2013-08-18 09:55:36

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


"جئتُ لألقي على الأرض نارًا، وما أشدَّ رغبتي أن تكونَ قد اشتعلت! وعليَّ أن أقبلَ معمودية، وما أشدَّ ضيقي حتى تتمّ! أتظنون أني جئتُ لأُحلَّ السلامَ في الأرض؟ أقولُ لكم: لا، بل الانقسام. فيكونُ بعدَ اليوم خمسةٌ في بيتٍ واحدٍ منقسمين، ثلاثةٌ منهم على اثنين واثنانِ على ثلاثة: سينقسمُ الناسُ فيكون الأبُ على ابنه والابنُ على أبيه، والأمُّ على ابنتها والبنتُ على أمها، والحماةُ على كَنتها والكنّةُ على حماتها" (لوقا 12، 49 ـ 53)

 

للتأمل

"اجعلوا لكم أكياسًا لا تَبلى، وكنزًا في السموات لا ينفَد، حيث لا سارقٌ يدنو ولا سوسٌ يفسد..." بهذه الكلمات حثنا يسوع في إنجيل الأحد الماضي رجال ونساء عصرنا الحاضر الذين نبحث عن السعادة والهدوء وغالبًا وما نكتفي بما قدمه لنا العالم والمجتمع وتصبح قيمنا وكنوزنا متعلقة فقط بالخيور الأرضية والزمنية.

نحن نحتاج لهذه الخيور لنعيش حياة كريمة ولكن هناك خيرًا آخر، كنزًا أكبر وهو المسيح ابن الله الذي صار إنسانا ومات من أجلنا ليخلصنا، وقام من الأموات وهو حاضر بيننا ليس فقط في تاريخ البشرية الشامل بل في الحياة الشخصية لكل فرد منا ويريد أن يقودنا للاتحاد الكامل بالله من خلال اتباعه والتتلمذ له.

لذلك يجب علينا أن نبني أساسات حياتنا على المسيح كما يقول لنا القديس بولس "لذلك فنحنُ الذين يحيطُ بهم هذا الجمُّ الغفيرُ من الشهود، فلنلقِ عنا كلَّ عبء وما يساورنا من خطيئة ولنخُضْ بثباتٍ ذلك الصراعَ المعروضَ علينا، محدّقينَ إلى مُبدئ إيماننا ومتمِّمه، يسوع الذي، في سبيلِ الفرحِ المعروضِ عليه، تحمَّلَ الصليبَ مستخفًّا بالعار، ثمَّ جلسَ عن يمينِ عرشِ الله. فكِّروا في ذاك الذي تحمَّلَ ما لقيَ من مخالفةِ الخاطئين، لكيلا تخورَ هِممُكُم بضُعفِ نفوسكم". (عب 12، 1 ـ 4).

بهذه الكلمات، يذكرنا بولس الرسول لا بل يضعنا أمام المسيح وما فعله من أجلنا آخذا طبيعتنا وحالتنا البشرية ليشفينا ويفتدينا بحياته ويفتح لنا مستقبلا جديدا على الرجاء والفرح الذي لا ينتهي فرح الشركة مع الله والدخول في علاقة بنوّة مع الآب الذي يحبنا ويقبلنا ويرافقنا في الزمن وما بعد الزمن...

يدعونا القديس بولس ليُقدم كل منا على القيام بخيار لحياته، خيار إيمان، خيار حياة صادقة وعميقة، أن نختار يسوع المسيح ذلك الكنز الذي لا ينفد، الذي هو الله بعينه الذي بواسطة الابن صار بشرا وعاش بيننا وافتقرَ ليرفعنا من فقرنا وشقائنا ويشفينا من كل شر ويخفف عنا في آلامنا ويجعلنا إخوة له وأبناء للآب.

يقول لنا يسوع في إنجيل هذا الأحد "عليَّ أن أقبلَ معمودية، وما أشدَّ ضيقي حتى تتمّ!" إنها صورة معموديتنا التي تحملنا لندخل في حياة الله ونتحد به بواسطة صليب وآلام يسوع المسيح الجسدية والروحية أيضا والتي يسببها نقص الحب واللامبالاة التي نواجهها يوميًا في عالمنا الحاضر.

يقول لنا اليوم يسوع أيضا: "جئتُ لألقي على الأرض نارًا، وما أشدَّ رغبتي أن تكونَ قد اشتعلت!" هذه النار هي نار حبّه، نار الروح القدس الذي وعدنا به بعد قيامته من بين الأموات والذي أضرم قلوب الرسل فخرجوا إلى العالم يحملون بشراه السارة. وهذا الروح عينه، محبة يسوع لنا، قد نلناه نحن أيضا بواسطة المعمودية وهو النار التي تحركنا لنحمل بشرى يسوع ورسالته للعالم! ورسالة يسوع التي أوكلت إلينا ليست سهلة، تتطلب منا أن نضعه في المرتبة الأولى في حياتنا مهما كان الثمن. فقبول المسيح وإتباعه بالإيمان السخي يولد أيضا "الانقسام" الذي يتحدث عنه يسوع في إنجيل اليوم لأن إتباع يسوع هو خيار جذري يتعارض وروح العالم، وهذا الخيار هو ما يقترحه علينا اليوم يسوع في هذا الأحد، فهل نحن مستعدون لنشعل في قلوبنا والعالم من حولنا شعلة محبة قلبه الأقدس؟

 








All the contents on this site are copyrighted ©.