2014-01-26 11:57:04

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


في ذلكَ الزَّمان: بلَغَ يسوعَ خَبرُ اعتِقالِ يوحنَّا، فلَجأَ إِلى الجَليل. ثُمَّ تَركَ النَّاصِرة وجاءَ كَفَرْناحوم على شاطِئِ البَحرِ في بِلادِ زَبولونَ ونَفْتالي فسَكَنَ فيها، لِيَتِمَّ ما قيلَ على لِسانِ النَّبِيِّ أَشَعْيا: "أَرضُ زَبولون وأَرضُ نَفْتالي طَريقُ البَحرِ، عِبرُ الأُردُنّ، جَليلُ الأُمَم. الشَّعبُ المُقيمُ في الظُّلْمَة أَبصَرَ نُورًا عَظيمًا والمُقيمونَ في بُقْعَةِ المَوتِ وظِلالِه أَشرَقَ عليهمِ النُّور". وبَدَأَ يسوعُ مِن ذلك الحِين يُنادي فيَقول: "تُوبوا، قدِ اقتَربَ مَلكوتُ السَّمَوات". وكانَ يسوعُ سائرًا على شاطِئِ بَحرِ الجَليل، فرأَى أَخَوَيْنِ هُما سِمعانُ الَّذي يُقالُ له بُطرُس وأَندَراوسُ أَخوهُ يُلقِيانِ الشَّبَكةَ في البَحر، لأَنَّهما كانا صَيَّادَيْن. فقالَ لَهما: "اِتْبَعاني أَجعَلْكما صَيَّادَيْ بَشر". فتَركا الشِّباكَ مِن ذلك الحينِ وتَبِعاه. ثُمَّ مَضى في طَريقِه، فرأَى أخَوَيْن، هُما يَعْقُوبُ ابنُ زَبَدَى، ويُوحَنَّا أَخوهُ، معَ أَبيهِمَا زَبَدى في السَّفينَة، يُصلِحانِ شِباكَهما، فدَعاهما. فَتَركا السَّفينَةَ وأَباهُما مِن ذلك الحينِ وتَبِعاه. وكانَ يَسيرُ في الجَليلِ كُلِّه، يُعَلِّمُ في مَجامِعِهم ويُعلِنُ بِشارَةَ المَلَكوت، ويَشْفي الشَّعبَ مِن كُلِّ مَرَضٍ وعِلَّة (متى 4، 12- 23).

 

للتأمل

نقرأ في إنجيل هذا الأحد: وكانَ يسوعُ سائرًا على شاطِئِ بَحرِ الجَليل، فرأَى أَخَوَيْنِ هُما سِمعانُ الَّذي يُقالُ له بُطرُس واندراوس أَخوهُ..فقالَ لَهما: "اِتْبَعاني أَجعَلكما صَيَّادَيْ بَشر". فتَركا الشِّباكَ مِن ذلك الحينِ وتَبِعاه. عندما ينظر يسوع إليك ويدعوك، لا يمكنك إلا أن تترك كل شيء، بحريّة، لتتبعه مباشرةً. عندما مرَّ يسوع بيوحنا وأخيه يعقوب، نظر إليهما ودعاهما ليتبعاه. وفي الحين، كضربة صاعقة، تركا سفينتهما، وشباكهما، وزبَدى، أباهما، وكذلك فعل بطرس واندراوس فقد تركا الشباك من ذلك الحين، وتبعاه دون أن يطرحا أي سؤال وبدون أي تردد. لقد أحدثت دعوة يسوع تغييراً جذرياً في مجرى حياتهم، جذبهم هذا الشخص الذي مرَّ بهم، ونظر إليهم، ودعاهم فتبعوه. فالدعوة هي هذا الانجذاب المفاجئ، إنها انبهار لا يمكن تفسيره. لقد وقعوا في الحب، فتغيّر تفكيرهم. لا يوجد أي تفسير آخر يجعلنا نفهم كيف يمكننا أن نترك كل شيء، في الحال، بدون أي تردد، بدون أن نطرح أسئلة، أو نضع أية شروط.  لقد سمحوا ليسوع بأن يستغويهم، كما حدث سابقاً مع النبي ارميا الذي قال: "قد استغويتني يا رب، فاستُغويت". هذا هو أساس وجوهر كل دعوة مسيحيّة!

صحيح أن اتّباع المسيح متطلّب؛ لكن الرب لن يطلب منا أبداً أن نعمل المستحيل. تعزيتنا هي في أنه يدعونا قائلاً: "اتبعني". هذه العبارة تُعطينا الثقة بأن الرب لن يطلب منا أبداً أن نذهب إلى أي مكان أو القيام بأي عمل بدون أن نجده قد سبقنا إليه: كالراعي الصالح الذي يسير قدّام قطيعه (يو 10: 4) مؤكداً لنا: "ما من أحد ينتزعها مني" (يو 10: 28). إن الذي يدعونا يسبقنا. ومعه، يداً بيد، يمكننا مواجهة الذئاب، عبور الليل ومقاومة العواصف، والمشي على المياه. معه كل جبل ينخفض وكل وادٍ يرتفع" (أش 40: 4)؛ معه نبني على الصخر ونعبر البحر على اليبس، فالذي يضع حياته بين يدي الله، سيهتم الله به. فإن سمعتم صوته لا تقسّوا قلوبكم ولا تخافوا من الإجابة على دعوته لأن "الذي دعاكم أمين" (1 تس 5: 24).

يكتب القديس أفرام السرياني: "جاؤوه صيادي سمك، فصاروا صيادي البشر! فلو أرسل حكماء، لقيل: إنهم أفحموا الشعب وربحوه، أو غشوه واستولوا عليه! ولو أرسل أغنياء، لقيل: إنهم خدعوا الشعب بإطعامه، أو أغووه بمال فتسلطوا عليه! لو أرسل رجالا أقوياء، لقيل: إنهم جذبوه بالقوة!

والرسل لم يكونوا على شيء من هذا. وقد برهن الرب على ذلك بمثل سمعان: كان جبانا، فرجفه صوت جارية. وكان فقيرا، فلم يستطع أن يدفع قسطه من الجباية، نصف إستار: ليس لدي ذهب ولا فضة! وكان غير مثقف، فأنكر الرب ولم يعرف أن يجد للتخلص مخرجا! ذهب صيادو السمك وانتصروا على الأقوياء والأغنياء والحكماء. يا للمعجزة! على ضعفهم جذبوا الأقوياء إلى إيمانهم دون عنف، على فقرهم علّموا الأغنياء، على جهلهم جعلوا من الحكماء والفهماء تلاميذ.








All the contents on this site are copyrighted ©.