعادة صورة الله، أما الغرب فقد قبل العنصر السلبي أي التحرر من الخطيئة. وبالتالي سنحاول معًا تصحيح بعض التعميمات التي قد تجعل هاتين الرؤيتين تبدوان متباعدتين عن بعضهما بعكس ما هما في الواقع. يفضل اللاتين أن يعبروا عن نتيجة المعمودية الإيجابية من خلال المفهوم البولسي للبنوّة الإلهية. فبحسب القديس يوحنا الصليب إن العمليات التي تتم طبيعيًّا في الثالوث تتمّ بفضل النعمة في روح المسيحي: عقيدة لا تختلف عن عقيدة التأليه الأرثوذكسيّة وتقوم على ما يؤكّده القديس يوحنا في إنجيله حول إقامة الثالوث في الإنسان المؤمن: "إذا أَحَبَّني أَحَد حَفِظَ كلامي فأحَبَّه أَبي ونأتي إِلَيه فنَجعَلُ لَنا عِندَه مُقاماً" (يوحنا 14، 23). وأشار الأب كانتالاميسا إلى أن فكرة الخلاص بالنسبة للأرثوذكس لا تتلخّص فقط في مبدأ التأليه إذ أن فكرة التضحية من أجل الخطايا وفكرة الافتداء حاضرتان أيضًا في كتابات القديس أتناسيوس، وباسيليوس، وغريغوريوس النيصي، وبالتالي يشكّل سرّ المسيح الفصحيّ بالنسبة للآباء اليونانيين جزءًا جوهريًا وسبيلاً للتأليه. فبالنسبة لنيكولا كاباسيلاس هناك جداران يمنعان الشركة بين الله وبيننا: الطبيعة والخطيئة. الأول قد أزاله الفادي بتجسّده والثاني بصلبه لأن الصليب قد دمّر الخطيئة.

تابع الأب رانييرو كانتالاميسا مشيرًا إلى أن الاختلاف بين الرؤيتين يظهر بوضوح في أسلوب فهم الخطيئة الأصليّة ومفاعيل المعموديّة لأن الشرقيين لا يعتبرون الخطيئة الأصلية كخطيئة حقيقيّة متوارثة وإنما كمجرد نقل لطبيعة مجروحة تواقة إلى الخطيئة. وبحسب قانون الإيمان يعترف اللاتين واليونانيّون "بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا"، ولكن المعمودية بالنسبة للشرقيّين لا تهدف لإزالة الخطيئة الأصليّة وإنما لتحرير الإنسان من سلطة الخطيئة بشكل عام، لاستعادة صورة الله التي فُقدت وإدخال المُعمَّد في آدم الجديد أي المسيح. وفي هذا الإطار تابع الأب كانتالاميسا تأمله ليتوقف عند إسهام القديس أغوسطينوس في تسليط الضوء على عمل النعمة في المعموديّة لاسيما في حفظ الإنسان وشفائه من الخطيئة وأكّد أن القديس أغوسطينوس وجميع الذين لحقوا به لم يتوانوا أبدًا عن إظهار خيور المعموديّة الأخرى: أي البنوة الإلهيّة، والدخول في جسد المسيح السريّ، ونوال الروح القدس، والعديد من المواهب الأخرى. لكن هذا الأمر لم يلغِ أبدًا، تلك النظرة السائدة، بحسب الرأي العام للجانب السلبي، أي التحرر من الخطيئة والذي طغى دائمًا على الجانب الإيجابي أي عطيّة الروح القدس.

وفي هذا السياق توقّف واعظ القصر الرسولي عند النظرة الإيجابيّة للشرقيين حول الإنسان والخلاص التي تسلط الضوء على عظمة الإنسان وكرامته كصورة لله إزاء العقيدة الغربيّة التي تشدّد على الخطيئة وبؤس الإنسان. وقال يكتب بليز باسكال: "إن معرفة الله بدون معرفتنا لضعفنا تولّد فينا الكبرياء. ومعرفة ضعفنا بدون معرفة الله تولّد فينا اليأس. وبالتالي فإن معرفة يسوع المسيح تشكّل حلاً متوسطًا لأننا نجد فيه الله وضعفنا". بالنسبة للقديس أغوسطينوس والقديس أنسلموس شكّل التشديد على الخطيئة أسلوبًا مختلفًا لإظهار عظمة عمل المسيح، فقد أبرزا "كثرة الخطيئة" ليعظّما "فيض النعمة" (راجع روما 5، 20). لكن هذا الأمر أدى في النهاية إلى تحويل النعمة، في بُعد سلبي، إلى مجرّد دواء ضد الخطيئة، كما نقرأ أيضًا في الإعلان الفصحيّ: "يا لها من خطيئة سعيدة، خطيئة آدم التي استحقّت لنا هذا الخلاص!". وعند هذه النقطة بالذات، بفضل نعمة الله، نشهد من منذ زمن على تغيير تاريخي، إذ يجتاز جميع الكنائس الغربيّة تيّار نعمة وهو حركة التجدد بالروح القدس والتجدد المواهبي على مختلف أنواعه.

تابع واعظ القصر الرسولي يقول: في كلمته لمسؤولي حركة التجدد بالروح القدس عام 1998 قال القديس يوحنا بولس الثاني: "إن حركة التجدد بالروح القدس، ... كعنصرة جديدة قد ولّدت في حياة الكنيسة ازدهار جماعات وحركات تدرك عمل الروح القدس... ما أكثر المؤمنين العلمانيين الذين اختبروا في حياتهم عظمة الروح القدس ومواهبه. ما أكثر الأشخاص الذين اكتشفوا مجدّدًا معنى الإيمان والصلاة وجمال كلمة الله وقوّتها، وجسّدوا هذا كلّه في خدمة سخيّة لرسالة الكنيسة! ما أكثر الأشخاص الذين تغيّرت حياتهم في عمقها!" وأضاف الأب كانتالاميسا يقول لا يمكنني أن أؤكد أن جميع الأشخاص المنتمين إلى "تيار النعمة" هذا يعيشون جميعهم هذه الميزات، لكنني قد اختبرت أنه حتى الأكثر بساطة فيهم يعرفون ماهيّتها ويحاولون تطبيقها في حياتهم. فهم يقدمون صورة خارجيّة مختلفة للحياة المسيحيّة: حياة فَرِحة ومُعدية تُعاش بقوة الروح القدس ومسحته.

وختم واعظ القصر الرسولي الأب رانييرو كانتالاميسا عظته الأخيرة لزمن الصوم بالقول: يؤكّد الكتاب المقدّس على أولويّة عمل الروح القدس المقدِّس، يكفي أن نقرا الفصلين الثاني عشر والثالث عشر من الرسالة الأولى إلى أهل كورنتس حول تعدد المواهب وأعظمها أي المحبة. ولكن لا ينبغي التركيز على المواهب بل من الأهميّة بمكان أن نوجّه جهودنا لعيش حياة حقيقيّة في المسيح وفي الروح القدس تقوم على التشبه بالمسيح وبالتالي على إماتة أعمال الجسد والبحث عن ثمار الروح.                 








All the contents on this site are copyrighted ©.