2014-04-05 16:44:52

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


في ذلك الزّمان: كانَ رَجُلٌ مَريضٌ وهو لَعازَر مِن بَيتَ عَنيْا، مِن قَريَةِ مَريَمَ وأُختِها مَرْتا. ومَريَمُ هيَ الَّتي دَهَنَتِ الرَّبَّ بِالطِّيب ومسَحَت قَدَمَيهِ بِشَعرِها. وكانَ المَريضُ أَخاها لَعازَر. فأَرسَلَت أُختاهُ تقولانِ لِيَسوع: "يا ربّ، إِنَّ الَّذي تُحِبُّه مَريض". فلمَّا سمِعَ يسوع قال: "لا يَؤُولُ هذا المَرَضُ إِلى المَوت، بل إِلى مَجْدِ الله، لِيُمَجَّدَ بِه ابنُ الله". وكانَ يسوعُ يُحِبُّ مَرْتا وأُختَها ولَعازَر، ومعَ ذلك فلمَّا سَمِعَ أَنَّه مريض، لَبِثَ في مَكانِه يَومَين ثُمَّ قالَ لِلتَّلاميذِ بَعدَ ذلِك: "لِنَعُدْ إِلى اليَهودِيَّة". فقالَ له تَلاميذُه: "رابِّي، منذُ قليلٍ حاوَلَ اليَهودُ أَن يَرجُموكَ، أَفَتعودُ إِلى هُناك؟". أَجابَ يسوع: "أَلَيسَ النَّهارُ اثنَتَي عَشْرَةَ ساعَة؟ فمَن سارَ في النَّهار لا يَعثُر، لأَنَّه يَرى نورَ هذا العالَم. ومَن سارَ في اللَّيلِ يَعثُر: لأَنَّه لَيسَ فيه النُّور". وقالَ لَهم: بَعدَ ذلك: "إِنَّ صَديقَنا لَعازَرَ راقِد، ولَكِنِّي ذاهِبٌ لأُوقِظَه". فقالَ له تَلاميذُه: "يا ربّ، إِذا كانَ راقدًا فسَيَنْجو". وكانَ يسوعُ يَتَكلَّمُ على مَوتِه، فظَنُّوا أَنَّهُ يَتَكلَّمُ على رُقادِ النَّوم. فقالَ لهُم يسوعُ عِندَئِذٍ صَراحَةً: "قد ماتَ لَعاَزر، ويَسُرُّني، مِن أَجْلِكُم كي تُؤمِنوا، أَنِّي لم أَكُنْ هُناك. فَلْنَمْضِ إِلَيه!" فقالَ توما الَّذي يُدعى التَّوأَمُ لِسائِرِ التَّلاميذ: فَلْنَمْضِ نَحنُ أَيضًا لِنَموتَ معَه!". فلَمَّا وَصَلَ يسوع رَأى أَنَّهُ في القَبرِ مَنذُ أَربَعةِ أَيَّام. وبَيتَ عَنيا قَريبَةٌ مِن أُورَشَليم، على نَحوِ خَمسَ عَشْرَةَ غَلَوة، فكانَ كثيرٌ مِنَ اليَهودِ قد جاؤوا إِلى مَرْتا ومَريَم يُعَزُّونَهما عن أَخيهِما. فلَمَّا سَمِعَت مَرتا بِمَجيءِ يسوع خَرجَت لاستِقبالِه، في حينِ أَنَّ مَريَمَ ظَلَّت جالِسَةً في البَيت. فقالَت مَرْتا لِيَسوع: "يا ربّ، لَو: كُنتَ ههنا لَما ماتَ أَخي. ولكِنِّي ما زِلتُ أَعلَمُ أَنَّ كُلَّ ما تَسأَلُ الله، فاللهُ يُعطيكَ إِيَّاه". فقالَ لَها يسوع: "سَيَقومُ أَخوكِ". قالَت لَه مَرْتا: "أَعلَمُ أَنَّه سيَقومُ في القِيامَةِ في اليَومِ الأَخير". فقالَ لَها يسوع: "أَنا القِيامةُ والحَياة مَن آمَنَ بي، وَإن ماتَ، فسَيَحْيا وكُلُّ مَن يَحْيا ويُؤمِنُ بي لن يَموتَ لِلأَبَد. أَتُؤمِنينَ بِهذا؟". قالَت له: "نَعَم، يا ربّ، إِنِّي أَومِنُ بِأَنَّكَ المسيحُ ابنُ اللهِ الآتي إِلى العالَم". قالت ذلك ثُمَّ ذَهَبَت إِلى أُختِها مَريَمَ تَدعوها، فأَسَرَّت إِلَيها: "المُعَلِّمُ ههُنا، وهو يَدعوكِ". وما إن سَمِعَت مَريَمُ ذلك حتَّى قامَت على عَجَلٍ وذَهَبَت إِلَيه. ولَم يَكُنْ يسوعُ قد وَصَلَ إِلى القَريَة، بل كانَ حَيثُ استَقَبَلَتهْ مَرْتا. فلَمَّا رأَى اليَهودُ الَّذينَ كانوا في البَيتِ مَعَ مَريمَ يُعزُّونَها أَنَّها قامَت على عَجَلٍ وخرَجَت، لَحِقوا بِها وهم يَظُنُّونَ أَنَّها ذاهِبَةٌ إِلى القَبرِ لِتَبكِيَ هُناك. فما إِن وَصَلَت مَريَمُ إِلى حَيثُ كانَ يسوع ورَأَته، حتَّى ارتَمَت على قَدَمَيه وقالَت له: "يا ربّ، لو كُنتَ ههُنا لَما مات أَخي". فلَمَّا رآها يسوعُ تَبكي ويَبكي معَها اليَهودُ الَّذينَ رافَقوها، جاشَ صَدرُه وَاضطَرَبَت نَفْسُه وقال: "أَينَ وَضَعتُموه؟" قالوا لَه: "يا رَبّ، تَعالَ فانظُر". فدَمعَت عَيْنا يسوع. فقالَ اليَهود: "اُنظُروا أَيَّ مَحَبَّةٍ كانَ يُحِبُّه". على أَنَّ بَعضَهم قالوا: "أَما كانَ بإِمكانِ هذا الَّذي فَتَحَ عَينَيِ الأَعمى أَن يَرُدَّ المَوتَ عَنه؟" فجاشَ صَدرُ يسوعَ ثانِيةً وذَهَبَ إلى القبر، و هو كِنايَة عَن مغَارة وُضِعَ على مَدخلِها حَجَر. فقالَ يسوع: "إِرفَعوا الحَجَر!" قالَت لَه مَرْتا، أُختُ المَيْت: "يا ربّ، لقَد أَنتَن، فهذا يَومُه الرَّابع". قالَ لَها يسوع: "أَلَم أَقُلْ لَكِ إِنَّكِ إِن آمَنتِ تَرينَ مَجدَ الله؟". فرَفَعوا الحَجَر ورفَعَ يسوعُ عَينَيه وقال: "شُكرًا لَكَ، يا أَبَتِ على أَنَّكَ استَجَبتَ لي وقَد عَلِمتُ أَنَّكَ تَستَجيبُ لي دائِمًا أَبَدًا ولكِنِّي قُلتُ هذا مِن أَجْلِ الجَمْعِ المُحيطِ بي لِكَي يُؤمِنوا أَنَّكَ أَنتَ أَرسَلتَني". قالَ هذا ثُمَّ صاحَ بِأَعلى صَوتِه: "هَلُمَّ لَعازَر، فاخرُجْ!". فخرَجَ المَيتُ مَشدودَ اليَدَينِ والرِّجلَينِ بالعَصائِب، مَلفوفَ الوَجهِ في مِنْديل. فقالَ لَهم يسوع: "حُلُّوهُ ودَعوهُ يَذهَب". فآمَنَ بِه كثيرٌ مِنَ اليَهودِ الذينَ جاؤوا إِلى مَريَم ورَأَوا ما صَنَع (يوحنا 11، 1- 45).

