2014-08-02 14:26:59

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


في ذلكَ الزَّمان، لَمَّا سَمِعَ يسوعُ عن موتِ يوحنّا المعمدان، اِنصَرَفَ مِن هُناكَ في سَفينةٍ، إِلى مَكانٍ قَفْرٍ يَعتَزِلُ فيه. فعَرَفَ الجُموعُ ذلك فتَبِعوهُ مِنَ المُدُنِ سَيراً على الأَقدام. فلَمَّا نَزلَ إِلى البَرِّ، رأَى جَمْعاً كَثيراً، فأَخَذَته الشَّفَقَةُ علَيهِم، فشَفى مَرضاهُم. ولَمَّا كانَ المَساء، دَنا إِليه تَلاميذُهُ وقالوا لَه: المكانُ قَفْرٌ وقَد فاتَ الوَقْت؛ فَاصرِفِ الجُموعَ لِيَذهَبوا إِلى القُرى فيَشتَروا لَهم طَعاماً. فقالَ لَهم يسوع لا حاجَةَ بِهِم إِلى الذَّهاب. أَعطوهُم أَنتُم ما يأكُلون. فقالوا لَه: لَيس عِندَنا هَهُنا غَيرُ خَمسَةِ أَرغِفةٍ وسَمَكَتَيْن. فقالَ: علَيَّ بِها. ثُمَّ أَمَر الجُموعَ بِالقُعودِ على العُشْب، وأَخَذَ الأَرغِفَةَ الخَمسَةَ والسَّمَكَتَيْن، ورَفَعَ عَينَيه نَحوَ السَّماء، وباركَ وكسَرَ الأَرغِفة، وناوَلَها تَلاميذهُ، والتَّلاميذُ ناوَلوها الجُموع. فأَكلوا كُلُّهم حتَّى شَبِعوا، ورَفعوا ما فَضَلَ مِنَ الكِسَر: اِثنَتَي عَشْرَةَ قُفَّةً مُمتَلِئةً. وكانَ الآكِلونَ خَمسَةَ آلافِ رَجُل، ما عدا النِّساءِ والأَولاد. (متى 14، 13- 21).

 

للتأمل: قراءة من القديس أغوسطينوس: خمسة أرغفة شعير

 

قال له إندراوس: "هنا غُلام معه خمسة أرغفة شعير وسمكتان، ولكن ما هذا لمثل هؤلاء". عندما سؤل فيلبس وقال: لا يكفي خبز بمئتي دينار حتى يأكل كل واحد من هذا الجمع الكبير شيئاً يسيرأً، كان هناك غلاماً يحمل خمسة أرغفة شعير وسمكتان. "فقال يسوع: اجعلوا الناس يتكئون. وكان في المكان عُشب كثير فإتكأ الرجال وعددهم خمسة آلاف. وأخذ يسوع الأرغفة وشكر". فهو أمر وتم كسر الأرغفة، ووضعت أمام المتكئين. لم يعد هناك خمسة أرغفة فقط بل ما أضافه ذاك الذي خلق ما قد إزداد. "وكذلك من السمكتين بقدر ما شاءوا". ولم يكن كافياً أن الجمع قد شبع، لكن بقي أيضاً كسر، والتي أمر الرب بجمعها حتى لا تذهب سدى. "فجمعوا وملأوا اثنتي عشرة قفة من الكسر".

لنعبر على هذا الفصل وبشكل موجز، الخمسة أرغفة ترمز لأسفار موسى الخمسة، فهي بحق ليست من القمح لكن من الشعير وذلك لأنها تنتمي للعهد القديم. لأنكم تعرفون أن الشعير مُكوّن بطريقة ما بحيث يصل الشخص بصعوبة إلى النواة، لأن هذه النواة مغطاة بقشرة خارجية، وهذه القشرة متماسكة وملتصقة، بحيث تحتاج جهد لنزعها. هكذا أيضاً كتابة العهد القديم، مُغطاة بغلاف من الأسرار الجسدية، لكن إذا وصل الشخص إلى النواة فهي تغذي وتشبع.

