2014-02-16 12:31:48

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


في ذلك الزّمان: قالَ يسوع لِتَلاميذه: "لا تَظُنُّوا أَنِّي جِئتُ لأُبْطِلَ الشَّريعَةَ أَوِ الأَنْبِياء ما جِئْتُ لأُبْطِل، بَل لأُكْمِل. الحَقَّ أَقولُ لَكم: لن يَزولَ حَرْفٌ أَو نُقَطَةٌ مِنَ الشَّريعَة حَتَّى يَتِمَّ كُلُّ شَيء، أَو تزولَ السَّماءُ والأَرض. فمَن خالفَ وَصِيَّةً مِن أَصْغَرِ تِلكَ الوَصايا وعَلَّمَ النَّاسَ أَن يَفعَلوا مِثْلَه، عُدَّ الصَّغيرَ في مَلَكوتِ السَّمَوات. وأَمَّا الَّذي يَعمَلُ بِها ويُعَلِّمُها فذاكَ يُعَدُّ كبيرًا في ملكوتِ السَّمَوات. فإِنِّي أَقولُ لكم: إِن لم يَزِد بِرُّكُم على بِرِّ الكَتَبَةِ والفِرِّيسيِّين، لا تَدخُلوا مَلكوتَ السَّموات. سمِعتُم أَنَّهُ قيلَ لِلأَوَّلين: "لاتَقتُل، فإِنَّ مَن يَقتُلُ يَستَوجِبُ القَضاء". أَمَّا أَنا فأَقولُ لَكم: مَن غَضِبَ على أَخيهِ استَوجَبَ حُكْمَ القَضاء، وَمَن قالَ لأَخيهِ: "يا أَحمَق" اِستَوجَبَ حُكمَ المَجلِس، ومَن قالَ لَه: "يا جاهِل" اِستَوجَبَ نارَ جَهنَّم. فإِذا كُنْتَ تُقَرِّبُ قُربانَكَ إِلى المَذبَح وذكَرتَ هُناكَ أَنَّ لأَخيكَ علَيكَ شيئًا، فدَعْ قُربانَكَ هُناكَ عِندَ المَذبح، واذهَب أَوَّلاً فصالِح أَخاك، ثُمَّ عُد فقَرِّبْ قُربانَك. سارع إِلى إِرضاءِ خَصمِكَ ما دُمتَ معَه في الطَّريق، لِئَلاَّ يُسلِمَكَ الخَصمُ إِلى القاضي والقاضي إِلى الشُّرطِيّ، فتُلقى في السِّجن. الحَقَّ أَقولُ لَكَ: لن تَخرُجَ مِنه حتَّى تُؤدِّيَ آخِرَ فَلس. في ذَلِكَ الزَّمان: قالَ يَسوعُ لِتَلاميذِهِ: سَمِعْتُم أَنَّه قيل: "لا تَزنِ". أَمَّا أَنا فأَقولُ لكم: مَن نظَرَ إِلى امرأَةٍ بِشَهْوَة، زَنى بِها في قَلبِه. فإِذا كانت عينُكَ اليُمنى سَبَبَ عَثرَةٍ لَكَ، فاقلَعْها وأَلقِها عنك، فَلأَن يَهلِكَ عُضوٌ مِن أَعضائِكَ، خَيرٌ لَكَ مِن أَن يُلقى جَسَدُكَ كُلُّه في جَهنَّم. وإِذا كانت يَدُكَ اليُمنى حَجَرَ عَثرَةٍ لَكَ، فاقطَعها وأَلقِها عنك، فَلأَنْ يَهلِكَ عُضوٌ مِن أَعضائِكَ خَيرٌ لكَ مِن أَن يَذهَبَ جسدُكَ كُلُّه إِلى جَهنَّم. وقد قيل: "مَن طلَّقَ امرأَتَه، فلْيُعْطِها كِتابَ طَلاق". أَمَّا أَنا فأَقولُ لكم: مَن طلَّقَ امرأَتَه، إِلاَّ في حالةِ الفَحشاء عرَّضَها لِلزِّنى، ومَن تَزَوَّجَ مُطَلَّقَةً فقَد زَنى. في ذَلِكَ الزَّمان: قَالَ يَسوعُ لِتَلاميذِه: "سَمِعتُم أَيضًا أَنَّه قِيلَ لِلأَوَّلين: لا تَحنَث، بل أَوفِ لِلرَّبِّ بِأَيمانِكَ، أَمَّا أَنا فأَقولُ لكم: لا تَحلِفوا أَبدًا، لا بِالسَّماءِ فهِيَ عَرشُ الله، ولا بِالأَرضِ فهيَ مَوْطِئُ قدَمَيه، ولا بِأُورَشليم فهيَ مَدينةُ المَلِكِ العَظيم. ولا تَحلِف بِرأسِكَ فأَنتَ لا تَقدِرُ أَن تَجعَلَ شَعرةً واحِدَةً مِنه بَيضاءَ أَو سَوداء. فليَكُن كلامُكم: نعم نعم، ولا لا. فما زادَ على ذلك كانَ مِنَ الشِّرِّير (متى 5، 17- 37).

