2013-10-26 13:36:44

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


في ذلك الزمان، ضرَبَ يسوعُ أَيضًا هذا المَثَل، لِقَومٍ كانوا مُستيقِنين أّنَّهم أَبرار، ويَحتَقِرونَ سائرَ النَّاس: "صَعِدَ رَجُلانِ إِلى الهَيكَلِ لِيُصَلِّيا، أَحَدُهما فِرِّيسيّ والآخَرُ عَشّار. فانتَصَبَ الفِرِّيسيُّ قائِمًا يُصَلَّي فيَقولُ في نَفْسِه: "الَّلهُمَّ، شُكرًا لَكَ لِأَنِّي لَستُ كَسائِرِ النَّاسِ السَّرَّاقينَ الظَّالمِينَ الفاسقِين، ولا مِثْلَ هذا العَشّار! إِنَّي أَصومُ مَرَّتَيْنِ في الأُسبوع، وأُؤَدِّي عُشْرَ كُلِّ ما أَقتَني. أَمَّا العَشّار، فوَقَفَ بَعيدًا لا يُريدُ ولا أَن يَرَفعَ عَينَيهِ نَحوَ السَّماء، بل كانَ يَقرَعُ صَدرَهُ ويقول: "الَّلهُمَّ، ارْحَمْني، أَنا الخاطئ!" أَقولُ لَكم إِنَّ هذا نَزَلَ إِلى بَيتِه مَبرورًا وأَمَّا ذاكَ فلا. فكُلُّ مَن رَفَعَ نَفْسَه وُضِع، ومَن وَضَعَ نَفْسَهُ رُفِع" (لوقا 18، 9- 14).

 

للتـأمل

"كُلُّ مَن رَفَعَ نَفْسَه وُضِع، ومَن وَضَعَ نَفْسَهُ رُفِع" تدعونا الكنيسة هذا الأحد لنتأمل في كلمات يسوع هذه، كلمات ربما سمعناها وألفناها، ولكن إلى أي حد نعيشها؟ فإن سألنا البعض عن معنى وأهمية هذه الكلمات قد يجيبوننا: في الواقع باتت صدى لكلمات تقرأ وتسمع ولكن بالحقيقة لم تعد تنفع ليومنا هذا، فالمتواضع بنظر المجتمع هو الإنسان الضعيف، والذي لا يستطيع أن يدافع عن حقه، بالأحرى هو الإنسان الذي سيهزأ منه المجتمع لأننا نعيش في عالم ساد فيه القوي على الضعيف، والإنسان المتواضع صار مطية لعنجهة المتكبرين فحقّروه وهزّؤوه واستضعفوه.

وهنا تأتي كلمات الرب يسوع في هذا المثل الذي يعطينا فيه أمثولة جميلة عن التواضع لكي يفهمنا بأنه ليس المهم ما يظنه الناس بنا، وإنما ما ستكون المكافأة في "قيامة الأبرار" (لو 14، 14). لأنّه في الحقيقة هذه نهاية التواضع، مسيرة تبدأ بارتقاء السلّم المقدّس: فكلّما اتّضعنا درجة في سلّم الآخرين، ارتقينا درجات في سلم السماء كي نصل إلى الله، ذاك الذي ترك عرشه وولد في مذود، وتخلّى عن سمائه ليزور الأرض، وتناسى ألوهيّته ليصير بشراً، ورسم لنا الطريق الذي علينا إتباعه لنكون له تلاميذًا وشهودًا حقيقيين عندما غسل أرجل تلاميذه وقال لهم: "إذا كنت أنا الرب والمعلم قد غسلت أرجلكم فيجب عليكم أنتم أن يغسل بعضكم أرجل بعض" ( يو 13، 14).

نحن بحاجة ماسة وضرورية اليوم وفي كل يوم لهذا التواضع الذي يعلمنا إياه الرب، ولكن علينا أن نفهم أن المتواضع ليس الإنسان الذي باع كرامته، وليس إنسانًا قرر أن يكون ضعيفاً كل حياته، لأن لا حيل له ولا قوة. بل على العكس تماماً، لأنّ من إتّضع ارتفع على حد قول السيد المسيح: ارتفع عن الحقد، ارتفع عن الكراهية، ارتفع عن الخطأ والخطيئة، ارتفع عن الضعف الذي يمنعه أن يتواضع لكي يذهب إلى الآخر ويقول له: تعال نتكلم،  تعال نفتح قلوبنا لبعض، تعال أعلمْني بخطئي وأعلمْك بخطئك، وهكذا يكون قد ارتفع عن خطيئة الكبرياء وتألق في سماء القداسة، محققاً كلام المخلص: "أمّا أنتم فلستم كذلك، ولكن ليكن الأكبر فيكم كالأصغر، والذي يتقدّم كالذي يخدم". (لو 22، 26).

يكتب القديس مبارك لرهبانه قائلاً: "يا إخوتي، يؤكّد الكتاب المقدّس لنا أنّ "مَن رَفَعَ نَفَسَه وُضِع، ومن وَضَع نَفسَه رُفِع"، فيوضّح لنا بذلك أنّ الارتفاع هو شكل من أشكال الكبرياء. ويشهد كاتب المزامير على ذلك من خلال قوله: "يا رَبُّ، لم يَستَكبِرْ قَلْبي ولا اْستَعلَت عَينايَ ولم أَسلُكْ طَريقَ المَعالي ولا طَريقَ العَجائِبِ مِمَّا هو أَعْلى مِني" (مز 131، 1)... لذا فلو أردنا بلوغ قمّة التواضع والوصول بسرعة إلى هذا الارتقاء السماوي الذي نبلغه بفعل تواضعنا في حياتنا الحاليّة، علينا أن نستقيم ونتسلّق بواسطة أعمالنا هذا السلّم الذي تراءى ليعقوب في الحلم حيث رأى "مَلائِكَة اللهِ صاعِدينَ نازِلينَ علَيه" (تك 28، 22). وحركة الصعود والنزول تلك لا تعني لنا شيئًا آخر سوى أنّنا ننزل إن رفعنا أنفسنا ونرتفع بفعل التواضع. لذلك فهذا السلّم ليس سوى حياتنا في هذا العالم التي يرفعها الربّ إلى السماوات عندما تتواضع قلوبنا. والتواضع في المرتبة الأولى هو أن نحفظ دومًا في نفوسنا مخافة الله، فلا ننساها مهما حصل. ولنتذكر دومًا ما أوصى به الله، فـ "عَينا الربً في كُلِّ مَكان تُراقِبانِ الأَشْرارَ والأَخْيار" (مثل 15، 3)، و"مِنَ السَّماءِ أَطَلَّ الرَّبُّ على بَني آدَم لِيَرى هل مِن عاقِلٍ يَلتَمِسُ الله" (مز 14، 2).








All the contents on this site are copyrighted ©.