2015-03-11 12:27:00

البابا فرنسيس: الشيخوخة تحتوي نعمة ورسالة، دعوة حقيقيّة من الربّ!


أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان واستهل تعليمه الأسبوعي بالقول أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، في تعليم اليوم نتابع تأمّلنا حول الأجداد، آخذين بعين الإعتبار قيمة وأهميّة دورهم في العائلة. أقوم بهذا متماثلاً بهؤلاء الأشخاص لأنّني أنتمي أيضًا إلى هذه المرحلة من العمر.

عندما كنت في الفيليبين كان الشعب الفيليبينيّ يناديني الجدّ فرنسيس! أوّلاً من الأهمّيّة التشديد: صحيح أنّ المجتمع يتوق إلى تهميشنا، لكنّ الربّ بالتأكيد لا يهمّشنا. هو يدعونا لإتّباعه في كلّ مرحلة من الحياة، والشيخوخة أيضًا تحتوي نعمة ورسالة، دعوة حقيقيّة من الربّ. الشيخوخة دعوة! لم يحن الوقت بعد "للتوقّف عن السير". هذه المرحلة من الحياة مختلفة عن المراحل السابقة، بلا شكّ ينبغي علينا أيضًا أن "نبتكرها"، لأنّ مجتمعاتنا ليست مُستعدّة، روحيًّا وأخلاقيًّا، لتعطي هذه المرحلة من الحياة قيمتها الكاملة. في الواقع، في الماضي لم يكن من الطبيعيّ أن نحظى بمتّسع من الوقت، لكنّ الأمور قد تغيّرت اليوم. حتى الروحانيّة المسيحيّة قد أُخِذَت بالمفاجأة والأمر يتعلّق بتحديد روحانيّة للأشخاص المسنّين. بفضل الله لا تنقُصُنا شهادات القدّيسين والقدّيسات!

تابع الأب الأقدس يقول: لقد تأثّرتُ جدًا بـ "يوم المسنّين" الذي أقمناه هنا في ساحة القدّيس بطرس في العام الماضي، وقد غصّت الساحة بالمؤمنين: لقد أصغيتُ إلى قصص مُسنّين يبذلون أنفسهم في سبيل الآخرين، وقصص أزواج كانوا يقولون لي: "نحتفل اليوم بالذكرى الخمسين لزواجنا" أو "نحتفل اليوم بالذكرى الستين لزواجنا" أقول لكم: "هذا ما ينبغي أن نُظهره للشّباب الذين يتعبون بسرعة: شهادة المُسنّين في الأمانة، وقد كانوا كثيرين في ذلك اليوم. إنّه تأمّل ينبغي علينا متابعته، في الإطار الكنسيّ كما في الإطار المدنيّ. صورة مؤثّرة ومشجّعة هي صورة سمعان وحنّة اللذَين يحدّثنا عنهما إنجيل طفولة يسوع الذي كتبه القدّيس لوقا. لقد كانا شيخين، سمعان الشيخ وحنّة النبيّة التي كان لها من العمر أربع وثمانون سنة. ولم تكن تخفي عمرها. يخبرنا الإنجيل أنّهما كانا ينتظران يوميًّا مجيء الله بأمانة كبيرة منذ سنوات طويلة. لقد أرادا رؤيته في ذاك النهار وقراءة علاماته وإدراك بدايته. وربّما كانا قد استسلما قليلاً لإمكانية الموت قبل أن يحصل ذلك: لقد استمر ذاك الإنتظار الطويل مُرافقًا حياتهما كلّها، لم يكن لديهما إلتزامات أهمّ من هذا الإلتزام: الصلاة وانتظار الرب. وبالتّالي عندما وصل يوسف ومريم إلى الهيكل ليتمّما ما تفرضه الشّريعة، انطلق سمعان وحنّة يحركّهما الروح القدس (راجع لوقا ۲، ۲٧). وفي لحظة اختفى ثقل العمر والإنتظار، عرفا الطفل واكتشفا قوّة جديدة من أجل مهمّة جديدة: تقديم الشّكر والشّهادة لعلامة الله هذه. إرتجل سمعان نشيد شكر جميل (راجع لوقا 2، 29- 32) – لقد أصبح شاعرًا في تلك اللحظة – وأصبحت حنّة أوّل مبشّرة بيسوع: "فأخذت وتُحَدِّثُ بِأَمرِ الطِّفلِ كُلَّ مَن كانَ يَنتَظِرُ افتِداءَ أُورَشَليم" (لوقا ۲، ۳٨).

