2014-05-26 11:37:29

البابا فرنسيس يلتقي حاخامي إسرائيل الأكبرين


زار البابا فرنسيس صباح الاثنين الحائط الغربي في القدس ووضع إكليلا من الزهور على جبل هيرتسل، ليزور من ثم متحف ياد فاشيم ويلتقي بعدها حاخامي إسرائيل الأكبرين في مركز "هيخال شلومو" في القدس، حيث وجه الحبر الأعظم كلمة قال فيها:

حضرة حاخامي إسرائيل الأكبرين الموقّرين،

إنني لمسرور جدا بوجودي اليوم معكما: أشكركما على الاستقبال الحار وكلمات الترحيب اللطيفة.

كما تعلمان، ومذ كنت رئيس أساقفة بوينوس آيريس، استطعت الاعتماد على صداقة الكثير من الإخوة اليهود. لقد نظّمنا معهم مبادرات لقاء وحوار مثمرة، وعشت معهم أيضا لحظات معبّرة من المقاسمة على الصعيد الروحي. وفي الأشهر الأولى من حبريتي، تمكّنت من استقبال منظمات وشخصيات متعددة من العالم اليهودي. معي اليوم حاخامان صديقان. وكما جرى مع أسلافي، فإن طلبات اللقاء هذه كثيرة، وتُضاف للمبادرات العديدة التي تُقام على مستوى وطني أو محلي ويشهد هذا كله على الرغبة المتبادلة في التعرف بشكل أفضل على بعضنا البعض، والإصغاء لبعضنا البعض، وبناء روابط أخوّة حقيقية.

تشكل مسيرة الصداقة هذه إحدى ثمار المجمع الفاتيكاني الثاني، لاسيما البيان المجمعي في عصرنا الذي اتخذ أهمية كبرى وسنحتفل العام القادم بذكراه الخمسين. في الواقع، كلي ثقة بأن ما حدث خلال العقود الأخيرة في العلاقات بين اليهود والكاثوليك، كان عطية حقيقية من الله، ومن بين العظائم التي صنعها، والتي من أجلها، نحن مدعوون لتسبيح اسمه "احمدوا سيد السادة فإنه صالح، فإن للأبد رحمته. صانع العجائب العظام وحده، فإن للأبد رحمته". (المزمور 136، 3 ـ 4)

إنها عطية من لدن الله، لم تكن لتظهر بدون التزام العديد من الأشخاص الشجعان والأسخياء، من اليهود والمسيحيين. وأودّ الإشارة بنوع خاص للأهمية التي اتخذها الحوار بين حاخامية إسرائيل الكبرى ولجنة الكرسي الرسولي للعلاقات الدينية مع اليهود. وهو حوار مستوحى من زيارة البابا القديس يوحنا بولس الثاني إلى الأرض المقدسة، وقد بدأ في العام 2002 وبلغ الثانية عشر من العمر. ويسرني التفكير، وفي إشارة إلى بار متسفا في التقليد اليهودي، إلى أن هذا الحوار قد أوشك على بلوغ سن الرشد: كلي ثقة بأنه سيتواصل وسيكون له مستقبل منير.

لا يتعلق الأمر فقط بإقامة علاقات احترام متبادل على صعيد إنساني: فنحن مدعوون، كمسيحيين ويهود، إلى أن نتساءل بعمق حول المعنى الروحي للرباط الذي يجمعنا. إنه رباط من العلى، يفوق إرادتنا، ويبقى كاملا، بالرغم من كل المصاعب في العلاقات المُعاشة وللأسف في التاريخ.

فمن الجانب الكاثوليكي هناك بالطبع النية في الاعتبار الكامل لمعنى الجذور اليهودية لإيمانه. وأعتمد، بمساعدتكما، على أن يُحافظ أيضا من الجانب اليهودي، وينمو إذ أمكن، الاهتمام بالتعرف إلى المسيحية، في هذه الأرض المباركة أيضا حيث تعترف المسيحية بأصولها، ولاسيما بين الأجيال الشابة.

