2013-09-21 15:34:53

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


فَي ذَلكَ الزمَان: قال يسوع لتلاميذه: "كانَ رَجُلٌ غَنِيٌّ، وكانَ لَه وَكيلٌ، فشُكِيَ إِلَيه بِأَنَّه يُبَذِّرُ أَموالَه. فدَعاهُ وقالَ له: ما هذا الَّذي أَسمَعُ عَنكَ؟ أَدِّ حِسابَ وَكالَتِكَ، فلا يُمكِنُكَ بَعدَ اليَومِ أَنْ تَكونَ لي وَكيلاً. فقالَ الوكيلُ في نَفْسِه: ماذا أَعمَل؟ فَإِنَّ سيِّدي يَستَرِدُّ الوَكالَةَ مِنّي، وأَنا لا أَقوى على الفِلاحة، وأَستحي من الاستِعطاء. قد عرَفتُ ماذا أَعمَلُ حتَّى إِذا نُزِعتُ عنِ الوَكالَة، يَكونُ هُناكَ مَن يَقبَلونَني في بُيوتِهم. فدَعا مَديني سَيِّدِه واحِدًا بَعدَ الآخَر وقالَ لِلأَوَّل: كم عَلَيكَ لِسَيِّدي؟ قال: مِائةُ كَيْلٍ زَيتًا: فقالَ له: إِلَيكَ صَكَّكَ، فاجلِسْ واكتُبْ على عَجَلٍ: خَمسين. ثُمَّ قالَ للآخَر: وأَنتَ كم عَليكَ؟ قال: مِائةُ كَيْلٍ قَمحًا. قالَ له: إِلَيكَ صَكَّكَ، فَاكتُبْ: ثَمانين. فأَثْنى السَّيِّدُ على الوَكيلِ الخائِن، لأنه كانَ فَطِنًا في تَصَرُّفِه. وذلِك أَنَّ أَبناءَ هذهِ الدُّنيا أَكثرُ فِطنَةً مع أَشباهِهِم مِن أَبْناءِ النُّور. وأَنا أَقولُ لَكم: اِتَّخِذوا لكم أَصدِقاءَ بِالمالِ الحَرام، حتَّى إِذا فُقِدَ قَبِلوكُم في المَساكِنِ الأَبَدِيَّة. مَن كانَ أَمينًا على القَليل، كانَ أَمينًا على الكثيرِ أَيضًا. ومَن كانَ خائِنًا في القَليل كانَ خائِنًا في الكَثيرِ أَيضًا. فَإِذا لم تَكونوا أُمَناء على المالِ الحَرام، فعَلى الخَيرِ الحَقِّ مَن يَأَتَمِنُكم؟ وإِذا لم تكونوا أُمَناءَ على ما لَيسَ لَكم، فمَن يُعطيكُم ما لَكم؟ ما مِن خادِمٍ يَستَطيعُ أَن يَعمَلَ لِسَيِّدَيْن، لأنه إِمَّا أَن يُبغِضَ أَحَدَهُما ويُحِبَّ الآخَر، وإِمَّا أَن يَلَزمَ أَحَدَهما ويَزدَرِيَ الآخَر. فأَنتُم لا تَستَطيعونَ أَن تَعمَلوا لِله ولِلمال".

 

للتـأمل

تضع الكنيسة في هذا الأحد بين أيدينا نص الوكيل الخائن، الذي كان كريمًا مع المدينين على حساب سيّده، يقول لنا القديس لوقا: "فأَثْنى السَّيِّدُ على الوَكيلِ الخائِن، لأنه كانَ فَطِنًا في تَصَرُّفِه. وذلِك أَنَّ أَبناءَ هذهِ الدُّنيا أَكثرُ فِطنَةً مع أَشباهِهِم مِن أَبْناءِ النُّور". يأتي المديح لذكاء وفطنة الوكيل وليس لعدم نزاهته، ونجد في هذه العبارة دعوة لنمييز القيم التي يدعونا يسوع لعيشها كمسيحيين مؤمنين.

إنها دعوة لمعرفة كيفية استعمال المال بفطنة من أجل ملكوت السماوات. فإن عرف الوكيل الخائن كيف يستعمل خيرات هذا العالم ليخلق له أصدقاء ويهيئ لمستقبله الأرضي، فكم بالأحرى على المسيحي أن يهيئ مستقبله الأبدي بمشاركته الفقراء من خلال الصدقة؛ لكي يستقبلوه في مدينة الله. فالإنسان الفطن هو من يعتبر المال وسيلة وليس هدف. لأن المال غير عادل وغشاش إن صح التعبير، وبإمكانه أن يتحول إلى صنم، وإن قارنّاه بخيرات الملكوت الحقيقة والأبدية، نجد أن قيمة المال غير أكيدة ومؤقتة وأن ملكوت المال لا يدوم...

نقرأ في إنجيل اليوم أيضًا: "مَن كانَ أَمينًا على القَليل، كانَ أَمينًا على الكثيرِ أَيضًا. ومَن كانَ خائِنًا في القَليل كانَ خائِنًا في الكَثيرِ أَيضًا. فَإِذا لم تَكونوا أُمَناء على المالِ الحَرام، فعَلى الخَيرِ الحَقِّ مَن يَأَتَمِنُكم؟" فمقابل عدم العدالة التي تميز الوكيل والمال، هناك ما يعارضها: الأمانة التي تنمو يوماً بعد يوم في استعمال الخيرات الروحية والأرضية وهذا ما يدعونا إليه يسوع.

"ما مِن خادِمٍ يَستَطيعُ أَن يَعمَلَ لِسَيِّدَيْن، لأنه إِمَّا أَن يُبغِضَ أَحَدَهُما ويُحِبَّ الآخَر، وإِمَّا أَن يَلَزمَ أَحَدَهما ويَزدَرِيَ الآخَر. فأَنتُم لا تَستَطيعونَ أَن تَعمَلوا لِله ولِلمال" فالذي يعبد المال ويجعله صنماً له، لا يمكنه أن يكون ابن النور. منذ أن ظهر الله في العالم، وجد الإنسان ذاته أمام خيار جذري، لذا فعلى المسيحي أن يُظهر، من خلال استعماله للمال بأنه ينتمي إلى الله. فالخيرات هي ملك الله وحده. ونحن مؤتمنين عليها، نحن وكلاء عليها لكي تخدم الأخوة بين البشر. وبالتالي عدم العدالة التي تتعارض مع عدل الله، تكمن في امتلاك المال. لأننا بامتلاكنا له نحيده عن هدفه الصحيح: خدمة الأخوة من خلال مجانية تُظهر النعمة التي نعيشها.

"ما مِن خادِمٍ يَستَطيعُ أَن يَعمَلَ لِسَيِّدَيْن" هذا لا يعني أنّ هناك سَيِّدَيْن؛ لا يوجد سوى سيّد واحد. ولا يحقّ للمال أن يكون سيّدًا حتّى لو كان هناك أشخاص يخدمونه، في الواقع هؤلاء قد اختاروا نير العبوديّة. وكما يقول القديس أمبروسيوس: "الثروات غريبة عنّا لأنّها خارج طبيعتنا، فهي لا تولد معنا ولا تتبعنا في الموت. وعلى العكس من ذلك، فالرّب يسوع المسيح هو لنا لأنّه الحياة ... فلا نكونَنّ عبيدًا للممتلكات الخارجيّة، لأنّه يجب ألاّ نعترف بربّ إلاّ الرّب يسوع المسيح".








All the contents on this site are copyrighted ©.