2014-08-16 12:20:49

البابا فرنسيس يحتفل بتطويب مائة وأربعة وعشرين شهيدًا كوريًّا


ترأس قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم السبت بالتوقيت المحلّي القداس الإلهي بمناسبة الاحتفال بتطويب بول يون جي-شونغ ورفاقه المائة والثلاثة والعشرين شهيدًا في ساحة غوانغهوامون في سيول وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة استهلها بالقول: "فمن يفصلنا عن محبة المسيح؟" (روما 8، 35). بهذه الكلمات يحدثنا القديس بولس عن مجد إيماننا بيسوع: فالمسيح لم يقم من الموت ويصعد إلى السماء فقط بل وحّدنا معه وجعلنا نشاركه بحياته الأبديّة. فالمسيح قد انتصر وانتصاره هو انتصارنا.

تابع البابا فرنسيس يقول: نحتفل اليوم بهذا الانتصار في بول يون جي-شونغ وفي رفاقه المائة والثلاثة والعشرين. وأسماؤهم ستضاف إلى أسماء القديسين الشهداء أندريا كيم تايغون، باولو شونغ هاسانغ ورفاقهم. لقد عاشوا وماتوا من أجل المسيح والآن يملكون معه في المجد، ويقولون لنا مع القديس بولس بأنه في موت وقيامة ابنه، منحنا الله انتصارًا كبيرًا يفوق كل الانتصارات. في الواقع، "لا مَوتٌ ولا حَياة، ولا مَلائِكَةٌ ولا أَصحابُ رِئاسة، ولا حاضِرٌ ولا مُستَقبَل، ولا قُوَّاتٌ ، ولا عُلُوٌّ ولا عُمْق، ولا خَليقَةٌ أُخْرى، بِوُسعِها أَن تَفصِلَنا عن مَحبَّةِ اللهِ الَّتي في المَسيحِ يَسوعَ رَبِّنا" (روما 8، 38- 39). فانتصار الشهداء والشهادة التي قدموها لقوة محبة الله لا تزال تُثمر اليوم أيضًا في كوريا وفي الكنيسة التي تنمو بفضل تضحيتهم. والاحتفال بالطوباوي بول ورفاقه يقدم لنا مناسبة للعودة إلى فجر الكنيسة في كوريا، ويدعوكم أنتم الكوريين الكاثوليك لتتذكروا عظائم الله في هذه الأرض ولتحافظوا كما على كنز على إرث الإيمان والمحبة الذي أوكلوه إليكم أسلافكم.

أضاف الحبر الأعظم يقول: في سرّ عناية الله، لم يصل الإيمان المسيحي إلى كوريا من خلال المرسلين، بل دخل من خلال قلب وعقل الشعب الكوري، الذي كانت تحركه محبة العلم والبحث عن الحقيقة الدينية. ومن خلال لقاء أوّلي مع الإنجيل، فتح المسيحيون الكوريون الأوائل عقولهم ليسوع، لقد أرادوا أن يتعرفوا أكثر على ذلك المسيح الذي تألّم ومات وقام من الأموات. وبالتالي، فقد قادهم سريعًا هذا التعرّف على يسوع نحو لقاء بالرب ونحو أولى المعموديات، نحو الرغبة بحياة أسرارية وكنسية كاملة ونحو بوادر التزام إرسالي. وأضاف البابا يقول إن هذه القصة تخبرنا عن أهمية دعوة العلمانيين، كرامتها وجمالها. وبالتالي أحيي جميع المؤمنين العلمانيين الحاضرين هنا لاسيما العائلات المسيحية التي يومًا بعد يوم تربي من خلال مثلها الشباب على الإيمان ومحبة المسيح التي تصالح، كما وأحيي الكهنة الحاضرين الذين من خلال خدمتهم السخية ينقلون ارث الإيمان العريق الذي زرعته أجيال المسيحيين الكوريين السابقة.

