2014-03-15 17:23:07

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


في ذَلِك الزَّمان: مَضى يسوعُ بِبُطرسَ ويَعقوبَ وأَخيه يوحَنَّا، فانفَردَ بِهِم على جَبَلٍ عالٍ، وتَجلَّى بِمَرأًى مِنهُم، فأَشَعَّ وَجهُه كالشَّمس، وتَلألأَت ثِيابُه كالنُّور. وإِذا موسى وإِيلِيَّا قد تَراءَيا لَهم يُكلِّمانِه. فخاطَبَ بُطرُسُ يسوعَ قال: "يا ربّ، حَسَنٌ أَن نكونَ ههُنا. فإِن شِئتَ، نَصَبْتُ ههُنا ثَلاثَ خِيَم: واحِدَةً لكَ وواحِدَةً لِموسى وواحِدَةً لإِيليَّا". وبَينَما هُوَ يَتَكَلَّم إِذا غَمامٌ نَيِّرٌ قد ظلَّلهُم، وإِذا صَوتٌ مِنَ الغَمامِ يقول: "هذا هَو ابنيَ الحَبيبُ الَّذي عَنهُ رَضيت، فلَهُ اسمَعوا". فلَمَّا سَمِعَ التَّلاميذُ ذلك، سَقَطوا على وُجوهِهِم، وقدِ استَولى علَيهِم خَوفٌ شديد. فدنا يسوعُ ولمَسَهم وقالَ لَهم: "قوموا، لا تَخافوا". فَرفَعوا أَنظارَهم، فلَم يَرَوا إِلاَّ يسوعَ وحدَه. وبَينما هم نازلونَ مِنَ الجَبَل، أَوصاهُم يسوعُ قال: "لا تُخبِروا أَحدًا بِهذِه الرُّؤيا إِلى أَن يَقومَ ابنُ الإِنسانِ مِن بَينِ الأَموات" (متى 17، 1- 9).

 

للتـأمل

تدعونا الكنيسة في هذا الأحد الثاني من زمن الصوم من خلال القراءات الليتورجية لهذا الأحد لنتأمل في محبة الله للإنسان ودعوته له ليشاركه حياته الإلهيّة. ففي القراءة الأولى تظهر هذه الدعوة أولاً مع إبراهيم عندما دعاه الرب قائلاً: "انطلق من أَرضك وعَشيرَتك وبَيت أَبيك، إلى الأَرض الَّتي أريكَ. وأنا أَجعلُك أُمَّةً كبيرة وأباركك وأعظِّم اسمك، وتكون بركة... ويتبَارَك بك جَميع عشائر الأَرض" وهذه الدعوة هي لنا جميعًا وتستمرّ حتى يومنا هذا، كما يؤكده لنا القديس بولس في رسالته إلى تلميذه تيموتاوس، فالله قد "دعانا دعوة مقدسة، لا بالنظر إلى أعمالنا، بل وفقا لسابق تدبيره، والنعمة التي وهبها لنا في المسيح يسوع منذ الأزل وأَبانَها الآنَ بِظهورِ مُخَلِّصِنا المسيحِ يسوع، الَّذي قَضى على المَوت، وجَعَلَ الحَياةَ والخُلودَ مُشرِقَين بالبشارة".

أما في الإنجيل الذي تقدمه لنا الليتورجية في هذا الأحد من القديس متى الإنجيلي يظهر لنا بوضوح بعد الموت والحياة الذي يريد معلمنا الإلهي أن يشارك به جميع الذين يجيبون على دعوته لهم. يخبرنا الإنجيل: "مَضى يسوعُ بِبُطرسَ ويَعقوبَ وأَخيه يوحَنَّا، فانفَردَ بِهِم على جَبَلٍ عالٍ، وتَجلَّى بِمَرأًى مِنهُم"، فيسوع الذي عايشهم بإنسانيته ها هو يتجلى أمامهم ليظهر لهم أيضًا ألوهيته، "فأَشَعَّ وَجهُه كالشَّمس، وتَلألأَت ثِيابُه كالنُّور"، الشمس هي رمز الله منها يأتي الدفء والنور أي الحياة، وهذا هو يسوع إنه "النورُ الحق الذي ينير كلَّ إِنسان" والذي يتحدث عنه يوحنا في بداية إنجيله.

نقرأ في إنجيل اليوم أيضًا: "وإذا موسى وإيليَّا قد تراءيا لهم يكلمانه"، فموسى يجسّد الشريعة القديمة والوصايا التي منحها الله من خلاله لشعب إسرائيل، أما إيليا فهو أعظم الأنبياء، وفي أيام يسوع كان موسى وإيليا يمثلان الكتاب المقدس والذي كان يعرف بـ "الشريعة والأنبياء"، وها هما يترائيان ليسوع كشهادة بأنه المُشرِّع الجديد وتحقيق النبؤات والوعود: إنه ابن الله الذي جاء إلى العالم ليخلصه ويحمل له محبة الله الآب: "هذا هَو ابنيَ الحَبيبُ الَّذي عَنهُ رَضيت، فلَهُ اسمَعوا".

هذه هي الدعوة التي توجهها لنا الكنيسة اليوم في مسيرة الصوم الأربعيني هذه: أن نصغي لكلام يسوع نور العالم، لكي نكون له شهودا حتى أقاصي الأرض، من خلال عيشنا لهذه الكلمات والتأمل فيها، كي تنمو في حياتنا فنُثمر ثمارًا جيدة... كما وتدعونا الكنيسة أيضًا من خلال إنجيل التجلي في هذا الزمن الليتورجي لنتحضّر بثقة لآلام يسوع وموته فلا يشلنا الخوف ولا يحجب عار الصليب عن قلوبنا مجد ابن الله فنزرع الفرح والرجاء أينما حللنا. فبعد تلاشي النور واختفاء موسى وإيليا، وبعد انقشاع الغمام وصمت الصوت، ها هو يسوع يقترب من تلاميذه الذين شلّهم الخوف، ليقول لهم: "قوموا، لا تخافوا". فرفعوا أبصارهُم، فلم يروا إلا يسوع وحدهُ.

هذا ما نحتاجه اليوم في حياتنا: نحن نحتاج ليسوع وحده لنكون شهودًا على مجد الله، ولنكون قادرين أن نعمل على تجلّي العالم! لنقترب إذًا من يسوع ولنكتشف بساطة حياته ورسالته، فلا يكون بعدها حدث التجلّي حدَثًا رائعًا حصل في أحد الأيام، منذ زمنٍ طويل، في مكانٍ ما على جبلٍ في الجليل، إنّما حقيقة تغمر عالمنا المتعطّش إليها. لنسمح إذًا ليسوع بأن يقترب منّا، ويلمسنا بواسطة جسده الذي يُعطينا إيّاه في سرّ الافخارستيا والمغفرة التي يُعطينا إيّاها في سرّ التوبة والاعتراف. ولنُصغي إلى صوته يدعونا ويقول لنا: "قوموا، ولا تخافوا"، "لا تخافوا أنا غلبت العالم"! دَعوا يسوع يلمسكم، لأن تجلّي العالم هو وديعة بين أيديكم.








All the contents on this site are copyrighted ©.