 

للتـأمل

 

"يا ربّ، إِنَّ الَّذي تُحِبُّه مَريض" بهذه الصلاة البسيطة للأختين مريم ومرتا والمملوءة تواضعًا مع ثقة وتسليم للأمر بين يدي يسوع وبأنه لن يتخلّى عن أخيهما وعنهما، وبأنه حتماً سيفعل شيئاً يبدأ إنجيل هذا الأحد الخامس من زمن الصوم. لم تحمل رسالتهما هذه شيئاً عن هول المرض أو خطورته، وإنما ثقة مطلقة بأن الرب يعلم ما هو كائن وما سيكون. وبهذا الصدد يكتب القديس يوحنا الذهبي الفم على سبب ذكر الإنجيلي يوحنا لمحبة المسيح للعازر: "ليعلمنا ألا نستاء أو نترك الرب عند حدوث مرض للرجال الثابتين في فضيلتهم المحبوبين عند الله".

يخبرنا الإنجيلي يوحنا أن يسوع ماطل في الذهاب إلى لعازر، وهو يعلم أنه مات، حتى كان له أربعة أيام ميتًا... فقد مكث في الموضع الذي كان فيه يومين آخرين، ولم يتوانى عن مساعدة المحتاجين في طريقه نحو بيت عنيا... قال يسوع لتلاميذه "لنذهب إليه"، وليس لنذهب لتعزية أختيه... فيسوع عارف أين يذهب ومن يطلب...

يركز الإنجيلي يوحنا في هذا النص على لقاء مريم ومرتا بالرب، فرغم ألمهما لموت أخيهما لم تتذمرا من تأخر الرب في المجيء، دون أن يخطر في بالهما أنه سيعود حياً بعد لحظات، وفي ذلك كل العبرة لنا نحن الذين لا نكف عن التذمر والتأفف والاعتقاد بأن الرب تركنا عندما لا يلبي متطلباتنا! يخبرنا الإنجيلي أنه ما إن وصل يسوع حتى ذهبت مرتا إِلى أُختِها مَريَمَ تَدعوها، فأَسَرَّت إِلَيها: "المُعَلِّمُ ههُنا، وهو يَدعوكِ". وما إن سَمِعَت مَريَمُ ذلك حتَّى قامَت على عَجَلٍ وذَهَبَت إِلَيه. وجاءت مريم ومرتا وسجدتا ليسوع وقالتا: "يا ربّ، لو كُنتَ ههُنا لَما مات أَخي"... إنه حدث هام جداً وقد يغيب عن ذهننا في قراءتنا للنص وتركيزنا على حدث قيامة لعازر نفسه، فلا ندرك تلك القيامة التي كانت تعيشها مرتا التي قامت ونهضت تاركة المعزين والتعزية وذهبت لملاقاة يسوع، مخالفة بذلك كل عادات التعزية والموت في بلادنا وتقاليدنا، إلا أن الإيمان بيسوع حرك مرتا وجعلها تنقض كل العادات المميتة: "دع الموتى يدفنون موتاهم أما أنت فتعال اتبعني". ثم لحقت بها أختها حتى ظن المعزون أنهما ذاهبتان لتبكيا فوق القبر.

لم تطلب مرتا ومريم من الرب يسوع أن يقيم لعازر، لم تتجرءا وتطلبا شيئاً بل تركتا له أن يحكم في الأمر بكل إيمان وتواضع يظهران في قول مرتا: "لكِنِّي ما زِلتُ أَعلَمُ أَنَّ كُلَّ ما تَسأَلُ الله، فاللهُ يُعطيكَ إِيَّاه". فأين نضع نفوسنا عندما نطلب من الرب نعمًا وعطايا خاصة؟ هل نضعه أمام احتياجاتنا ليلبيها لنا وتُسرّ نفوسنا بتحقيقها وليس بتحقيق إرادته هو؟ 

جاء رد الرب لها "سيقوم أخوك"، لقد آمنتا مع إنهما لم تفهما أنه سيقوم فوراً، لكن هل لنا أن نتصور أنفسنا في الموقف نفسه وقد فقدنا أقرب الناس لنا، وفي غمرة هذا الحزن يأتينا صوت الرب بأن الراقد سيقوم! هل نجد تعزية وسلاماً أم أن اليأس هو سيد الموقف في آلامنا؟ هل نقبل مشيئة الرب أم نفرض عليه مشيئتنا؟

أمر يسوع برفع الحجر فقالَت لَه مَرْتا: "يا ربّ، لقَد أَنتَن، فهذا يَومُه الرَّابع". تدعونا الكنيسة اليوم لنعزز إيماننا بالرب ونخفف من اعتراضنا أحيانًا على مشيئته ولو بشكل غير مقصود لأن هذا الاعتراض يؤخر خلاصنا وقيامتنا، فنسمع لوم الرب وعتبه الرقيق "ألم أقل لك إن آمنتِ ترين مجد الله". هذا العتب الرقيق يدل على مدى ضعف الإنسان وشكوكه، فرغم تمني مرتا ومريم أن يريا أخيهما حياً لكن الشك لم يبرح قلبيهما...

تدعونا الكنيسة في هذا الأحد لنصلي للرب ونصرخ مع الأختين المؤمنتين "يا ربّ، إِنَّ الَّذي تُحِبُّه مَريض"، واثقين بمحبته وبأن كل واحد منا هو "الذي يحبه" يسوع وبأنه لا بد أن يفعل شيئاً! فيا رب لقد أنتنت نفوسنا، هلم إلينا لأن "الذي تحبه مريض"، نحن نؤمن بأن كل ما تريده سيكون، ولسنا نعرقل مشيئتك بتذمرنا أو بشكوكنا، فلتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض، آمين








All the contents on this site are copyrighted ©.