2015-03-14 13:49:00

البابا فرنسيس يعلن يوبيلاً استثنائيًّا: سنة مقدّسة للرحمة


يوبيل إستثنائي، سنة مقدّسة للرحمة: هذا هو الإعلان الذي قام به البابا فرنسيس عصر أمس الجمعة في عظته مترئسًا رتبة التوبة في بازيليك القديس بطرس بالفاتيكان مفتتحًا مبادرة "24 ساعة للرب". وخلال العظة شدّد الأب الأقدس على غنى رحمة الله مُسلِّطًا الضوء على عظمة المحبّة التي ينظر بها يسوع إلينا، وعظمة المحبة التي يشفي بها قلبنا الخاطئ.

قال البابا فرنسيس: لقد قررت أن أُقيم يوبيلاً استثنائيًّا يتمحور حول رحمة الله. ستكون سنة مقدّسة للرحمة. نريد أن نعيشها في ضوء كلمة الرب: "كونوا رحماء كما أن أباكم السماوي رحيم". هذه السنة ستبدأ مع عيد الحبل بلا دنس المقبل – أي في الثامن من كانون الأول ديسمبر لعام 2015 – وستُختتم في العشرين من تشرين الثاني نوفمبر لعام 2016، في عيد سيدنا يسوع ملك الكون ووجه رحمة الآب الحيّ. بهذا الإعلان اختتم الحبر الأعظم عظته في رتبة التوبة التي احتفل بها عصر أمس في البازيليك الفاتيكانيّة، يوبيل استثنائي يراه الأب الأقدس كفرصة يمكن للكنيسة من خلالها أن تجعل مهمتها في الشهادة لرحمة الله أكثر وضوحًا.

هذا وكان الأب الأقدس قد استهل عظته بالقول: نتحد اليوم مع العديد من المسيحيين الذين، وفي كلّ أنحاء العالم، قبلوا الدعوة لعيش هذه اللحظة كعلامة لصلاح الرب. في الواقع، إن سرّ المصالحة يسمح لنا بالاقتراب بثقة من الآب ليكون لدينا الثقة بمغفرته. إنه فعلاً "غنيٌّ بالرحمة" ويمنحها بوفرة للذين يلجأون إليه بقلب صادق. أن نكون هنا لنختبر محبة الله هو أولاً ثمرة رحمته. كما يذكرنا القديس بولس الرسول، فالله لم يكف أبدًا عن إظهار غنى رحمته عبر العصور. إن تحوُّل القلب الذي يحملنا للاعتراف بخطايانا هو "هبة من الله" وعطيّة منه، إنه عمله (راجع أفسس 2، 8- 10). أن نُلمس بحنان يده ونُطبع بنعمته يسمح لنا بالاقتراب من الكاهن بدون خوف من خطايانا وإنما باليقين بأنه سيقبلنا باسم الله ويتفهّمنا بالرغم من بؤسنا، وعندما نخرج من كرسيّ الاعتراف سنشعر بقوّة الله التي تعطينا الحياة مُجدّدًا وتُعيد إلينا حماس الإيمان، لأننا نولد مجدّدًا بعد الاعتراف.

تابع البابا فرنسيس يقول يفتح لنا الإنجيل الذي سمعناه مسيرة رجاء وعزاء. سيساعدنا أن نشعر بنظرة يسوع الشفوقة نفسها التي شعرت بها تلك المرأة الخاطئة في بيت الفريسيّ. تعود إلينا في هذا المقطع من الإنجيل بإصرار كلمتان: حبٌّ وحكم. نجد محبّة المرأة الخاطئة التي تتواضع أمام الرب، ولكن هناك أيضًا محبة يسوع الشفوقة لها التي تدفعها للاقتراب. إن بكاء توبتها وفرحها قد غسلا رجلي المعلّم، فمسحتهما بامتنان بشعرها، وقبّلتهما عبارة عن محبّتها الطاهرة، ودهنتهما بالطيب لتؤكّد بأنه ثمين في عينيها. كل تصرُّف من تصرّفات هذه المرأة يحدثنا عن الحب ويعبّر عن رغبتها بالحصول على يقين ثابت في حياتها: بأن يُغفر لها. ويسوع يعطيها هذا اليقين: يقبلها ويُظهر لها محبة الله لها هي الخاطئة! المحبة والمغفرة متزامنان: الله يغفر لها كثيرًا، ويغفر لها كلّ شيء لأنها أحبّت كثيرًا (لو 7، 47)؛ وهي بدورها تُحب يسوع لأنها شعرت أنه يحمل رحمة في داخله وأنه لا يحاكم. شعرت بأن يسوع يفهمها بمحبة هي التي كانت خاطئة. بفضل يسوع ترك لها الله خطاياها الكثيرة ولم يعد يذكرها. فبدأت بالنسبة لها مرحلة جديدة، وُلدت من الحب لحياة جديدة.