إن المعرفة المتبادلة لإرثنا الروحي، وتقدير ما هو مشترك بيننا، واحترام ما يفرقنا، تستطيع كلها أن ترشد نحو مزيد من النمو المستقبلي لعلاقاتنا التي نودعها بين يدي الله. معًا يمكننا أن نقدم إسهاما كبيرا لقضية السلام؛ معًا يمكننا أن نشهد في عالم سريع التبدل، على المعنى الأزلي للمخطط الإلهي للخلق؛ معًا يمكننا أن نكافح بحزم كل شكل من أشكال معاداة السامية وباقي أشكال التمييز المتعددة. ليساعدنا الرب في السير على دروبه بثقة وعزيمة نفس. شالوم! 

المزيد عن هذا اللقاء في تقرير أعده الأب جان بيار يمين. RealAudioMP3

 

كلمة البابا فرنسيس في متحف ياد فاشيم

"آدم، أينَ أنت؟" (راجع سفر التكوين 3، 9)

أينَ أنتَ، يا إنسان؟ أينَ أنت؟

في هذا المكان، النصب التذكاري للمحرقة، نسمع تردّد صدى سؤال الله هذا:"آدم، أينَ أنت؟"

ويوجد في هذا السؤال كلّ ألم الآب الذي فقد الابن.

كان الآب يعرف خطر الحرية؛ وكان يعلم أن الابن قد يضيع... وربما لم يكن الآب حتى ليتصوّر سقوطا كهذا، هوّة كهذه!

إن تلك الصرخة "أينَ أنت؟"، وهنا، أمام مأساة المحرقة الهائلة، يتردّد صداها كصوت يضيع في هوّة لا قاع لها...

مَن أنت، يا إنسان؟ لم أعد أعرفك.

من أنتَ يا إنسان؟ مَن أصبحت؟

أية فظاعة تمكّنت من فعلها؟

ما الذي جعلك تسقط هكذا إلى أسفل؟

ليس تراب الأرض الذي أُخذت منه. فتراب الأرض شيء حسن، من صُنع يديّ.

ليست نسمة الحياة التي نفختُها في أنفك. فتلك النفخة صادرة عنّي، وهي شيء حسن جدا (راجع سفر التكوين 2، 7)

لا، لا يمكن أن تكون هذه الهوة من صُنعك فقط، صُنع يديك، وقلبك... مَن أفسدَك؟ من شوَّهك؟

مَن نقل إليك إدعاء إقامة نفسك سيدا على الخير والشر؟

مَن أقنعَك بأنك الله؟ فإنك لم تعذّب وتقتل أخوتك فقط، إنما قدّمتهم ذبيحة لنفسك، لأنك رفعت نفسك إلى مستوى الله.

نعود اليوم لنصغي هنا إلى صوت الله "آدم، أينَ أنت؟"

ويرتفع من الأرض أنين ضعيف "ارحمنا يا رب!"

للربِّ إلهِنا البِرُّ، ولنا خِزي الوجوه (راجع سفر باروك 1، 15)

لقد وقع شر لم يحدث مثله تحت السماء بأسرها (راجع سفر باروك 2، 2). فاسمع يا رب الآن صلاتنا، أصغي إلى توسّلنا، نجّنا برحمتك. نجّنا من هذه الفظاعة.

أيها الرب الكلي القدرة، إن نفسًا متألمة تصرخ إليك.

فاسمع يا رب، وارحم!

فإننا قد خطئنا إليكَ. فإنَّكَ أنتَ تدومُ للأبد (راجع سفر باروك 3، 1 ـ 2).

اذكرنا في رحمتك. هَبنا نعمة أن نخجل مما استطعنا أن نفعله كبشر، نخجل من عبادة الذات، من أننا حقّرنا ودمّرنا جسدنا، ذاك الذي جبلته من التراب، وأحييته بنسمتك، نسمة الحياة.

لا بعد الآن، يا رب، لا بعد الآن!

"آدم، أينَ أنت؟".

ها أنا يا ربّ، بصحبة عار ما استطاع أن يفعله الإنسان، المخلوق على صورتك ومثالك.

اذكرنا في رحمتك.








All the contents on this site are copyrighted ©.