2014-03-08 15:34:44

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


في ذلك الزَّمان: سارَ الرُّوحُ بِيَسوعَ إِلى البَرِّيَّةِ لِيُجَرِّبَه إِبليس. فصامَ أَربَعينَ يومًا وأَربَعينَ لَيلةً حتَّى جاع. فدَنا مِنه المُجَرِّبُ وقالَ له: "إِن كُنتَ ابنَ الله، فمُرْ أَن تَصيرَ هذِه الحِجارةُ أَرغِفة". فأَجابَه: "مكتوبٌ: ليسَ بِالخُبزِ وَحدَه يَحيا الإِنْسان بل بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخرُجُ مِن فَمِ الله". فمَضى بِه إِبليسُ إِلى المدينَةِ المُقدَّسة وأَقامَه على شُرفَةِ الهَيكل، وقالَ لَه: "إِن كُنتَ ابنَ الله فأَلقِ بِنَفسِكَ إِلى الأَسفَل، فَإِنَّه مَكتوب: "يُوصي مَلائكتَه بِكَ فيَحمِلونَكَ على أَيديهم لِئَلاَّ تَصدِمَ رِجلَكَ بِحَجرٍ". فقالَ له يسوع: "مَكتوبٌ أَيضًا: لا تُجَرِّبَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ". ثُمَّ مَضى بِه إِبليسُ إِلى جَبَلٍ عالٍ جدًّا وأَراهُ جَميعَ مَمالِكِ الدُّنيا ومَجدَها، وقالَ له: "أُعطيكَ هذا كُلَّه إِن جَثوتَ لي ساجدًا". فقالَ له يسوع: "اِذهَب، يا شَيطان! لأَنَّه مَكتوب: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسجُد وإياه وَحدَه تَعبُد". ثُمَّ تَركَه إِبليس، وإِذا بِمَلائكةٍ قد دنَوا منهُ وأَخذوا يَخدُمونَه (متى 4، 1- 11).

 

للتـأمل

مع بداية الصوم، تدعونا الكنيسة من خلال القراءات الليتورجية لنتأمل حول التجارب التي تعترضنا في مسيرتنا الروحيّة، وتضع أمامنا في القراءة الأولى من هذا الأحد قصّة آدم وحوّاء، جدّي البشريّة، القصّة التي تفسّر سبب ميل الإنسان إلى الشر. يخبرنا الكتاب المقدّس "وكانتِ الحيَّةُ أَحيَلَ جَميعِ حَيَوانِ البَرِّيَّة الَّذي صنَعَه الرَّبُّ الإِله"، وبغض النظر عن التفسيرات اللاهوتيّة، نجد من الواضح أن الكاتب الملهم يريد أن يحدثنا عن ذلك العدو الذي يريد أن يبعد آدم وحواء عن خالقهما، وهذا العمل يتتابع وللأسف في يومنا هذا أيضًا لأن الشيطان يحاول اليوم أيضًا بجميع أساليبه أن يضع حدًا للعلاقة التي تجمعنا بالله ويحاول جاهدًا لإبعادنا عنه كما يقول لنا القديس بطرس في رسالته: "إن إبليس خصمَكم كالأَسدِ الزَّائِرِ يَرودُ في طَلَبِ فَريسةٍ لَه، فقاوِموه راسِخينَ في الإِيمان" (1 بط 5، 8). إذا نحن نملك الأدوات لمواجهته وكل ما علينا أن نقوم به هو أن نتسلّح بالصلاة والصوم ولاسيما خلال زمن الصوم هذا لكي لا نسمح له بأن يسلبنا أغلى عطية منحت لنا وهي نعمة الله.

