2014-12-06 15:03:00

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


بَدءُ بِشارَةِ يسوعَ المسيحِ ابنِ الله: كُتِبَ في سِفرِ النَّبِيِّ أَشَعيا: "هاءنذا أُرسِلُ رَسولي قُدَّامَكَ لِيُعِدَّ طَريقَكَ. صَوتُ مُنادٍ في البَرِّيَّة: أَعِدُّوا طَريقَ الرَّبّ وَاجعَلوا سُبُلَه قَويمة". تَمَّ ذلكَ يَومَ ظَهَرَ يوحَنَّا المَعمَدانُ في البَرِّيَّة، يُنادي بِمَعمودِيَّةِ التَوبَةِ لِغُفرانِ الخَطايا. وكانَ يَخرُجُ إِليه أَهْلُ بِلادِ اليَهودِيَّةِ كُلُّها، وجَميعُ أَهلِ أُورَشَليم، فيَعتَمِدونَ عن يَدِه في نَهرِ الأُردُنّ، مُعتَرِفينَ بِخطاياهم. وكانَ يوحنَّا يَلبَسُ وَبَرَ الإِبِل، وزُنَّارًا مِن جِلْد، وكانَ يَأكُلُ الجَرادَ والعَسلَ البَرِّيّ. وكانَ يُعلِنُ فيَقول: "يَأتي بَعدي مَن هو أَقوى مِنيِّ، مَن لَستُ أهلاً لأَن أَنَحنِيَ فأَفُكَ رِباطَ حِذائِه. أَنا عَمَّدتُكم بِالماء، وأَمَّا هُوَ فيُعَمِّدُكم بِالرُّوحِ القُدُس" (مرقس 1، 1- 8).

للتأمل

في هذا الأحد الثاني من زمن المجيء تدعونا كلمة الله لنُعدَّ طَريقَ الرَّبّ ونجعل سُبُلَه قَويمة أي أن نضع أنفسنا في تلك الحالة الروحية التي تجعلنا نفحص حياتنا وتصرفاتنا بعمق في ضوء الإيمان والرجاء والمحبة وإن كنا نسير على الدرب الذي رسمها لنا يسوع الرب المتجسّد الذي تنازل وواضع نفسه حتى الموت على الصليب من أجل خلاصنا.

فأمام المسيح لا يمكننا أن نبقى مكتوفي الأيدي كما وأنه لا يمكننا ألا نقوّم تصرفاتنا ونصلح مواقفنا لتعكس رسالة الإنجيل التي ينبغي علينا أن نحملها للعالم. ولذلك تضع الكنيسة أمامنا اليوم في الليتورجية صورة القديس يوحنا المعمدان ذلك الصوت الصارخ في البريّة ليرافقنا في مسيرة ارتدادنا فنصغي مجدّدًا إلى صوت الله بالرغم من ضوضاء العالم التي تحيط بنا.

يجعلنا إنجيل هذا الأحد نلمس بيدنا رسالة المجيء التي يعلنها بشجاعة يوحنا المعمدان. فيوحنا هو المثال الصادق للقداسة والأمانة، للتوبة والشجاعة والتواضع أساس كل مسيرة حقيقية نحو الميلاد. بالتواضع أي بالاعتراف بأننا لسنا أهلاً للانحناء لفك رباط حذاء يسوع تبدأ مسيرتنا نحو الخلاص. أن نعترف بأننا خطأة، كما يذكرنا على الدوام قداسة البابا فرنسيس، هو أول خطوة لنا في مسيرتنا نحو القداسة، لأن الذي لا يعترف بضعفه وبحاجته للإرتداد والخلاص يراوح مكانه ولا يمكنه أن يقبل الرب لأنه ممتلئ بنفسه. نحن أيضًا وبالرغم من مقاصدنا في إتباع الرب يسوع نختبر يوميًّا الكبرياء وقساوة قلبنا. ولكن عندما نعترف بأننا خطأة، يملؤنا الرب برحمته ومحبّته. هو يغفر لنا دائمًا. وهذا ما يجعلنا ننمو كشعب الله وكنيسة: ليست مهارتنا ولا استحقاقاتنا – لأننا لسنا بشيء – وإنما الخبرة اليوميّة لمقدار محبة الله لنا واهتمامه بنا، هذا ما يجعلنا نشعر فعلاً بأننا خاصته وبين يديه ويجعلنا ننمو في الشركة معه وفيما بيننا، فنشعر بأننا بين يدي الله، الذي هو أب ويحبنا، يحنو علينا وينتظرنا. وهذا أمر جميل جدًّا.

يكتب الطوباوي غيريك ديغني في تأمل له حول إنجيل هذا الأحد: إنّ طريق الربّ الذي يُطلَبُ منّا إعداده يتمّ من خلال السير عليه، ونحن نسير عليه أثناء إعداده. حتّى لو قطعتم مسافة طويلة على هذا الطريق، يبقى عليكم دائمًا أن تعدّوه، كي تتمكّنوا، من النقطة التي بلغتموها، من البقاء مشدودين نحو الأبعد. بهذه الطريقة، ومع كلّ خطوة تقومون بها، تلاقون الربّ الذي تعدّون طريقه، الربّ المتجدّد دائمًا والأعظم دائمًا. لهذا السبب، يصلّي البارّ بهذه الطريقة: "عَلِّمْنِي يَا رَبُّ طَرِيقَ فَرَائِضِكَ فَأَحْفَظَهَا إِلَى النِّهَايَةِ" (مز119(118): 33). لكن نحن الذين نتكلّم عن التقدّم على هذا الطريق، فليساعدنا الربّ لنكون على الأقلّ قد بدأنا بالسير عليه! برأيي، كلّ مَن بدأ بسلوك هذا الدرب أصبح على الطريق الصحيح؛ لكن علينا فعلاً أن نكون قد بدأنا. وأن نكون قد وجدنا "سبيلاً إلى مدينة مأهولة" (مز107(106): 4)، لأنّ "الَّذينَ يَهتَدونَ إِليهِ قَليلون" (متى7: 14)، وكثيرون هم الذين "يتخبّطون في وحدتهم".

وأنت يا ربّ، فقد أعددتَ لنا طريقًا، وعلينا فقط أن نوافق على السير عليه. علّمتنا طريق إرادتك وقلت: "هذا هو الطَّريق فآسلُكوه إذا يامَنتُم وإذا ياسَرتُم" (أش30: 21). هذا هو الطريق الذي وعد به النبي: "ويَكونُ هُناكَ مَسلَكٌ وطَريق يُقالُ لَه الطَّريقُ المُقَدَّس لا يَعبُرُ فيه نَجِس" (أش35: 8). "كنت شابًا وقد شخت" (مز37 (36): 25)، وإن لم تخنّي ذاكرتي، فأنا لم أرَ قط جهلاء يتوهون على طريقك؛ بالكاد رأيت بعض الحكماء الذين استطاعوا السير عليه حتّى النهاية.








All the contents on this site are copyrighted ©.