2013-10-05 15:41:27

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


وقالَ الرُّسُلُ لِلرَّبّ: "زِدْنا إِيمانًا". فقالَ الرَّبّ: "إِذا كانَ لَكم إِيمانٌ بِمقْدارِ حَبَّةِ خَردَل، قُلتُم لِهذِه التُّوتَة: اِنقَلِعي وَانغَرِسي في البَحر، فَأَطاعَتْكم. مَن مِنْكُم له خادِمٌ يحرُثُ أَو يَرعى، إِذا رجَعَ مِنَ الحَقْل، يَقولُ له: تَعالَ فَاجلِسْ لِلطَّعام! أَلا يَقولُ له: أَعدِدْ لِيَ العَشاء، واشْدُدْ وَسَطَكَ واخدُمْني حتَّى آكُلَ وأَشرَب، ثُمَّ تَأكُلُ أَنتَ بَعدَ ذلِكَ وتَشرَب. أَتُراه يَشكُرُ لِلعبدِ أَنَّه فعَلَ ما أُمِرَ به؟ وهكذا أَنتُم، إِذا فَعَلتُم جميعَ ما أُمِرتُم بِه فقولوا: نَحنُ عَبيدٌ لا خَيرَ فيهِم، وما فَعَلْنا إلا ما كانَ يَجِبُ علَينا أَن نَفعَلَ". (لو 17، 5- 10)

 

للتـأمل

"لو كان لكم إيمانٌ بمقدارِ حبّة من خردلٍ لقُلتُم لهذا الجبل: انتقل من هنا إلى هناك فينتقل، ولما عجزتم عن شيءٍ". أمام هولِ المُشكلات التي تواجهنا يومياً، والتي نعجزُ عن حلّها وأحياناً كثيرة لا نستطيع تفاديها، قد نتساءل: إما أن ربّنا يسوع يُبالغُ جداً، وبالتالي، تعليمه غير صحيح، وإمّا أننا لا نملكُ مقدار حبّةٍ من الإيمان. ولأننا نعرف أننا ربّنا يسوع نقل جبالاً من الآم التي واجهت الإنسان، وأنَّ كل مَن آمن به نقل الإنسان من حالٍ إلى حالِ، فنعرُف الآن: أننا لا نملُكُ مقدارَ حبّة من الإيمان، لذا ترانا نعجزُ عن فعلِ شيءٍ. ويشرح يسوع هذا بقوله: لقلّة إيمانكم. والمُِشكلة لا تكمُن في قلّة الإيمان، بل في ضعفِ الإيمان.

سألوا مُعلماً روحياً: مَن هو صاحب الإيمان القليل؟ فأجابَ: مَن له كسِرة خُبزٍ في جيبه، ويسأل: ماذا سأكلُ غداً، فهذا قليلُ الإيمان. فالرب لا يُريد منّا إيماناً ضعيفاً، إيماناً قلقاً، بل يُريد إيماناً مثل حبّة الخردل، صغيرة الحجمِ ولكنّها فاعلةٌ! تنبض بالحياة وقوة العطاء على الرغمِ من صغرِ حجمها. قد نسأل أنفسنا هل هذا طلبٌ واقعيٌ؟ وهل يعرف ربنا ما الذي يقوله ويطلّبه منّا؟

نعم طلبُ ربّنا يسوع طلبٌ واقعي جداً، وسمعهُ مئاتٌ وألوفٌ من الناس فصاروا قديسين، شهود الإيمان، وآخرهم كانت الأم تريزا. صغيرة في حجمها أمام هول المُشكلات التي واجهتها، ولكنّها وبسبب إيمانها وأمانتها لله، نقلتَ جبالاً من الأحزان والأسى والمرض التعيس، إلى حالة من الحب والرعاية والاحترام. لماذا؟ لأنها آمنت، وصلّت، ولم تتراجع مهما كانت الصعوبات.

"حبّة الخردل" ترمز إلى حجم ما يمكن أن نقدّمه نحن و"الجبال" ترمز إلى حجم ما يمكن أن يتمّمه الرب من خلالنا إذا آمنا. الأولى تشير إلى ضعفنا والثانية تشير إلى مقدار ما ستفعله نعمته فينا. فالإيمان الحقيقيّ هو الإيمان بأن نعمة الربّ تفعل فينا ولو ملكنا إيماناً وقدّمنا رغبة بمقدار حبّة خردل. الإيمان هو إذن ليس مجرّد معتقد بل الإيمان بشخص يسوع المسيح. إنه إيمان القديس بولس الذي قال أستطيع كلّ شيء ولكن بالمسيح الذي يقوّيني!

الإيمان الحيّ يعرف أنّ الله هو الذي يتمّم كلّ شيء وأنّنا "بدونه لا نستطيع أن نعمل أي شيء". الإيمان الحقيقيّ يعرف أنّنا كبشر ضعفاء ولكن كمؤمنين أقوياء. إننا، على حدِّ قول الرسول، إناء كرامة أو هوان. الإنسان هو إناء كرامة حين يكون "هيكلاً للروح القدس" ويكون إناء هوان حين يخلو من النعمة. وهذا ما يميّز الإنسان عن سائر الكائنات الحيّة بأنّه الوحيد بينها الذي يستطيع أن يتلقّى أمواج النعمة الإلهيّة ويخاطب الأزلي ويسير على الإيمان به. والإيمان، ولو كحبّة خردل، هو "القناة" التي يدخل من خلالها الروح القدس ويحقق فينا حياة الله.

فالإنسان المؤمن هو يد لله المحبّ في العالم، هو حبّة الخردل التي تستقطب قوّة النعمة الإلهيّة، وبقدر ما ينفتح على محبة الله ونعمته ينقل الجبال ويحقق ملكوت الله في حياته وحياة الكنيسة.








All the contents on this site are copyrighted ©.