2014-08-08 14:34:27

بيان بطاركة الكنائس الشرقية حول أوضاع الشرق الأوسط


بدعوة من صاحب الغبطة والنيافة الكردينال مار بشارة بطرس الراعي اجتمع أصحاب الغبطة بطاركة الشرق الأوسط أمس في الصرح البطريركي الماروني في الديمان، وصدر عن اللقاء بيان تطرق إلى ما يحدث في المنطقة وخاصة في العراق وسوريا.

نشر موقع البطريركية المارونية البيان والذي يذكر في البداية المشاركين في اللقاء، وهم الكاثوليكوس آرام الأول كشيشيان كاثوليكوس بيت كيليكيا للأرمن الأرثوذكس، البطريرك غريغوريوس الثالث لحام بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والاسكندرية وأورشليم للروم الكاثوليك، البطريرك يوحنا العاشر اليازجي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، البطريرك مار غناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي، البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس، البطريرك نرسيس بدروس التاسع عشر كاثوليكوس بطريرك كيليكيا للأرمن الكاثوليك، وممثّل البطريرك لويس روفائيل الأول ساكو بطريرك بابل على الكلدان المطران شليمون وردوني المعاون البطريركي.

تحدثت مقدمة البيان عن أن بطاركة الكنائس الشرقية قد "هالهم ما يَجري في المنطقة من أحداث خطيرة لا سابق لها، ومن صراعات وحروب بين الأخوة في العراق وسوريا، ومن تنام للتطرف الديني الذي يستهدف النسيج المجتمعي ووحدته في بلداننا، ومن بروز تنظيمات أصولية تكفيرية تهدم وتقتل وتهجّر وتنتهك حرمة الكنائس وتحرق تراثها والمخطوطات، ومن دخول العديد من المرتزقة إلى جانب المعتدين على المواطنين وحرماتهم. وقد آلمتهم مآسي الإخوة الفلسطينيين في غزة من جراء القصف الإسرائيلي العشوائي الخالي من كل مشاعر إنسانية والذي استهدف الأبرياء خروجا على كل الأسس القانونية. وتألموا في العمق لأحداث عرسال وجرودها في لبنان، التي قامت فيها مجموعات إرهابية دخيلة بالاعتداء على الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، فأوقعت عددا من الشهداء في صفوف الجيش وأسرت بعضا من جنوده ومن عناصر قوى الأمن، وحاصرت أهل البلدة واتخذت منهم دروعا بشرية وتسببت بتهجيرهم من بيوتهم".

ثم قسم البطاركة نتائج تقييمهم للأحداث الحالية إلى نقاط تناولت قضايا عدة. كانت الأولى ما يشهده شمال العراق من طرد للمسيحيين يرى البطاركة أنه ليس "حادثا طارئا" أو "نزوحا طوعيا"، بل هو نتاج "قرار اتخذه بحقهم تنظيم داعش وفضائل جهادية أخرى"، وذلك بسبب "انتمائهم الديني وتمسكهم به". يشكل هذا "نكسة تصيب المنطقة العربية والإسلامية"، كما أنه "عمل مشين يندرج في سياق التمييز العنصري".

أدان البطاركة في النقطة الثانية هذه "النكسة الخطيرة"، ودقوا "ناقوس الخطر مطالبين بأن يكون هذا الشجب عاما، بحيث يأتي من جميع المسلمين شركائنا في المصير". ثم أعرب البطاركة عن أسفهم للموقف الإسلامي والعربي والدولي "الضعيف والخجول وغير الكافي"، وأيضا عن رفضهم "لتشجيع بعض الدول الأوروبية على هجرة المسيحيين"، معربين عن تمسكهم "بتأدية رسالتنا في هذا الشرق العزيز". وطالبوا في هذا الإطار "الأسرة الدولية من خلال مجلس الأمن الدولي أن تتخذ قرارا حاسما يلزم بإعادة أصحاب الأرض إلى أرضهم، وذلك بكل الوسائل الممكنة وبأسرع وقت ممكن".

تناولت النقطة التالية "الأحداث الدامية في سوريا"، وطالب البطاركة "المعنيين والدول التي تقف وراءهم وتمدهم بالمال والسلاح، بإيقاف هذه الحرب، وبإيجاد الحلول السياسية من أجل إحلال سلام عادل وشامل ودائم، وإمكانية عودة النازحين السوريين إلى بيوتهم وأراضيهم، وإخراجهم من حالة البؤس التي يعيشون فيها، وهم أبرياء، وتحريرهم من كل استغلالٍ سياسي أو مذهبي أو إرهابي".

ثم تحدثوا في نقطة أخرى عن المطرانَين بولس اليازجي ويوحنا إبراهيم المخطوفَين منذ 22 نيسان أبريل 2013، فأعربوا عن قناعتهم بأن "ردود فعل المجتمع الدولي غير كافية"، شاكرين كل تضامن واستنكار ومطالبين من جهة أخرى الجميع بـ "ترجمة الأقوال إلى عمل نجني منه الإفراج الفوري عن المطرانين المختطفين".

 ثم انتقل البيان إلى غزة "التي دفع فيها المواطنون الفلسطينيون الثمن الغالي في الأرواح والمنازل والمؤسسات، من جراء القصف الإسرائيلي اللاإنساني". طالب البطاركة "بوقف هذا العدوان وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة ورفع الحصار عن قطاعها وشعبها والإفراج عن الأسرى وإنهاء القتال الذي أوقع في هذه الأسابيع الثلاثة ما يقارب ألفَي قتيل فلسطيني. وهذا يشكل جريمة ضد الإنسانية. ويناشد الآباء الشرعية الدولية حل القضية الفلسطينية برمّتها، بإقرار دولة خاصة بالفلسطينيين عاصمتها القدس، وفقا لمبدأ الدولتين، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم، وانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة في فلسطين وسوريا ولبنان".

