2014-11-01 15:34:00

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


في ذلك الزَّمان: قال يسوع لتلاميذه: "إِذا جاءَ ابنُ الإِنسانِ في مَجْدِه، تُواكِبُه جَميعُ الملائِكة، يَجلِسُ على عَرشِ مَجدِه، وتُحشَرُ لَدَيهِ جَميعُ الأُمَم، فيَفصِلُ بَعضَهم عن بَعْضٍ، كما يَفصِلُ الرَّاعي النِعاج عنِ الجِداء. فيُقيمُ النِّعاج عن يَمينِه والجِداءَ عن شِمالِه. ثُمَّ يَقولُ الملِكُ لِلَّذينَ عن يَمينِه: "تَعالَوا، يا مَن بارَكَهم أَبي، فرِثوا المَلكوتَ المُعَدَّ لَكُم مَنذُ إِنشاءِ العَالَم: لأَنِّي جُعتُ فأَطعَمتُموني، وعَطِشتُ فسَقَيتُموني، وكُنتُ غَريبًا فآويتُموني، وعُريانًا فَكسَوتُموني، ومَريضًا فعُدتُموني، وسَجينًا فجِئتُم إِلَيَّ". فيُجيبُه الأَبرار: "يا رَبّ، متى رأَيناكَ جائعًا فأَطعَمْناك أَو عَطشانَ فسَقيناك؟ ومتى رأَيناكَ غريبًا فآويناك أَو عُريانًا فكَسَوناك؟ ومتى رَأَيناكَ مريضًا أَو سَجينًا فجِئنا إِلَيكَ؟" فيُجيبُهُمُ المَلِك: "الحَقَّ أَقولُ لَكم: كُلَّما صَنعتُم شَيئًا مِن ذلك لِواحِدٍ مِن إِخوتي هؤُلاءِ الصِّغار، فلي قد صَنَعتُموه". ثُمَّ يقولُ لِلَّذينَ عنِ الشِّمال: "إِليكُم عَنِّي، أَيُّها المَلاعين، إِلى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ المُعدَّةِ لإِبليسَ وملائِكَتِه: لأِنِّي جُعتُ فَما أَطعَمتُموني، وعَطِشتُ فما سَقَيتُموني، وكُنتُ غَريبًا فما آوَيتُموني، وعُريانًا فما كَسوتُموني، ومَريضًا وسَجينًا فما زُرتُموني". فيُجيبُه هؤلاءِ أَيضًا: "يا رَبّ، متى رَأَيناكَ جائعًا أَو عَطشان، غَريبًا أَو عُريانًا، مريضًا أَو سجينًا، وما أَسعَفْناك؟" فيُجيبُهم: "الحَقَّ أَقولُ لَكم: أَيَّما مَرَّةٍ لم تَصنَعوا ذلك لِواحِدٍ مِن هؤُلاءِ الصِّغار فَلي لم تَصنَعوه". فيَذهَبُ هؤُلاءِ إِلى العَذابِ الأَبديّ، والأَبرارُ إِلى الحَياةِ الأَبدِيَّة". (متى 25، 31- 46)

 

للتـأمل

بعد أن احتفلنا بعيد جميع القدّيسين، تدعونا الكنيسة اليوم لإحياء تذكار جميع الموتى المؤمنين، وتحويل أعيننا إلى الوجوه الكثيرة التي سبقتنا والتي أتمّت رحلتها الدنيويّة.

نحن نذهب في هذه الأيّام إلى المقبرة للصلاة من أجل أحبّائنا الذين تركونا، ما يشبه الذهاب لزيارتهم للتعبير لهم، مرّةً أخرى، عن حبّنا، وللشعور بأنّهم قريبون منّا، مستذكرين أيضًا، في هذا السبيل، نقطةً من قانون الإيمان. ففي شراكة القدّيسين هناك ارتباطٌ وثيق بيننا نحن السائرين على هذه الأرض وبين الكثيرين من إخواننا وأخواتنا الذين بلغوا دار الأبديّة.

وعلى الرغم من أنّ الموت غالبًا ما يمثّل موضوعًا محظورًا تقريبًا في مجتمعنا، ورغم أنّ هناك جهدًا متواصلا لإزالة التفكير في الموت من عقولنا، إلا أنّه يطال كلَّ فردٍ منّا، ويطال إنسان كلِّ زمان وكلّ مكان. أمام هذا السرّ يبحث كلٌّ منّا، بشكلٍ لاشعوريّ، عن أمرٍ يدعونا إلى الأمل، عن علامة تعزّينا وتفتح أمامنا أفقًا جديدًا وتقدّم لنا مستقبلا جديدًا. فطريق الموت، في الواقع، ما هو إلا وسيلةٌ للأمل والسير بمسيرة تتميّز برجاء الأبديّة.

إنّ الاحتفال بعيد جميع القديسين وتذكار جميع الموتى المؤمنين يخبرنا بأنّ من يعترف بأمل كبير في الموت، هو فقط يستطيع أن يعيش حياةً من الأمل. فالإنسان يحتاج إلى الأبديّة، ويجد معناه الأعمق، فقط إذا كان هناك الله، ونحن نعرف أنّ الله قد اقترب منّا، ودخل حياتنا ويقول لنا: "أنا القيامة والحياة: من آمن بي وإن مات فسيحيا، وكلّ من يحيا ويؤمن بي لا يموت للأبد" (يوحنّا 11، 25-26).