هكذا كان صبياً يحمل خمسة أرغفة وسمكتين. إذا كان ينبغي السعي لمعرفة من هو هذا الصبي، ربما هو شعب إسرائيل، هذا الشعب كان يحمل الأرغفة (الأسفار) بفهم صبياني ولم يكن يأكل منها. لأن تلك الأسفار التي كان يحملها، إذا بقيت مغلقة تكون عبئاً، لكن عندما تفتح تصير طعاماً. علاوة على ذلك، يبدو لنا أن السمكتين تدلان على الشخصيتين النبيلتين في العهد القديم، أي الكاهن والملك، الممسوحان ليقدسا ويحكما الشعب.

وهو ذاته جاء الآن أخيراً في سر، ذاك المرموز إليه من قبل الكاهن والملك، جاء الآن أخيراً ذاك الذي كان ظاهراً في نواة الشعير، لكن مخفياً بواسطة قشرة الشعير. جاء بذاته شخص واحد يحمل كلا الشخصيتين في ذاته، الكاهن والملك، كاهن من خلال الذبيحة التي قدمها لله من أجلنا – ذبيحة نفسه، وملك لأننا بواسطته نُحكَّم. ومن ثم تلك الأشياء التي كانت محمولة وهي مغلقة تم فتحها.

الشكر له، لأنه حقق بواسطة ذاته ما تم الوعد به في العهد القديم، وأمر أن تُكسَّر الأرغفة، ومن خلال الكسر تضاعفت. ليس هناك ما هو أكثر صدقاً. لأنه فيما يتعلق بتلك الأسفار الخمسة التي لموسى، كم عدد الكتب التي تنتجها عندما يتم تفسيرها، كما لو كان عن طريق كسرها، أي من خلال مناقشتها؟ وذلك بسبب جهل الناس الأولين ومعرفتهم المغلفة في الشعير، إذ قيل عنهم: "حين يُقرأ موسى البرقع موضوع على قلبهم" ( 1 كو 3)، (لأن البرقع لم يكن بعد قد رفع، لأن المسيح لم يكن قد جاء بعد، وحجاب الهيكل لم يكن قد انشق بعد).

لذلك، لا شيء بدون معنى، كل الأشياء تقدم إشارات، لكنها تحتاج لمن يفهمها. لأنه أيضاً هذا العدد من الشعب الذين أكلوا يُشير إلى الشعب الموضوع تحت الناموس. لأنه لماذا كان هناك خمسة آلاف سوى لأنهم تحت الناموس، وهذا الناموس مُعلن في أسفار موسى الخمسة.

وأيضاً، كانوا متكئين على العشب، لذا كانوا يفهمون بشكل جسداني ويستريحون في الأمور الجسدية. لأن "كُل جَسدٍ عُشبُ" (إش 40). وما هي الكسر إلا ما لم يستطع الناس أكله؟ لذا فالكسر تُفهم على أنها تلك الأمور المخفية أكثر في المعنى، والتي لم تستطع الجموع إستيعابها. لذلك ما تبقى من الطعام يشير إلا تلك الأمور المحجوبة أكثر في المعنى، والتي لا يستطيع الجمع أن يفهمها، ومن ثم يؤتمن عليها أولئك المناسبين أيضاً لتعليم الآخرين، كما كان الرسل.

تبعاً لذلك، امتلأت اثنتى عشر قفة، وأولئك الذين شاهدوا المعجزة آنذاك اندهشوا، أما نحن فلا نندهش عندما نسمعها. فهي كتبت لكي نسمعها. ما للعين من قدرة على القيام به في حالتهم، كان للإيمان قدرة على القيام به في حالتنا. مما لا شك فيه، نحن نرى بذهننا ما لا نستطيع رؤيته بعيوننا، ولقد تم تفضيلنا عليهم لأنه قيل عنّا: "طوبى للذين آمنوا ولم يروا" (يو 20).








All the contents on this site are copyrighted ©.