 

للتـأمل

يُحدّثنا يسوع في إنجيل اليوم عن القتل، والزنا، واليمين الكاذبة. ويقدّم لنا شريعةً جديدة، تذهب إلى ما هو أبعد من الحرف. ومن هنا هذه العبارة التي تصدمنا: "إن لم يَزِد برُّكُم على بِرِّ الكتبة والفرّيسيين، لا تدخلوا ملكوت السموات". فيسوع يدعونا للذهاب إلى ما هو أبعد من الإخلاص للحرف كما يفعل الفرّيسيّون والكتبة... لأنه في كلّ مرّة أجرحُ فيها أخي من خلال نظرة ازدراء، أو كلمة بلا رحمة، أو حركة مُهينة، فأنا أرتكب جريمة قتل. كلّما نظرت إلى امرأة نظرة تجعلها تشعر بالانزعاج وتُحيلها إلى جسد، أرتكب الزنا، وفي كلّ مرّة أحلف وأستخدم اسم الله من أجل منفعتي الشخصيّة أو لكي أخدع الآخر، فأنا أكذب. في كلّ مرّة أرفض أن أفتح يديّ لأشارك أخي بالثروة التي أعطاني إياها الله، فأنا أسرق. دعونا لا نكتفي إذًا بالمحافظة على الشريعة والوصايا لأننا نحتاج أولاً لأن نملأ قلوبنا بالمحبّة وأن نتصالح مع أخوتنا! فلا نتصرّفنَّ إذًا بنفاق لكي يرانا العالم، وإنما فلنحيا لإرضاء الله الذي يرى في الخفية ويعرف نوايا قلوبنا. فالله لا يُقاضي سوى على مقدار المحبّة.

فالمحبة هي القاعدة المسيحيّة ولا شيء سوى ذلك. وهذه الكلمة للأسف حفظناها جيّداً، ولكنّنا بأغلبنا لا نجيد عيشها وتطبيقها. يدعونا يسوع لمحبة الله ومحبة القريب، وحين سُئل عن القريب ، ضرب مثل السامري الصالح، وكلّنا يعرف من هو السامري الصالح. فأخي إذًا هو أيّ إنسان، وهو أيضًا ذاك الّذي أعتقد بأنّه عدوي. وأخي هذا أهمّ من القربان الذي أقدمه. القربان هو ما كان يقرّب لله من أجل غفران الخطايا، أو من أجل شكره على عطاياه. ولكن اليوم، من هو قربانك أيّها المسيحيّ؟ أليس هو ربّك وإلهك، ألّذي قرّب نفسه لأجلك ولأجل العالم أجمع.

نحن نكثر من الصلاة الكلاميّة، والتهاليل، ونمارس طقوساً أشبه بالوثنيّة، ولكن قلبنا فارغ، فارغ من المحبة إذاً أعمالنا فارغة! صلاتنا فاترة! إيماننا لا معنى له.

يقول لنا اليوم يسوع أيضًا: "إذهب وصالح أخاك ، ثمّ عد وقرّب قربانك" فإذا كنا نؤمن بأنّ الله أتى إلينا، فهو أتى ليجمع الإخوة، هو يريدنا أن نتصالح مع بعضنا البعض وأن نعيش الأخوة الحقيقية لنكون حقيقة أبناءً لله. فأن تحبّ أخاك يعني أن تصغي له، وأن تقبله كما هو وتحترمه. يكتب القديس أغوسطينوس: "أحبب وافعل ما تشاء". إذًا إن كنت أنت مسيحيّ، إذاً أنت تحبّ، وأنت المبادر بالمحبّة، كما بادر الله وأحبّك أوّلاً. فالمحبّة ليست نظريّة، ولا عاطفة، وإنّما فعل إراديّ قويّ ينبع من ينبوع المحبّة يسوع المسيح. وكم يقول الإنجيلي يوحنا: لا تقلّ أحبّ الرّب إن لم تحبّ أخاك، ولا تفتخر بأنّك مسيحيّ ما لم تحبّ أخاك.

يدعونا يسوع في هذا الأحد لعيش شريعة المحبّة التي تتخطى حكمة هذا العالم وشريعته، إنّها – كما يكتب القديس بولس- حكمة لم يرَها أحد بعينيه ولم يسمع بها بأُذنيه، لأنّها حكمة مُهيّأة لأولئك الذين يحبّون الله. وفي محبّة الله هذه سنحصل على القوّة والنور فنميّز بين الحياة والموت، ونصبح قادرين على البناء بدلاً من التدمير، والإكمال بدون أن نُبطِل...








All the contents on this site are copyrighted ©.