2013-12-05 15:26:37

عظة الكاردينال ريلكو في قداس افتتاح أعمال الجمعية العامة للمجلس البابوي للعلمانيين


ترأس الكاردينال ستانيسلاو ريلكو صباح اليوم الخميس القداس الإلهي بمناسبة افتتاح أعمال الجمعية العامة للمجلس البابوي للعلمانيين حول موضوع "إعلان المسيح في العصر الرقميّ"، وللمناسبة ألقى الكاردينال ريلكو عظة قال فيها: في نص الإنجيل الذي سمعناه، يشرح لنا يسوع أننا جميعنا بناة لبيت هو في الواقع حياتنا... هناك من يبنيها جيّدًا وبشكل حكيم وهناك من يبنيها بشكل خاطئ وغير مسؤول مما يدفعه للسير نحو الهلاك. لذا فالمعيار الحاسم في بناء حياتنا يقوم على اختيارنا للأساسات. هل تبني على صخرة صلبة تسمح لك بالصمود أمام محن الحياة وتجاربها، أم أنك تبني على الرمل دون أساسات ولا ثبات فتكون عرضة لمهب كلّ ريح؟ هذا هو التحدي الذي يوجهه يسوع لتلاميذه وليفهمنا أن واحدة هي الصخرة التي يجب أن نبني حياتنا عليها وهي: الله وكلمته التي نقبلها ونعيشها. أما الرمل فهو ضماناتنا البشريّة وحساباتنا الدنيوية... ولذلك يقول يسوع في إنجيل اليوم: "ليسَ مَن يَقول لي: يا ربّ، يا ربّ! يَدخُل مَلكوت السَّمَوات، بل من يَعمَل بمَشيئَةِ أَبي الَّذي في السَّمَوات". ومشيئة الآب هي تلك الصخرة الصلبة التي يجب علينا أن نبني عليها حياتنا.

تابع عميد المجلس البابوي للعلمانيين يقول: كلٌّ منا، خلال بناء حياته، مدعو ليختار بين الصخر والرمل... وغالبًا ما يجب علينا أن نتمتع بالشجاعة لنسير بعكس التيار لاسيما أمام الثقافة المهيمنة: ثقافة "سائلة" وغير صلبة خالية من أي مرجعيّة ومبادئ واضحة، لكنها وللأسف تدخل أيضًا في حياة العديد من المعمّدين. فـ "روح العالم" - والذي غالبًا ما يتكلم عنه البابا فرنسيس – يدخل في منطقنا وفي خياراتنا اليوميّة ويجذبنا ويبعدنا عن جمال وأمان صخرة الإنجيل. لنسأل أنفسنا إذًا: كيف علينا أن نتصرف في حالات كهذه؟ كيف ندافع عن أنفسنا من التباسات هذا "المجتمع المائع"؟ يشجعنا النبي أشعيا في القراءة الأولى قائلاً: "توكَّلوا على الرب للأَبَد فإِن الرب هو صَخرَة الدُّهور" (أشعيا 26، 4). علينا إذًا أن نبني حياتنا على الله الصخرة والمصدر الوحيد للسعادة الحقيقيّة.

أضاف الكاردينال ريلكو يقول: إن كلمة الله التي تقدمها لنا الليتورجية اليوم تدخلنا بشكل جيّد في الموضوع الذي سندرسه خلال أعمال جمعيتنا العامة. ففي الأيام المقبلة سنتحاور معًا حول ظاهرة جديدة لا يمكن اعتبارها مجرد أداة اتصال (الانترنت) لأنها أصبحت ثقافة رقمية حقيقيّة قادرة أن تؤثر في حياة الأشخاص بشكل عميق، إذ أنها قادرة – حسب قول البعض- على ولادة "إنسان جديد"، "إنسان رقميّ". إنها مرحلة جديدة وجذابة تفتح أمام إنسان اليوم آفاقًا مجهولة... لذلك نحن مدعوون لنواجهها بدراسة عميقة وتمييز متنبّه دون خوف ودون إصدار أحكام مسبقة، وهذا ما نريد أن نفعله بمساعدة الرب خلال هذه الأيام.

تابع عميد المجلس البابوي للعلمانيين يقول: يشجعنا البابا فرنسيس بقوله: "من الأهمية بمكان أن نعرف كيف نحاور ونميّز، حتى داخل البيئة التي ولدتها التقنيات الجديدة والشبكات الاجتماعيّة، لنُظهر حضورًا يصغي يحاور ويشجّع. لا تخافوا من أن تكونوا هذا الحضور ومن أن تظهروا هويتكم المسيحيّة في هذا الإطار أيضًا لأن الكنيسة التي ترافق تعرف أيضًا كيف تسير مع الجميع!" (كلمة البابا للمشاركين بأعمال الجمعيّة العامة للمجلس البابوي لوسائل الاتصالات الاجتماعيّة 21 أيلول 2013). فالعالم الرقمي بحسب الأب الأقدس يشكل لنا نحن المسيحيين تحديًا إرساليًا: "فهل نحن قادرون، في هذا الإطار أيضًا، عل حمل المسيح وحمل الآخرين على اللقاء به؟ هل نحن قادرون على نقل وجه كنيسة تكون "منزلاً" للجميع؟" ولمواجهة هذا التحدي نحن بحاجة لتنشئة مناسبة ولاسيما للمؤمنين العلمانيين لأن – وكما يقول الأب الأقدس – "القارة الرقمية الكبيرة ليست مجرد تكنولوجيا، بل هي مكونة من رجال ونساء حقيقيين يحملون في داخلهم آمالهم وآلامهم، مخاوفهم وبحثهم عن الحقيقة والجمال والصلاح". ولا يمكن للأدوات الرقميّة أن تنسينا أن اللقاء بالمسيح هو لقاء شخصي ويقوم على الإعلان الذي يُنقل "من شخص لآخر"، فالأدوات التكنولوجية لا تكفي وحدها لأن البشارة تعتمد جوهريًا على الأشخاص. ومن هذا المنطلق ترك يسوع المسيح وصيّته الرسوليّة لكل فردٍ منا شخصيًّا: "اذهبوا في العالم كله، وأعلنوا البشارة إلى الخلق أجمعين"، ولذلك فكل منا مدعوٌّ شخصيًّا وعليه أن يجيب شخصيًّا. وختم الكاردينال ستانيسلاو ريلكو عظته بالقول: لنطلب من الرب أن ينيرنا في هذه الأيام ويمنحنا مواهب الحكمة والتمييز لنفكر حول التقنيات الجديدة ونفهم الخدمة الثمينة التي يمكنها أن تقدمها في إعلان الإنجيل.








All the contents on this site are copyrighted ©.