2013-09-28 15:25:14

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


في ذلك الزَّمان: قال يسوع للفريسيين: "كانَ رَجُلٌ غَنِيٌّ يَلبَسُ الأُرجُوانَ والكَتَّانَ النَّاعِم، ويَتَنَعَّمُ كُلَّ يَومٍ بِمَأدُبَةٍ فاخِرة. وكانَ رَجُلٌ مسكين اسمُه لَعازَر مُلْقىً عِندَ بابِه قد غطَّتِ القُروحُ جِسْمَه. وكانَ يَشتَهِي أَن يَشبَعَ مِن فُتاتِ مائِدَةِ الغَنيّ. غَيرَ أَنَّ الكِلابَ كانت تأتي فتَلحَسُ قُروحَه. وماتَ المسكين فحَمَلَتهُ المَلائِكَةُ إِلى حِضْنِ إِبراهيم. ثُمَّ ماتَ الغَنيُّ ودُفِن. فرَفَعَ عَينَيهِ وهوَ في الجَحيم يُقاسي العَذاب، فرأَى إِبْراهيمَ عَن بُعدٍ ولَعازَرَ في أَحضانِه. فنادى: يا أبتِ إِبراهيمُ ارحَمنْي فأَرسِلْ لَعاَزر لِيَبُلَّ طَرَفَ إِصبَعِه في الماءِ ويُبَرِّدَ لِساني، فإِنِّي مُعَذَّبٌ في هذا اللَّهيب. فقالَ إِبراهيم: يا بُنَيَّ، تَذَكَّرْ أَنَّكَ نِلتَ خَيراتِكَ في حَياتِكَ ونالَ لَعاَزرُ البَلايا. أَمَّا اليَومَ فهو ههُنا يُعزَّى وأَنت تُعَذَّب. ومع هذا كُلِّه، فقد أُقيمَت بَيننا وبَينَكم هُوَّةٌ عَميقة، لِكَيلا يَستَطيعَ الَّذينَ يُريدونَ الاجتِيازَ مِن هُنا إِلَيكُم أَن يَفعَلوا ولِكَيلا يُعبَرَ مِن هُناك إِلَينا. فقال: أَسأَلُكَ إِذًا يا أَبتِ أَن تُرسِلَه إِلى بَيتِ أَبي، فإِنَّ لي خَمسَةَ إِخَوة. فَلْيُنذِرْهُم لِئَلاَّ يَصيروا هُم أَيضًا إلى مَكانِ العَذابِ هذا. فقالَ إِبراهيم: عندَهُم موسى والأَنبِياء، فَلْيَستَمِعوا إِلَيهم. فقال: لا يا أَبتِ إِبراهيم، ولكِن إذا مَضى إِليهِم واحِدٌ مِنَ الأَمواتِ يَتوبون. فقالَ له: إِن لم يَستَمِعوا إِلى موسى والأَنبِياء، لا يَقَتَنِعوا ولو قامَ واحِدٌ مِنَ الأَموات". (لو 16، 19- 31)

 

للتـأمل

في هذا الأحد تذكّرنا الكنيسة بضرورة السّهر بانتظار يوم الرّبّ الذي يُباغتنا إذا كنّا كالغنيّ مستغنين عن الله، مأخوذين بعالم المادّة والمظاهر. وتعرَضُ علينا في المقابل صورة لعازر، لا لأنّه المثال بفقره، بل بقبوله واقع حياته دون تذمّر. فهو بالرّغم من كلّ شيء، قادرٌ على أن يعطي الكلاب شيئاً ممّا عنده، جسده الذي هو ملكٌ للأرض. فحياة الفقر والحاجة زادت من وعيه لتلك الأمانة التي هي جسده، والتي ائتمِنَ على المشاركة بها مع غيره من صغار هذا العالم. يضعنا المثل أمام رجُلين: غنيٌّ وفقير. الغنيّ يعيشُ عيدًا متواصلاً، يفرحُ ويتنعّم بالولائم ويلبس الأرجوان الملوكيّ. أمّا لعازر المسكين فيتألّم وحده في شقائه وفقره على باب ذلك الغنيّ. يمرّ الكثيرون بقربه وليس من "سامريّ صالح" "يُضمِّد جراحاته".

الفرق مؤلمٌ بين ما يجري في داخل بيت الغنيّ وبين ما يحدث على بابه: في الدّاخل رخاءٌ ودلال، مآدبُ عامرة، وعلى الباب، جوعٌ وبؤسٌ. عالمان متلاصقان لكنّهما متناقضان تمامًا. إلاَّ أنّ واقعًا واحدًا يجمع الغنيّ والفقير، إنـَّهُ الموت! الإثنان ماتا، ولكنّ الموت لم يقرّب الواحد من الآخر، فإنـَّهُ عاد ليَقلب الموقف رأسًا على عقب ويختم انفصالهما: صار الغنيُّ فقيرًا والفقير غنيًّا.

هلاك الغنيّ ليس بسبب غناه أو لأنّه استغلّ الفقير، ولكن بسبب عماه. الغنيّ لم يرَ الفقير أو رآه وتغاضى عنه وهذه هي دينونته. لقد أسَره الرَّفاه وأعمت بصيرته الأموالُ وحجبت عنه رؤية المسكين. أمَّا خلاص لعازر فلم يكن لفقره، بل لأنّه كان يعيش باسمه الذي يعني: "إلهي هو عَوني". لقد حفر الغنيّ هوَّةً عظيمة بينه وبين لعازر: هنا كانت عتبة باب، أمَّا هناك فأصبحت هوَّة ً عظيمة.

لقد أصبح الغنيّ بحاجةٍ ماسَّةٍ إلى الفقير، هو الذي لم يشعر بحاجة الفقير إليه على الأرض. والآن لعازر هو "في حضن إبراهيم" كما كان "الابن الوحيد" في حضن الآب، أمَّا الغنيّ فنصيبه الجحيم. ونحنُ، هل لنا الجرأة اليوم لنكون سبب رجاءٍ لأولئك المطروحين عند أبواب حياتنا؟

 

صلاة: أيها الرب يسوع يا من قلت طوبي للفقراء بالروح فإن لهم ملكوت السماوات أعطنا هذه النعمة وعلمنا أن نرى في الإنسان لا مالاً يملكه بل صورتك الإلهية، وأن نفهم جيداً بأننا وكلاء على ما أتمنتنا عليه وأن نُحسن تدبيره، ونكون لك شاكرين بقناعة ما نحن عليه ولا نطلب سوى خبزنا كفاف يومنا، آمين








All the contents on this site are copyrighted ©.