يكتب القديس هيبوليطس الروماني: "تَعالَوا، يا مَن بارَكَهم أَبي، فرِثوا المَلكوتَ المُعَدَّ لَكُم مَنذُ إِنشاءِ العَالَم". تعالَوا يا مَن أحببتم الفقراء والغُرباء؛ تعالَوا يا مَن بقيتم أوفياءَ لمحبّتي لأنّني أنا المحبّة... ها إنّ ملكوتي مُعدٌّ وسمائي مفتوحة. ها إنّ خلودي يظهر في بهائِه. "تعالوا جميعاً فرِثوا المَلكوتَ المُعَدَّ لَكُم مَنذُ إِنشاءِ العَالَم".

وإذا بالأبرار يتفاجؤون من دعوتهم للاقتراب كأصدقاء - يا للعجب – من ذاك الذي لا تراه القوّات الملائكيّة بوضوح، ويجيبون بصوتٍ قويّ: "يا رَبّ، متى رأَيناكَ؟ هل كنت جائعاً فأَطعَمْناك؟ يا سيّد، هل كنت عَطشانًا فسَقيناك؟ وكنت عُرياناً فكَسَوناك، أنت مَن نَعبُد؟ وأنتَ أيّها الخالد، متى رأَيناكَ غريباً فآويناك؟ أنتَ يا مَن أحببت ابن الإنسان، متى رَأَيناكَ مريضاً أَو سَجيناً فجِئنا إِلَيكَ؟ أنتَ هو الأزليّ، وأنتَ مع الآب من دون بداية، وتُشارك في الأبديّة مع الروح. أنتَ خلقتَ كلّ شيء من العدم، وأنتَ ملك الملائكة، وأنتَ من تخشاه أسافل الأرض. أَنتَ المُلتَحِفُ بِالنُّورِ كرِداءٍ وأنتَ من جَبَلَ الإِنسانَ تُرابًا مِنَ الأَرض، وأنتَ مَن خَلق الكائنات غير المرئيّة. "مِن وَجهِك هَرَبَتِ الأَرضُ والسَّماء. فكيف استقبلنا مُلكك وسلطتك؟"

فأجابهم ملك الملوك قائلاً: "كُلَّما صَنعتُم شَيئاً مِن ذلك لِواحِدٍ مِن إِخوتي هؤُلاءِ الصِّغار، فلي قد صَنَعتُموه. كُلَّما استقبلتم وكسوتم هؤلاء الفقراء الذين حدّثتكم عنهم، وأطعمتموهم وسقيتموهم وهم أَعضائي الكَثيرَة، فلي قد صَنَعتُموه. لكن تعالوا فرِثوا المَلكوتَ المُعَدَّ لَكُم مَنذُ إِنشاءِ العَالَم. فتستمتعون أبدًا بخيرات أبي الذي في السماء، وبالروح القدس الذي يعطي الحياة". أي لغة يمكنها أن تصف هذه الحسنات؟ "ما لم تَرَهُ عَيْنٌ ولا سَمِعَت بِه أُذُنٌ ولا خَطَرَ على قَلْبِ بَشَر، ذلكً ما أَعدَّه اللهُ لِلَّذينَ يُحِبُّونَه".

ويعود بوضوح إلى أذهاننا قول المعلّم: "لا تضطرب قلوبكم. أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي أيضًا. في بيت أبي منازل كثيرة ولو لم تكن، أتُراني قلت لكم أنا ذاهب لأعدّ لكم مقامًا؟" (يوحنّا 14، 1-2). لقد أظهر الله ذاته حقًّا، وأصبح في متناولنا، وهو أحبّ العالم لدرجة أنّه "بذل ابنه الوحيد، كيلا يهلك من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبديّة" (يوحنّا 3، 16). وفي أقصى محبّة الصليب، غلب الموت وقام وفتح لنا أيضًا أبواب الأبديّة. إنّ المسيح يدعمنا في ظلمة الموت الذي مرّ به هو بنفسه، وهو الراعي الصالح الذي يمكننا الاتّكال على توجيهه دون أيّ خوف، لأنّه يعرف الطريق جيّدًا، حتّى في الظلام.

كلَّ يوم أحد، عند تلاوتنا قانون الإيمان، نؤكّد على هذه الحقيقة من جديد. مرّةً أخرى، نحن مدعوّون إلى تجديد إيماننا بالحياة الأبديّة بشجاعة وقوّة، بل إلى العيش بهذا الأمل الكبير، حتّى نشهد عليه أمام العالم: وراء الحاضر لا يوجد العدم. إنّ الإيمان بالحياة الأبديّة هو ما يعطي للمسيحيّ الشجاعة في محبّة أرضنا هذه بشكلٍ أعمق والعمل على بناء مستقبل لها، حتى نمنحها الأمل الحقيقيّ الأكيد. (من تعليم البابا بندكتس السادس عشر)

 








All the contents on this site are copyrighted ©.