2014-10-04 16:49:00

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


في ذلك الزّمان: قالَ يسوعُ للأَحبارِ وشيوخِ الشَّعب: "إِسمَعوا مَثَلاً آخَر: غَرَسَ رَبُّ بَيتٍ كَرما، فَسيَّجَه وحفَرَ فيه مَعصَرَة، وبَنى بُرجا، وآجَرَهُ بَعضَ الكرَّامين، ثُمَّ سافَر". فلمَّا حانَ وَقتُ الثَّمَر، أَرسَلَ عبيدَهُ إِلى الكَرَّامينَ، لِيَأخُذوا ثَمَرَه. فأَمسَكَ الكرَّامونَ عَبيدَهُ، فضرَبوا أَحدَهم، وقتَلوا غيرَه، ورَجَموا الآخَر. فأَرسَلَ أَيضًا عَبيداً آخَرينَ أَكثرَ عَددًا مِنَ الأَوَّلينَ، ففَعلوا بِهِم مِثلَ ذلِك. فأَرسَلَ إِليهِمِ ابنَه آخِرَ الأَمرِ وقال: "سيَهابونَ، ابْني". فلَمَّا رَأَى الكرَّامونَ الابنَ، قالَ بَعضُهم لِبَعض: "هُوَذا الوارِث، هَلُمَّ نَقتُلهُ، ونَأخُذ مِيراثَه". فأَمسَكوهُ وأَلقَوهُ في خارِجِ الكَرمِ وقتَلوه. فماذا يَفعَلُ رَبُّ الكَرمِ بِأُولئِكَ الكَرَّامينَ عِندَ عَودَتِه؟" قالوا له: "يُهلِكُ هؤُلاءِ الأَشرارَ شَرَّ هَلاك، ويُؤجِرُ الكَرمَ كَرَّامينَ آخَرينَ يُؤَدُّونَ إِليهِ الثَّمَرَ في وَقتِه". قالَ لَهم يسوع: "أَما قَرأتُم قَطُّ في الكُتُب: "الحَجَرُ الَّذي رذَلَهُ البنَّاؤُونَ، هو الَّذي صارَ رَأسَ الزَّاوِيَة. ذاكَ صُنعُ الرَّبّ، وهو عَجَبٌ لأبصارِنا". لِذلكَ أَقولُ لَكم: "إِنَّ مَلكوتَ اللهِ سَيُنزَعُ مِنكُم، ويُعطى أُمَّةً تجعَلهُ يُخرِج ثَمَرَهُ" (متى 21، 33- 43).

 

للتأمل

يحدثنا إنجيل هذا الأحد أيضًا عن الكرم، لقد كان الكرم بالنسبة للشعب اليهودي يمثل الشعب الذي اختاره الله وميّزه بين الشعوب الأخرى ووضعه محط اهتمامه، ولكن يخبرنا العهد القديم أنه وبالرغم من عناية رب البيت به (أي الله) نجد أن هذا الكرم (أي الشعب) بقي عقيمًا بدون ثمر. لكن الله لا يتعب أبدًا من انتشال الإنسان من خطئه، فهو برحمته اللامتناهية يخرج بحثًا عن الخاطئ ليعيده فهو لا يكل من دعوته ليبني معه مجدّدًا علاقة بنويّة. وبالتالي نجد في إنجيل هذا الأحد أن رب البيت قد غَرَسَ الكَرم بنفسه، وسيَّجَه وحفَرَ فيه مَعصَرَة، وبَنى بُرجا، ومن ثم آجَرَهُ بَعضَ الكرَّامين، وسافر. وبالرغم من أن هؤلاء الكرّامين قد قتلوا عن قصد جميع العبيد الذين أرسلهم رب الكرم ليأخذوا الثمر في حينه، لم يستسلم قط بل أرسل ابنه مظهرًا بذلك محبته الكبيرة وغير المشروطة وليحقق مشروعه الأولي كرب للكرم: فهو لم يزرعه ويسيّجه فقط بل بذل حياته من أجله!

فيسوع في الواقع، الكلمة المتجسّد، الله الذي صار إنسانًا هو الذي يعتني بنفسه بكرمه، ويتقاسم كلّ ما عنده مع العاملين فيه مُظهرًا بذلك محبة الآب ورحمته من خلال القول والفعل وبقبوله بالموت من أجل خلاص البشريّة. لكن موته لن يكون انتصارًا لقاتليه ولن يكون له الكلمة الأخيرة لأنه وكما يؤكد القديس بطرس الرسول في رسالته الثانية: "إن الحجر الذي رذله البناؤون هو الذي صار رأسًا للزاوية": فالموت والرفض من قبل الناس لم يكونا إلا فرصة ليخرج منتصرًا ويقوم من الموت مظفّرًا وممجّدًا ليجدد العالم. فمن الصليب خرج الشعب الجديد أي الكنيسة، ومن خلالها وبواسطتها سيقود كرمه حتى النهاية كما يؤكده لنا بنفسه: "أَنا الكرمةُ وأَنتمُ الأَغْصان. فمَن ثَبَتَ فيَّ وثَبَتُّ فيهِ فذاك الذي يُثمرُ كثيراً. أَمَّا بدوني فلا تَستطيعونَ أَنْ تَعمَلوا شيئاً".

فالله صبور وطويل الأناة، صبره يتخطى كلّ توقّعاتنا البشريّة ومحبّته المجانية واللامتناهية تفوق كبرياءنا وغرورنا، "ذاكَ صُنعُ الرَّبّ، وهو عَجَبٌ لأبصارِنا". لننظر أية محبة أحبنا بها الله، ولنتأمل في عمقها! تأمل كيف أحبك الله وهو ينتظر رجوعك إلي حضنه المحب لا تنظر كم فعلت من خطايا فهو حملها جميعاً. فقط تعالى إليه وارتمي في أحضانه وهو يقول لك: "أن كل من يُقبل إليَّ لا أخرجه خارجاً".  وتذكر دائمًا: الله هو من يبحث عنك وهو قد بادر بدفع ثمنك وخلاصك وهو ينتظرك!       








All the contents on this site are copyrighted ©.