أضاف الحبر الأعظم يقول لقد التقت هذه المرأة فعلاً بالرب. في الصمت فتحت له قلبها، في الألم أظهرت له توبتها عن خطاياها، ببكائها نادت الصلاح الإلهي لتنال الغفران. لن يكون هناك أي حكم عليها، إلا ذلك الذي يأتي من الله وهو حكم رحمة. الحب هو رائد هذا اللقاء: الرحمة التي تذهب أبعد من العدالة! وسمعان، رب البيت الفرّيسي، لم يتمكن من إيجاد طريق الحب. بقي واقفًا عند عتبة الشكليّات. فهو ليس قادر على القيام بالخطوة التالية للذهاب إلى لقاء يسوع الذي يحمل إليه الخلاص. لقد توقف سمعان فقط عند دعوته ليسوع إلى الطعام عنده لكنه لم يستقبله. وقف يفكّر بالعدالة فقط وبالتالي أبعده حكمه على المرأة عن الحقيقة ولم يسمح له حتى أن يفهم من هو ضيفه. بقي عند الشكليات، لم يكن قادرًا على النظر إلى القلب. إزاء المثل الذي ضربه يسوع وأمام سؤاله حول أيهما من الخدام يَكونُ أَكثَرَ حُبّاً لَه، فأَجابَه سِمعان: "أَظُنُّه ذاك الَّذي أَعفاهُ مِنَ الأَكثرَ"، فقالَ له: "بِالصَّوابِ حَكَمتَ".

تابع الأب الأقدس يقول إن دعوة يسوع تدفع كل منا لعدم التوقف عند سطحيّة الأمور لاسيما عندما نقف أمام شخص ما، وبالتالي نحن مدعوون لننظر أبعد وللتركيز على قلبه لنرى سخاءه. لا يمكن لأحد أن يُستثنى من رحمة الله والجميع يعرف الدرب للوصول إليها، والكنيسة هي البيت الذي يقبل الجميع ولا يرفض أحد. أبوابها مشرّعة على الدوام لكي يجد الغفران جميع الذي لمستهم النعمة. وبالتالي عندما تكون الخطيئة أكبر ينبغي على الكنيسة أن تظهر حبًا أكبر تجاه الذين يتوبون. ما أعظم المحبة التي ينظر بها يسوع إلينا! وما أعظم المحبة التي يشفي بها قلبنا الخاطئ! هو لا يخاف أبدًا من خطايانا! لنتأمل بالابن الضال الذي قرّر العودة إلى أبيه فراح يفكر بما سيقوله له، لكن الأب لم يترك له المجال ليتكلم بل عانقه؛ وهكذا يتصرّف يسوع معنا!

وختم البابا فرنسيس عظته بالقول أعتقد أن الكنيسة بأسرها بحاجة للرحمة لأننا خطأة، ويمكنها أن تجد في هذا اليوبيل فرح اكتشاف رحمة الله وجعلها خصبة، تلك الرحمة التي دُعينا لنُعطي من خلالها العزاء لكل رجل وامرأة في زمننا. لا ننسينَّ أبدًا بأن الله يغفر كل شيء على الدوام، وبالتالي فلا ينبغي علينا أن نتعب من طلب المغفرة. لنكل هذه السنة منذ الآن إلى أم الرحمة لكي تميل نظرها إلينا وتسهر على مسيرتنا: مسيرة توبة، مسيرة بقلب مفتوح لننال غفران الله ورحمته!                            








All the contents on this site are copyrighted ©.