2015-02-15 11:25:00

البابا فرنسيس: درب الكنيسة هي على الدوام درب يسوع: درب الشفقة والإدماج!


ترأس قداسة البابا فرنسيس صباح هذا الأحد القداس الإلهي في بازيليك القديس بطرس بالفاتيكان عاونه فيه الكرادلة الجدد الذين أعلنهم أمس في الكونسيستوار العادي العام وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة استهلها بالقول: "إِن شِئتَ فأَنتَ قادِرٌ على أَن تُبرِئَني" فأَشفَقَ عليهِ يسوع ومَدَّ يَدَه فلَمَسَه وقالَ له: "قد شِئتُ فَابرَأ" (راجع مرقس 1، 40- 41). هذه هي شفقة يسوع! وهي تقرّبه من كل شخص متألّم. فيسوع لا يوفّر نفسه بل يدخل ببساطة في ألم الناس وحاجتهم لأن قلبه لا يخجل من أن يُشفق. "فصارَ يسوعُ لا يَستَطيعُ أَن يَدخُلَ مَدينةً عَلانِيَةً، بل كانَ يُقيمُ في ظاهِرِها في أَماكِنَ مُقفِرَة" (مرقس 1، 45). وهذا الأمر يعني أنه لم يشف الأبرص فقط بل أخذ على عاتقه أيضًا التهميش الذي كانت تفرضه شريعة موسى. فيسوع لم يَخَف من تبنّي ألم الآخر ولكنّه دفع الثمن حتى النهاية. فشفقة يسوع تحمله ليتصرّف بشكل ملموس: لإدماج المهمّش. وهذه هي المبادئ الأساسية التي تقدمها لنا الكنيسة اليوم في ليتورجية الكلمة: شفقة يسوع إزاء التهميش ورغبته في إدماج الأشخاص.

تابع الحبر الأعظم يقول تصوروا كم من الألم والخجل وُجب على الأبرص أن يتحمّل: جسديًّا، اجتماعيًّا، نفسيًّا وروحيًّا! فهو لم يكن فقط ضحيّة للمرض ولكنه كان يشعر أيضًا بأنه المذنب الذي يُعاقب بسبب خطاياه! أضف على ذلك أن الأبرص يولّد في الآخرين الخوف والازدراء والاشمئزاز وبالتالي كان يُترك من أهله فيتحاشاه الآخرون ويُهمّشه المجتمع. وإن اقترب منه شخص سليم كان يُعاقب بدوره ويُعامل كالأبرص. لقد كانت هذه الشريعة تهدف لحماية الأصحّاء والأبرار وذلك من خلال تهميش الخطر بمعاملته بدون شفقة، تمامًا كما أعلن قيافا عظيم الكهنة: "خَيرٌ لكُم أَن يَموتَ رَجُلٌ واحدٌ عَنِ الشَّعْب ولا تَهلِكَ الأُمَّةُ بِأَسرِها" (يوحنا 11، 50).

أضاف الأب الأقدس يقول أما يسوع فقد جدّد وهزّ بقوّة تلك الذهنيّة المنغلقة بالخوف والمحدودة بالأحكام المُسبّقة. فهو لم يلغي شريعة موسى بل تمّمها عندما أعلن أن الله لا يقبل شريعة السبت التي تحتقر الإنسان وتحاكمه، أو عندما أمام المرأة الخاطئة لم يحاكمها بل أنقذها من الغيرة العمياء التي دفعت البعض لرجمها بلا رحمة. يسوع قد جدّد الضمائر أيضًا من خلال عظة الجبل وفتح آفاقًا جديدة للبشرية مُظهرًا لها منطق الله، منطق المحبّة الذي لا يقوم على الخوف وإنما على الحريّة والمحبة والغيرة السليمة ورغبة الله الخلاصيّة: "اللهِ مُخَلِّصِنا... يُريدُ أَن يَخْلُصَ جَميعُ النَّاسِ ويَبلُغوا إِلى مَعرِفَةِ الحَقّ" (1 طيم 2، 3- 4). "أُريدُ الرَّحمَةَ لا الذَّبيحة" (متى 12، 7).

فيسوع، موسى الجديد، قد أراد أن يشفي الأبرص، أراد أن يلمسه، أراد أن يعيد ضمّه إلى الجماعة بدون أن يُحدّ ذاته في الأحكام المُسبّقة، وبالتالي فهو يُجيب بلا تردد على توسّل الأبرص وبدون دراسة الحالة والتبعات التي قد تنتج عنها. المهمّ بالنسبة ليسوع هو أن يصل إلى البعيدين ويخلّصهم، أن يُداوي جراح المرضى ويعيد ضم الجميع إلى عائلة الله، وهذا الأمر قد شكّك البعض. لكن يسوع لم يخف من هذا النوع من التشكيك، لأنّه لا يفكّر بالأشخاص المنغلقين الذين يتشكّكون من الشفاء، أو من الانفتاح ومن كل خطوة لا تدخل في مخططاتهم الفكرية والروحيّة، أو من كل تصرف محبّة وحنان لا يتناسب مع عادات تفكيرهم وطهارة طقوسهم. لقد أراد أن يدمج المهمّشين ويُخلّص الذين هم خارج الحظيرة (راجع يوحنا 10). إنهما منطقان للفكر والإيمان: الخوف من فقدان المخلّصين والرغبة في خلاص الهالكين. وهذان المنطقان قد رافقا مسيرة الكنيسة بأسرها عبر التاريخ: تهميش وإعادة إدماج. إن القديس بولس في تحقيقه لوصيّة الرب في حمل بشارة الإنجيل إلى أقاصي الأرض قد كان سبب شكٍّ وواجه مقاومة كبيرة وعدائيّة كبيرة لاسيما من قبل الذين كانوا يُطالبون بتطبيق غير مشروط لشريعة موسى حتى من قبل الوثنيين الذين اعتمدوا. أما القديس بطرس فقد تعرّض أيضًا لانتقادات قاسية من قبل الجماعة عندما دخل بيت قائد المائة قُرنيليوس (راجع أعمال 10).