يكتب القديس بولس في رسالته إلى أهل روما: "فإِذا كانَ المَوتُ قد سادَ بِسَبَبِ زَلَّةِ إِنسانٍ واحِد عن يَدِ إِنسانٍ واحِد، فبِالأَولى أَن يَسودَ في الحَياةِ بيَسوعَ المسيحِ وَحدَه، أُولئِكَ الَّذينَ تَلَقَّوا فَيضَ النِّعمَةِ وهِبَةَ البِرِّ فكَما أَنَّ زَلَّةَ إِنسانٍ واحِدٍ جَرَّت العِقابَ على جَميعِ النَّاسِ، فكَذلِكَ بِرُّ إِنسانٍ واحِدٍ يَأتِي جَميعَ النَّاسِ بِالبِرِّ الَّذي يَهَبُ الحَياة". في الواقع إن آدم قد سقط لأجل كبريائه، والمسيح بتواضعه أعادنا إلى حالة البنوة التي فقدناها، بتضحية يسوع على الصليب نلنا النعمة التي خلصتنا وأعادت لنا كرامتنا، كرامة أبناء الله. وفي زمن الصوم هذا سيساعدنا جميعًا أن نفكر معًا حول حقيقة وعمق هذا الخلاص الذي نلناه، فنصل إلى الفصح جاهزين لنقبل إعلان قيامة المسيح في حياتنا ولنعيش الحياة الجديدة التي منحنا إياها في سرّ آلامه وموته من أجلنا.

نقرأ في إنجيل القديس متى الذي تقدمه لنا الليتورجية اليوم: "ثُمَّ تَركَه إِبليس، وإِذا بِمَلائكةٍ قد دنَوا منهُ وأَخذوا يَخدُمونَه"، فبعد أن أغلق كبرياء آدم أبواب الجنة ها هو انحناء المسيح وتواضعه يعيدان فتحها للجنس البشري بأسره. بالطاعة لكلمة الله وشريعته تُفتح أمامنا جميع الأبواب، فالله يحب الودعاء والمتواضعين ويسمع تضرّعهم ويخلّصهم كما نقرأ في المزمور: "إنما الذبيحة لله روح منكسر، القلب المنكسر المُنسحق لا تزدريه يا الله" (مز 51، 17). لذا فالطاعة لكلمة الله وشريعته لا تجرحان كرامتنا، بل على العكس لأننا عندما ننفتح على هذه العلاقة مع الله تنفتح أمامنا آفاق الحياة. يدعونا إنجيل هذا الأحد لنقترب من كلمة الله ونقبلها ونصغي لها بفرح لتدخل إلى حياتنا وتغذّينا لأن بها خلاصنا، لأن الشرير لا يمكنه أن يصمد أمام الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها. قال يسوع لإبليس: "ليسَ بِالخُبزِ وَحدَه يَحيا الإِنْسان بل بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخرُجُ مِن فَمِ الله". وهذا يعني: "لا يحيا الإنسان بخبز هذا العالم، ولا بالغذاء المادّي الذي استعملتَهُ الحية لتَغُشَّ آدم، الإنسان الأوّل، لكن بكلمة الله، بكلمته الذي يحتوي على غذاء الحياة السماويّة". وهذه الكلمة هي المسيح ربّنا، لتكن إذًا كلمة الله غذاءنا في زمن الصوم هذا، ولنسمح له بأن يعلّمنا أنّه علينا ألاّ نمضي صيامنا مهتمّين بهذا العالم، وإنّما بالإصغاء لكلمته لأن مَن يتغذّى من الكتاب المقدّس ينسى جوع الجسد؛ مَن يتغذّى من الكلمة السماوي، ينسى الجوع. هذا هو الغذاء الحقيقي الذي يغذّي النفس ويُشبع الجائع...هو يعطي الحياة الأبديّة ويُبعِدُ عنّا فِخاخ تجارب الشيطان. فكلمة الله حياة، كما شهد الربّ يسوع لنا إذ قال: "الكَلامُ الَّذي كلَّمتُكُم به رُوحٌ وحَياة" (يوحنا 6، 63).








All the contents on this site are copyrighted ©.