أضاف الحبر الأعظم أيّها الأجداد الأعزّاء، أيّها المسنّون الأعزّاء، لنَسِرْ على خطى هذين الشّيخين الرائعين! لنصبحْ نحن أيضًا شعراء صلاة: لنتلذّذْ في البحث عن كلماتنا، ولنستحوذ مجدّدًا على تلك الكلمات التي تعلّمنا إيّاها كلمة الله. إنّها عطيّة كبيرة للكنيسة، صلاة الأجداد والمسنّين! صلاة الأجداد والمسنّين هي عطيّة وغنى للكنيسة! إنّها أيضًا دفع حكمة كبير للمجتمع البشريّ بأسره: خصوصًا للمجتمعات المنشغلة والتائهة. ينبغي على أحد أن ينشد لهم أيضًا علامات الله، أن يعلن لهم علامات الله ويصلّي من أجلهم! لننظر إلى بندكتس السادس عشر الذي اختار أن يقضي بالصلاة والإصغاء لله آخر مرحلة من حياته! جميل هذا الخيار! يقول أحد كبار المؤمنين في التّقليد الأرثوذكسيّ أوليفيير كليمان: "الحضارة التي يُصَلَّى فيها هي حضارة لا يوجد للشيخوخة فيها معنى. وهذا أمر مُخيف، نحن بحاجة أولاً لمسنّين يُصلّون، لأنّ الشّيخوخة قد أُعطيت لنا لنصلّي". نحن بحاجة لمسنّين يصلّون لأن الشيخوخة أُعطيت لنا من أجل الصلاة. وصلاة المسنّين هي أمر جميل!

تابع البابا يقول يمكننا أن نشكر الربّ على النعم التي نلناها ونملأ فراغ عدم الإمتنان الذي يحيط بها. يمكننا أن نتضرّع من أجل انتظارات الأجيال الجديدة ونكرّم ذاكرة وتضحيات الأجيال الماضية. يمكننا أن نُذَكِّرَ الشّباب الطموحين بأنّ الحياة بلا حبّ هي حياة عقيمة. يمكننا أن نقول للخائفين أنّه بإمكانهم التغلّب على الخوف من المستقبل. يمكننا أن نُعَلِّمَ الشباب المغرورين بأنفسهم أنّه هناك فرح في العطاء أكثر منه في الأخذ. إنّ الأجداد والجدّات يشكّلون "الجوقة" الدائمة لمزار روحيّ كبير، حيث يعضد نشيد التّسبيح وصلاة التضرّع الجماعة التي تعمل وتناضل في حقل الحياة.

وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول إنّ الصلاة تُطهِّر القلب باستمرار. التّسبيح والتضرّع لله يحميان من تصلّب القلب في الإستياء والأنانيّة. ما أفظع تهكُّم مسنٍّ فَقَدَ معنى شهادته، يزدري الشّباب ولا ينقل حكمة حياة! ولكنّ ما أجمل التّشجيع الذي يمكن للمسنّ أن ينقله للشاب الذي يبحث عن معنى الإيمان والحياة! إنّها حقًّا رسالة الأجداد ودعوة المسنّين. إنّ كلمات الأجداد تحمل شيئًا مميّزًا للشّباب وهم يعرفون ذلك. فأنا ما زلت أحتفظ حتى الآن، في كتاب صلوات الفرض، بالكلمات التي كتبتها لي جدّتي يوم سيامتي الكهنوتيّة، ولا زلت أقرؤها غالبًا، وهذا الأمر يساعدني. وأضاف: كم أرغب بكنيسة تتحدّى ثقافة الإقصاء بفرح يفيض من عِنَاق جديد بين الشّباب والمسّنين! وهذا العناق هو ما أطلبه اليوم من الربّ!     








All the contents on this site are copyrighted ©.