2014-02-08 15:58:45

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


في ذلك الزمان، قال يسوع لتلاميذه: أَنتُم مِلحُ الأَرض، فإِذا فَسَدَ المِلْح، فأيُّ شَيءٍ يُمَلِّحُه؟ إِنَّه لا يَصلُحُ بَعدَ ذلك إِلاَّ لأَنْ يُطرَحَ في خارِجِ الدَّار فَيَدوسَه النَّاس. أَنتُم نورُ العالَم. لا تَخْفى مَدينَةٌ قائِمَةٌ عَلى جَبَل، ولا يُوقَدُ سِراجٌ وَيُوضَعُ تَحْتَ المِكيال، بل عَلى المَنارَة، فَيُضِيءُ لِجَميعِ الَّذينَ في البَيْت. هكذا فَلْيُضِئْ نُورُكُم لِلنَّاس، لِيَرَوا أَعمالَكُمُ الصَّالحة، فيُمَجِّدوا أَباكُمُ الَّذي في السَّمَوات (متى 5، 13- 16).

 

للتـأمل

"أَنتُم مِلحُ الأَرض، أَنتُم نورُ العالَم!" في هذا الأحد يكلمنا يسوع ويقول لنا أننا الملح والنور في هذا العالم. فالملح والنور، يحدّدان هويّة تلاميذ المسيح ورسالتهم في المجتمع. إنّهما استعارتان من العهد القديم: الملح يرمز إلى عهد الله مع البشر، ويقتضي إصلاح كلّ تقدمة وذبيحة للربّ بالملح (أحبار2: 3)، كعلامة للأمانة في العهد مع الله. والنور يرمز إلى الله، على ما جاء في نبوءة أشعيا: "استنيري، استنيري، يا أورشليم، لأنّ نورك أتى، ومجد الربّ أشرق عليك" (أشعيا60: 1)، وهو رمز لكلامه الهادي، كما نصلّي في المزمور: "كلامك مصباح لخطاي، ونور لسبيلي" (مز 118: 105). هوية الملح والنور تأتي من المسيح وهي رسالتنا. إليهما يدعونا اليوم؛ لنكون بدورنا "ملح الأرض ونور العالم".

فكما الملح يعطي نكهة للطعام ويحفظه من الفساد، هكذا كلٌّ منا مدعو ليعطي معنى لحياته ولحياة الناس، معنى للعائلة والمجتمع والتاريخ. ومدعو ليحفظ ذاته وإخوته ومجتمعه من فساد الانحراف الأخلاقي. والملح في الكتاب المقدّس رمز للحكمة. فكم نحن وعالمنا بحاجة إلى الحكمة، وهي أولى مواهب الروح القدس التي تنير حياتنا وسبيلنا، للسير تحت نظر الله، واستلهام أقوالنا وأفعالنا والمبادرات من منظار الله!

وكما النور يشعّ في الظلمة ويبدّدها، وتنجلي في ضوئه الرؤية والقراءة والعمل والتحرّك، هكذا نحن أيضًا دُعينا للاستنارة بنور المسيح، لكي ننير غيرنا بنوره في ظلمة الخطيئة والضياع، وفي ظلمة الفقر والحزن، وفي ظلمة الضعف والألم؛ ولكن أيضاً وخاصّة في ظلمة الكبرياء والاكتفاء الذاتي، وفي ظلمة الأنانية وعبادة الذات، وفي ظلمة المادية والاستهلاكية والاستغناء عن الله، وفي ظلمة الجهل والسطحية.

يقول لنا يسوع اليوم أيضًا: "ليُضِئ نُورُكُم للنَّاس، لِيَرَوا أَعمالَكُمُ الصَّالحة" وبذلك هو يدعونا لننتبه ونعرف أن الله يعمل فينا ومن خلالنا، ويجب أن يظهر عمل الله هذا لمن هم من حولنا  ليشكروا لله ويمجدونه. لذا فنحن لسنا أمام خيار بل أمام واجب كتلاميذ للمسيح الذي اختارنا لنكون ملح الأرض، ونور العالم، اختارنا الربُّ لا لنفتخرَ بهذا الاختيار بين الأمم، بل لنلتزمَ بها رسالة ومسؤولية بأن نحفظ العالم من الفساد ونُوصله لله. تدعونا الكنيسة اليوم لنعيد النظر في حياتنا في ضوء كلمة الله لنا لنرى هل نحن فعلاً ملح للأرض ونور للعالم؟ أم أن نورنا انطفأ وملوحتنا لا طعمَ لها، وليس هناك ما يُميزنا عن الآخرين: نحن نُفكر مثلهم! نتعامل مع الحياة مثلهم! نُخاصم مثلهم! نحسد مثلهم! نغش ونكذب مثلهم! نسرق مثلهم! ندين مثلهم! وليس فينا ما يجعلهم يذكرون الله ويُمجدونه!

عندما يقول المسيح لنا: "أنتم نور العالم"، فكأنه يقول لنا: إنني الآن بكم أضيء الكون، بكم أجيب الإنسان على تساؤلاته القلقة، بكم أبهج قلبه، بكم أجعل فيه حياة الله، بكم أوقظ فيه الحب وأشده به إلى إخوته بكم أخرجه من عزلته وأجعله في شركة مع الله ومع الناس! فأمام وصيّة ربّنا يسوع اليوم، لنوجّه أنظارنا نحو صليبِ يسوع، هو هدايتنا ومُعلمنا، ونسأله نعمة الغفران ليُعيد إلى حياتنا الملوحة التي تُحيي العالم، ويملأ حياتنا زيتا، ويُشعل فيها نوره، فنعكسه محبة وأعمالاً صالحةً، تجعل الناس ترفع الصلوات شاكرة نعمة حضورنا بينهم.








All the contents on this site are copyrighted ©.