وحول لبنان وما حدث في عرسال تحدثت النقطة التالية حيث أعرب البطاركة عن ألمهم "بسبب اعتداءات المجموعات الإرهابية الدخيلة"، والتي تُعد "لخطة إرهابية واسعة النطاق". وأعرب الآباء عن "دعمهم الكامل للجيش اللبناني والقوى الأمنية"، وأنهم "يصلون من أجل حمايتهم ونجاحهم".

خصص البيان النقطة التالية لقضية العيش المشترك فتحدث عن "فترات من التشنج والعنف دفعت ثمنها الشعوب". وقال البطاركة: "لكننا وضعنا جميعا هذا الماضي الأليمَ جانبا. وعمدنا إلى تنقية الذاكرة من كل ما علق بها من جرّاء هذه الأحداث الغابرة. كما فتحنا صفحة جديدة من التعامل على أساس من الاحترام المتبادل والإقرار بالقيَم الروحية السّامية التي يحترمها كلٌّ من الدينَين الكريمَين. ما حملنا مسلمين مسيحيين في العالم كله على اعتبار ذلك مبادرات إيجابية يجب التعامل معها بغية إرساء تعاون أفضل بين أتباع هاتين الديانتين  في كل مكان". ثم تساءل الآباء: " فهل نقبل أن يتعرض هذا التقدم الحاصل في العلاقات بين المسيحية والإسلام إلى نكسات تهدد بالقضاء على كل إيجابية وتعيد أمورَ هذا التلاقي أجيالا إلى الوراء؟".

وكان من الطبيعي أن تتناول النقطة التالية "آفة التطرف الديني ومواجهتها"،  حيث أكد البطاركة: "يصبحَ لزاما علينا أن نسعى جميعا مسلمين ومسيحيين، وأن نقومَ بالمساعي معا، لنتفادَى مثل هذه المضاعفات ونُجنب منطقتنا وأبناءنا مثل هذه الويلات، وذلك بنشر الوَعي في العقول وفي الضمائر والدعوة إلى الالتزام بأصول الدين وجَوهره بعيدا عن كل استغلال له من أجل مآرب شخصية وتحقيق مصالح إقليمية ودولية. وإننا نتوجه إلى الدول، وإلى وسائل الإعلام المحلية والعالمية كي يعوا خطورة الخطاب المتشنج الذي يملأ الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي". كما طالبوا في هذا الإطار "المرجعيات الإسلامية، السنية والشيعية، إصدار فتاوى رسمية واضحة تُحرّم الاعتداء على المسيحيين وغيرهم من الأبرياء وعلى ممتلكاتهم". ثم أضاف البيان: "كما نطالب مجالس النواب في كل الدول العربية والإسلامية بإصدار قوانين تحث على هذا الانفتاح، وترفض بوضوح كل أشكال التكفير ورفض الآخر، وتعتبر المخالفين مسؤولين أمام القانون عن سوء تصرفهم، ونتوجه إلى جميع الكنائس الشقيقة في العالم أن تتضامن معنا في مطالبنا وصلواتنا، حماية لرسالة المسيح الخلاصية في بلدان الشرق الأوسط التي تجتاحها اليوم موجة اضطهاد عارمة".

ثم أعرب البطاركة عن تضامنهم "غير المحدود مع أبنائنا وإخواننا المبعَدين عن بيوتهم وأراضيهم، وسنبذل كل جهد متاح في سبيل عودتهم إلى ديارهم معزَّزين مكرَّمين في جو مستعاد من المصالحة والإخاء بين أهل كل وطن من أوطانهم". ناشدوا بعد ذلك "المؤسسات الدولية والجمعيات الخيرية بالعمل معنا على إرسال معونات ومساعدات إنسانية تهدف إلى سد حاجاتهم الأساسية وتأمين مستلزمات حياة كريمة لهم بما يؤول إلى تسهيل بقائهم في أرض الآباء والأجداد فيتسنى لهم، عند زوال الخطر، أن يعودوا إلى بيوتهم وإلى حالة العيش المشترك التي اعتادوها لقرون خلت".

ثم أضاف البيان أن البطاركة يطالبون:

أولا، كل المرجعيات الدينية اتخاذ موقف مشترك واضح وقوي تجاه هذا الاضطهاد وهذا التهديد.

ثانيا، جامعة الدول العربية ومؤتمر التعاون الإسلامي والأمم المتحدة ومجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية والأسرة الدولية القيام بعمل إنقاذي فوري فاعل وقوي.

ثالثا، جميع الدول والجهات التي تموِّل بطريقة مباشرة وغير مباشرة بالمال والسلاح التنظيمات الأصولية والتكفيرية والإرهابية، والتي تدعمها لمآرب سياسية واقتصادية، التوقف عن هذا التمويل وهذا الدعم.

 ثم ختم بطاركة الكنائس الشرقية بيانهم "نصلي معا من أجل راحة نفوس الذين سقطوا بسبب هذه الأحداث المأساوية، ومن أجل عزاء أهلهم، وشفاء الجرحى. كما نصلي أيضا من أجل أن يعم الأمن والسلام في ربوع العالم وخاصة في بلداننا العزيزة، متضرعين إلى الله أن يلهم المسؤولين وأصحاب النوايا الحسنة ليساهموا في إنهاء هذه الفترة المظلمة والظالمة من تاريخنا لتعود الحياة والاستقرار إلى عالمنا المضطرب".








All the contents on this site are copyrighted ©.