تابع البابا فرنسيس يقول إن درب الكنيسة هي على الدوام درب يسوع: درب الشفقة والإدماج، لكن هذا لا يعني أن نستخفّ بالمخاطر وإنما أن نقبل الابن الضال والتائب؛ أن نشفي جراح الخطيئة بشجاعة وتصميم؛ ونكشف عن سواعدنا فلا نقف بشكل سلبي إزاء ألم العالم. إن درب الكنيسة هي درب عدم الحكم على أحد؛ درب نشر رحمة الله لجميع الأشخاص الذين يطلبونها بقلب صادق؛ درب الكنيسة هي درب الخروج من الحظيرة للانطلاق إلى الضواحي الوجوديّة للبحث عن البعيدين؛ إنها درب تَبَنّي منطق الله وإتباع المعلم الذي قال: "لَيسَ الأَصِحَّاءُ بِمُحتاجينَ إِلى طَبيب، بلِ المَرْضى. ما جِئتُ لأُدعُوَ الأَبرار، بَلِ الخاطِئينَ إِلى التَّوبَة" (لوقا 5، 31- 32).

بشفائه للأبرص لم يسبب يسوع أي أذى للأصحاء وإنما حرّرهم من خوفهم، لم يسبب لهم خطرًا بل منحهم أخًا، لم يحتقر الشريعة بل رفع الإنسان الذي من أجله أوحى الله بالشريعة. في الواقع إن يسوع يحرّر الأصحاء من تجربة "الأخ الأكبر" (راجع لوقا 15، 11- 32) ومن ثقل الحسد وثرثرة الفعلة " الَّذينَ احتَمَلوا ثِقَلَ النَّهارِ وَحَرَّه الشَّديد" (راجع متى 20، 1-16)؛ وبالتالي: لا يمكن للمحبة أن تكون غير مبالية، فاترة أو جزئيّة! المحبة تُعدي وتسحر، تُخاطر وتُلزم! لأن المحبة الحقيقية هي على الدوام مجانية وغير مشروطة! (راجع 1 كورنتس 13). المحبة مُبدعة في إيجاد اللغة المناسبة للتواصل مع جميع الذين يُعتبرون أنهم من الصعب أن يُشفوا وبالتالي لا يمكن لمسهم. اللمس هو لغة التواصل الحقيقية، لغة التحبيب عينها التي نقلت الشفاء للأبرص. كم من الشفاءات يمكننا أن نحقق وننقل إن تعلّمنا هذه اللغة! لقد كان أبرصًا وأصبح مبشّرًا لمحبّة الله. يخبرنا الإنجيل: "انصَرَفَ وَأَخَذَ يُنادي بِأَعلى صَوتِه ويُذيعُ الخَبَر" (مرقس 1، 45). أيها الكرادلة الجدد الأعزاء، هذا هو منطق يسوع وهذه هي درب الكنيسة: لا يكفي أن نقبل وندمج، بشجاعة إنجيلية، الذين يقرعون بابنا فقط وإنما ينبغي علينا أيضًا أن ننطلق بدون خوف وأحكام مُسبّقة للبحث عن البعيدين ونظهر لهم مجّانًا ما نلناه مجّانًا.

وختم قداسة البابا فرنسيس عظته بالقول أيها الإخوة الأعزاء، إذ ننظر إلى يسوع وأمنا مريم، أحثكم على خدمة يسوع المصلوب في كل شخص مُهمّش لأي سبب كان؛ ولرؤية الرب في كل شخص مُستبعدٍ جائع، عطشان وعريان؛ الرب حاضر أيضًا في جميع الذين فقدوا الإيمان، أو الذين ابتعدوا عن عيش إيمانهم؛ لرؤية الرب في السجن والرب المريض، والعاطل عن العمل والمُضطهد؛ لرؤية الرب في الأبرص – في الجسد والروح – والذي يتعرّض للتمييز والظلم! لن نكتشف الرب ما لم نقبل المُهمّش بشكل حقيقي! لنتذكر على الدوام صورة القديس فرنسيس الذي لم يخف من مُعانقة الأبرص ومن قبول جميع الذين يتعرضون لجميع أنواع التمييز والظلم. في الواقع إن إنجيل المهّشين يُكتشف ويظهر في مصداقيتنا!           








All the contents on this site are copyrighted ©.