تابع البابا يقول: يحمل إنجيل اليوم رسالة لنا جميعًا. فيسوع يسأل الآب بأن يكرسنا بالحق ويحفظنا من العالم. وهذا أمر بالغ الأهمية، إذ أنه وبينما يطلب يسوع من الآب أن يكرسنا ويحفظنا، لا يطلب منه أن ينتزعنا من العالم، بل وكما نعلم فهو يرسل تلاميذه ليكونوا خميرة القداسة والحقيقة في العالم: ملح الأرض ونور العالم، وبهذا يرشدنا الشهداء إلى الدرب التي علينا إتباعها. فبعد أن زُرعت أولى بذور الإيمان في هذه الأرض، اضطُر الشهداء والجماعة المسيحية الأولى على الاختيار بين إتباع المسيح أو العالم. فقد سمعوا وصيّة الرب بأن العالم سيُبغضهم من أجله (يوحنا 17، 14)؛ فقد كانوا يعرفون ثمن التتلمذ. وبالنسبة للعديدين كان هذا الثمن الاضطهاد ومن ثم الهرب نحو الجبال حيث أقاموا القرى الكاثوليكية. فقد كانوا مستعدين لتضحيات كبيرة وللتخلي عن كل ما كان بإمكانه أن يُبعدهم عن المسيح: الخيور والأرض، الامتيازات والشرف لأنهم كانوا يعرفون بأن المسيح وحده هو كنزهم الحقيقيّ.

أضاف الأب الأقدس يقول: واليوم، غالبًا ما يتعرض إيماننا لتجارب من قبل العالم، ويُطلب منا بأشكال عديدة بأن نساوم على الإيمان وأن نخفف من جذريّة الإنجيل لنتماهى مع روح العالم. لكن الشهداء يدعوننا لنضع المسيح فوق كلّ شيء ولنتطلّع إلى كل الباقي في هذا العالم انطلاقًا منه ومن ملكوته الأبدي. فهم يحثوننا لنسأل أنفسنا إن كان هناك شيء ما نحن مستعدون للموت من أجله.

فمثال الشهداء، تابع البابا فرنسيس يقول، يعلمنا أهمية المحبة في حياة الإيمان. وشهادتهم الطاهرة للمسيح ـ والتي تظهر من خلال قبول المساواة في الكرامة لجميع المعمدين ـ قد قادتهم ليعيشوا نوعًا من الحياة الأخوية التي تحدّت هيكليات زمنهم الاجتماعية المتشدّدة. ورفضهم لفصل الوصية المزدوجة لمحبة الله ومحبة القريب حملهم لعيش اهتمام كبير لحاجات الإخوة. بمثلهم يعلموننا الكثير نحن الذين نعيش في مجتمع حيث، بالقرب من أشكال الغنى الهائل، تنمو بصمتٍ أكثرُ أشكالِ الفقر المدقع؛ حيث لا يُسمع غالبًا صراخ الفقراء؛ وحيث لا يزال المسيح يدعونا ويطلب منا أن نخدمه ونمد يدنا لإخوتنا وأخواتنا المعوزين. فإن اتبعنا مثال الشهداء وآمنا بكلمة الرب، سنفهم عندها الحرية السامية والفرح اللذين ذهب بهما هؤلاء الشهداء للقاء الموت. واحتفال اليوم يطال أيضًا العديد من الشهداء المجهولين، في هذه البلاد وفي باقي العالم، الذين ـ ولا سيما في القرن الماضي ـ  قدموا حياتهم من أجل المسيح أو عانوا الاضطهادات القاسية من أجل اسمه.

وختم البابا فرنسيس عظته في احتفال تطويب بول يون جي-شونغ ورفاقه المائة والثلاثة والعشرين شهيدًا بالقول: إنه يوم فرح كبير لجميع الكوريين. فالإرث الذي تركه بول يون جي-شونغ ورفاقه ـ استقامتهم في البحث عن الحقيقة وأمانتهم لمبادئ الديانة التي اختاروا أن يعتنقوها وشهادة المحبة والتضامن التي أظهروها تجاه الجميع ـ هذا كله يشكل جزءًا من تاريخ الشعب الكوري الغني. يمكن لإرث الشهداء أن يلهم جميع الرجال والنساء ذوي الإرادة الطيبة ليعملوا بتناغم من أجل مجتمع أكثر عدلاً وحرية ومصالحة ويساهموا في إحلال السلام والدفاع عن القيم الإنسانية الأصيلة في هذه البلاد وفي العالم أجمع. لتنل لنا صلوات جميع الشهداء الكوريين وصلوات العذراء مريم أم الكنيسة نعمة الثبات في الإيمان وفي كل عمل صالح، في القداسة وفي نقاوة القلب وفي الحماس الرسولي للشهادة ليسوع المسيح في هذه الأمة الحبيبة وفي القارة الآسيوية حتى أقاصي الأرض.








All the contents on this site are copyrighted ©.