2014-02-05 16:20:09

مذكّرة وطنية للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي


ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي صباح هذا الأربعاء الاجتماع الشهري الدوري للمطارنة الموارنة في بكركي ـ لبنان، وتلا مذكرة وطنية جاء في مقدمتها "أرادت الكنيسة المارونية أن تضع هذه المذكرة، ونظرها متجه نحو سنة 2020، لتشدد على استمرار فعل إيمانها بلبنان، بلدا مشدودا إلى المستقبل، أعطي لأبنائه وعدا ومهمة، بما أنهم أرادوه وطن الإنسان، "ووطنا نهائيا لجميع أبنائه"، ولتؤكد أنه حان الوقت لترجمة هذا الإيمان بالتركيز على أسس قيام الدولة، والالتزام بها فعلا لا قولا، من كل القوى السياسية في لبنان، لأن الدولة الفاعلة والقادرة والمنتجة، هي التعبير الحقيقي عن الإيمان بالكيان والمشروع اللبنانيين.

ونقلا عن الموقع الإلكتروني للبطريركية المارونية www.bkerke.org.lb  تحدث الكاردينال الراعي في المذكرة عن الثوابت الوطنية: العيش المشترك، الميثاق الوطني والصيغة، وقال: ليست مقولة العيش معا التي يتمسك بها اللبنانيون شيئا عرضيا أو شعارا مرحليا، إنما هي لب التجربة اللبنانية، وأضاف أن الميثاق الوطني لم يكن يوما مجرد تسويات، أو تفاهمات عابرة، يقبل بها اليوم ويراجع في شأنها غدا، أو يُتراجع عنها في أوقات تضارب المصالح والخيارات، وأشار إلى أن الصيغة قد أتت لتعكس التجربة التاريخية التي أثبتت بأن لبنان لا يقوم إلا بجناحيه المسلم والمسيحي. والصيغة لم تقم يوما على مقاييس العدد...

وتطرق البطريرك الراعي لهاجس الوضع الراهن وقال "على اللبنانيين أن يعوا بأن أي مشروع وطني لا يمكن أن يتجذر في الواقع، إلا إذا أنتج دولة عادلة وقادرة ومنتجة في كيان مستقر يخدم الإنسان... وإلا، يكون المشروع الوطني غير قابل للتطبيق، والكيان دائم الإهتزاز، والمواطن في مهب الريح... لذا نحذر جميع اللبنانيين، ولاسيما المسؤولين السياسيين، من استمرار التفرد والتعنت والطمع في السلطة، فذلك سيأخذ لبنان نحو الهاوية... ومن بين أبرز القضايا المتصلة بهذا الهاجس عدم الوضوح في تحديد "المصلحة الوطنية المشتركة العليا" والالتزام بها، ما يؤدي في الغالب إلى ممارسة سياسية تجنح للمحاصصة ودوائر النفوذ، بدلا من تحقيق العدالة إحتراما للميثاق ومنطق الدولة... وهناك أيضا عرقلة تكوين السلطة. ومن النتائج الخطيرة لتكبيل المؤسسات الدستورية تحويل الاستحقاقات الدستورية بمهلها أزمات وجودية، بدلا من أن تكون فرصا للديمرقراطية من أجل تداول سلس للسلطة... وإقحام لبنان في قضايا الجوار من دون التبصر في ما يعود به ذلك على الوطن وتركيبته. كما وأشارت المذكرة الوطنية لأهمية قضية حياد لبنان الايجابي التي تبرهن بالفعل عن الإيمان بالتجربة اللبنانية...

أكد البطريرك الراعي أن الكنيسة المارونية الحريصة على ما أنجزه اللبنانيون معا منذ إنشاء لبنان الكبير وحتى هذه اللحظة، ترى أن الخروج من الأزمة الراهنة لا يكون إلا بالعودة إلى المصلحة الوطنية العليا على أسس الميثاق والدستور، لأن لبنان، إما أن ننجزه معا او لا يكون. ويحتاج ذلك لحوار شفاف وصريح يفضي إلى سلام داخلي حقيقي، وإلى تحديد الأولويات للنهوض بلبنان. وهاتان المسؤوليتان ملقاتان أيضا على عاتق رئيس الجمهورية الجديد، الذي يعد انتخابه ضرورة للبنان، كي يظهر لذاته وللعالم أنه بلد يحترم ديمقراطيته في تداول السلطة، وأنه حريص على دستوره... وكي ينجح الحوار الداخلي في ترسيخ سلام حقيقي، يجب أن يحصل في إطار المؤسسات،استكمالا لهيئة الحوار الوطني، وأن تحكمه آليات الديمقراطية التوافقية التي تنطلق من أسس الميثاق والدستور، حتى تأتي نتائج الحوار ملزمة وهادفة إلى ما فيه خير لبنان، كل لبنان، وكل اللبنانيين...

حدد البطريرك الراعي سلسلة أولويات من بينها وضع قانون إنتخابي نيابي جديد وفق الميثاقية اللبنانية بحيث يترجم المشاركة الفاعلة في تأمين المناصفة الفعلية، والاختيار الحر، والمساءلة والمحاسبة، ويؤمّن التنافس الديمقراطي، ويلغي فرض نواب على طوائفهم بقوة تكتلات مذهبية؛ تأليف حكومات كفية، تعتمد خططا ولا ترتجل السياسات والحلول، وتلتزم ببياناتها الحكومية، وتنهض بالإقتصاد الوطني وتحقق المساواة والعدالة الإجتماعية، وتكافح الفقر والبطالة، وتقفل نهائيا ملف التهجير، وتضع خطة لمعالجة الدين العام وعجز الدولة عن إيفائه؛ الاهتمام بالشباب الذين هم ثروة البلاد الكبرى والقوة التجددية في المجتمع والكنيسة، بحيث تتوافر للشباب ثقافة علمية ومهنية مع تربية إنسانية وأخلاقية واجتماعية تهيئهم للاشتراك الواعي في القرارات الوطنية، وللانخراط في وظائف القطاع العام، بذهنية جديدة وتطلعات بعيدة وتتأمن لهم فرص عمل وفقا لمهاراتهم وكفاءاتهم؛ تعزيز مساهمة المرأة في المسؤوليات العامة ومشاركتها في الحياة السياسية، بما لها من حقوق وطاقات وما لديها من حيوية وانفتاح وصدق في مقاربة المواضيع، ومن حس اجتماعي لاستدراك المشاكل الانسانية والتربوية والصحية والبيئية؛ العمل على إصلاح إدارة الدولة وتحديثها باعتماد الكفاية العلمية والأخلاقية، واعتبار محاربة الفساد أولوية مطلقة، لأنه معطل أساسي لقيام الدولة...

إن لبنان تجربة إنسانية فريدة في هذا العالم، والكنيسة المارونية لن تحيد أبدا عن هذا الرهان العظيم الذي تعتبره من صميم رسالتها الوطنية، وسوف تظل تحث من دون كلل اللبنانيين، ولاسيما المسؤولين في ما بينهم، على أن يجعلوا من هذه التجربة رهانا ناجحا، عبر بناء فعلي للدولة القائمة على الميثاق والانتاجية، والتي تصنع خير كل مواطن، وتعطي وطننا القاعدة الصلبة لينطلق منها في تحقيق رسالته، عملا بقول الطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني: "إن لبنان هو أكثر من بلد. إنه رسالة حرية، ونموذج في التعددية، للشرق كما للغرب".








All the contents on this site are copyrighted ©.