2013-10-04 13:29:26

البابا فرنسيس: "سلام القديس فرنسيس هو سلام المسيح القائم من الموت"


بمناسبة عيد القديس فرنسيس الأسيزي ترأس قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الجمعة القداس الإلهي في ساحة القديس فرنسيس في مدينة أسيزي الإيطالية وألقى عظة استهلها بآية من إنجيل القديس متى وقال: "أَحمَدُكَ يا أَبَتِ، رَبَّ السَّمَواتِ والأَرض، على أَنَّكَ أَخفَيتَ هذه الأَشياءَ على الحُكَماءِ والأَذكِياء، وكَشفتَها لِلصِّغار" (متى 11، 25)، وأضاف لقد جئت اليوم أنا أيضًا، كالعديد من الحجاج لأحمد الآب على كل ما أراد أن يُظهره لأحد هؤلاء "الصغار" الذي يتحدث عنهم الإنجيل: فرنسيس ابن تاجر غنيّ من أسيزي. لقد حمله اللقاء بيسوع للتخلّي عن حياة الرخاء و"الاقتران بالفقر" ليعيش كابن حقيقيّ للآب الذي في السماوات. لقد شكل خيار فرنسيس هذا طريقة جذريّةً للاقتداء بالمسيح والتشبه به هو الغني الذي افتقر ليغنينا بفقره (راجع 2 كور 8، 9). فقد قامت حياته بأسرها على محبة الفقراء والاقتداء بالمسيح الفقير.

تابع الأب الأقدس يقول: ماذا تقدم لنا شهادة القديس فرنسيس اليوم؟ تقول لنا هذه الشهادة أولاً أن الحياة المسيحيّة هي علاقة حيويّة مع شخص يسوع  والتشبه به. أين تبدأ مسيرة فرنسيس نحو يسوع؟ تبدأ من نظرة يسوع المصلوب: إن سمحنا له بأن ينظر إلينا في لحظة بذل حياته من أجلنا فسيجذبنا إليه. لقد عاش القديس فرنسيس هذه الخبرة في كنيسة القديس داميانو خلال صلاته أمام المصلوب. في ذلك المصلوب يسوع لا يبدو ميتًا بل حيّا! دمه يسيل من جراحات يديه ورجليه وجنبه ولكنه يعبّر عن الحياة، عيناه مفتوحتان ونظرته تحاكي القلوب وهو لا يحدثنا عن هزيمة وخسارة وإنما عن موت يمنح الحياة، لأنه يحدثنا عن المحبة، محبة الله المتجسّد وهذه المحبة لا تموت بل تدحر الشرّ والموت. وأضاف الحبر الأعظم يقول: من يسمح ليسوع المصلوب بأن ينظر إليه يولد من جديد ويصبح "خليقة جديدة"، هنا تبدأ خبرة النعمة التي تحوّل، خبرة الحب المجانيّ الذي لا فضل لنا به والذي نلناه بالرغم من كوننا خطأة، لذلك يمكن للقديس فرنسيس أن ينشد مع القديس بولس الرسول: "أَمَّا أَنا فمَعاذَ اللهِ أَن أَفتَخِرَ إِلاَّ بِصَليبِ رَبِّنا يسوعَ المسيح! " (غل 6، 14) وأضاف البابا يقول: نتوجه إليك أيها القديس فرنسيس ونسألك أن تعلمنا أن نبقى أمام المصلوب وأن نسمح له بأن ينظر إلينا ويسامحنا ويلدنا مجدّداً من حبّه.

لقد سمعنا في إنجيل اليوم كلمات يسوع: "تَعالَوا إِليَّ جَميعاً أَيُّها المُرهَقونَ المُثقَلون، وأنا أريحكم. اِحمِلوا نيري وتَتَلمَذوا لي فإِنِّي وَديعٌ مُتواضِعُ القَلْب" (متى 11، 28- 29). وهذه الشهادة الثانية التي يقدمها لنا القديس فرنسيس: من يتبع المسيح ينال السلام الحقيقي، لا سلام العالم وإنما ذلك السلام الذي وحده يسوع قادر على منحنا إياه. يربط العديد صورة القديس فرنسيس بالسلام وهذا أمر صحيح ولكنهم قليلون الذين يذهبون إلى عمق هذا الرابط. ما هو السلام الذي قبله وعاشه القديس فرنسيس ونقله إلينا؟ إنه سلام المسيح ذلك الذي عبر من خلال الحب الأعظم: حب الصليب! إنه السلام الذي منحه يسوع القائم من الموت لتلاميذه عندما جاءَ ووَقَفَ بَينَهم. فسلام فرنسيس ليس سلامًا عاطفيًّا! إنه سلام المسيح الذي يناله كل من يحمل نيره أي وصيّته: "أحبّوا بعضكم بعضًا كما أنا أحببتُكم" (يو 13، 34؛ 15، 12). وهذا النير لا يمكننا أن نحمله بكبرياء واعتداد بالنفس وإنما بالوداعة وتواضع القلب فقط. لذلك نتوجه إليك أيها القديس فرنسيس ونسألك أن تعلمنا أن نكون "أدوات للسلام"، ذلك السلام الذي يجد مصدره في الله، السلام الذي حمله لنا ربنا يسوع المسيح.

تابع الأب الأقدس يقول: يبدأ القديس فرنسيس نشيده بالقول "أيها العليّ القدير والربّ الصالح لك الحمد والمجد والشرف والبركات كلّها كن مسبّحا في كلّ مخلوقاتك"، المحبة للخليقة كلها وتناغمها: فقديس أسيزي يشهد لاحترام كل ما خلقه الله وما دُعي الإنسان لحراسته وحمايته، لكنه يشهد خصوصًا لاحترام ومحبة كل كائن بشريّ.

التناغم والسلام! لقد كان القديس فرنسيس رجل تناغم وسلام، ومن مدينة السلام هذه أكرر بقوة الحب ووداعته: لنحترم الخليقة ولا نكوننَّ أدوات دمار! لنحترم كلّ كائن بشريّ ولتتوقف النزاعات المسلّحة التي تُدمي الأرض، لتصمت الأسلحة، وليحل الحب حيث البغض، والمغفرة حيث الإساءة والاتفاق حيث الخلاف! لنشعر بصرخة الذين يبكون ويتألمون ويموتون بسبب العنف والإرهاب والحرب في الأرض المقدسة وسوريا والشرق الأوسط بأسره وفي العالم أجمع! نتوجه إليك أيها القديس فرنسيس ونسألك أن تنال لنا من الله النعمة ليصبح عالمنا هذا عالم تناغم وسلام واحترام للخليقة!

وختم البابا فرنسيس عظته بالقول لا يمكنني أن أنسى أن إيطاليا تحتفل اليوم بعيد شفيعها القديس فرنسيس، لنصل من أجل هذا البلد ليعمل كل واحد فيه من أجل الخير العام وبالنظر دائمًا إلى ما يجمعنا أكثر وليس إلى ما يفرقنا. وختامًا أرفع صلاتي، صلاة القديس فرنسيس من أجل أسيزي، إيطاليا والعالم أجمع: أسألك إذا أيها الرب يسوع المسيح، أب المراحم، ألا تنظر إلى جحودنا بجميلك، بل اغمرنا دائمًا بفيض رحمتك التي أظهرتها في هذه المدينة، لتبقى دائمًا مقامًا ومسكنًا للذين يعرفوك ويمجدون اسمك المبارك والممجد إلى دهر الدهور آمين!








All the contents on this site are copyrighted ©.