2013-08-03 15:01:54

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


فَي ذَلكَ الزَّمَان قالَ لِيَسوعَ رجُلٌ مِنَ الجَمْع: "يا مُعَلِّم، مُرْ أَخي بِأَن يُقاسِمَني الميراث". فقالَ لهَ: "يا رَجُل، مَن أَقامَني علَيكُم قاضِيًا أَو قَسَّامًا؟" ثُمّ قالَ لَهم:"تَبصَّروا واحذَروا كُلَّ طَمَع، لأَنَّ حَياةَ المَرءِ، وإِنِ اغْتَنى، لا تَأتيه مِن أًموالهِ". ثُمَّ ضَرَبَ لَهم مَثَلاً قال: "رَجُلٌ غَنِيٌّ أَخصَبَت أَرضُه، فقالَ في نَفسِه: ماذا أَعمَل؟ فلَيسَ عندي مَوضعٌ أَخزُنُ فيه غِلالي. ثُمَّ قال: أَعمَلُ هذا: أَهدِمُ أَهرائي وأَبْني أَكبرَ مِنها، فأَخزُنُ فيها جَميعَ قَمْحي وأَرْزاقي. وأَقولُ لِنَفْسي: يا نَفْسِ، لَكِ أَرزاقٌ وافِرَة تَكفيكِ مَؤُونَةَ سِنينَ كَثيرة، فَاستَريحي وكُلي واشرَبي وتَنَعَّمي". فقالَ لَه الله: يا غَبِيّ، في هذِهِ اللَّيلَةِ تُستَرَدُّ نَفْسُكَ مِنكَ، فلِمَن يكونُ ما أَعدَدتَه؟ فهكذا يَكونُ مصيرُ مَن يَكنِزُ لِنَفْسِهِ ولا يَغتَني عِندَ الله".

 

للتـأمل

"يا جاهل في هذه الليلة تُطلبُ روحكَ" مِنّكَ"، ... على الرغم من أن القصّة لم تذكر لنا: "وعندما صارَ الليلَ" إلا أن ربّنا يقول أن الله قالَ للغني: "يا غبي في هذه الليلة تُسترَدُ نَفسُكَ منّكَ". فمتى صارَ الليل إذا في حياة الغني؟

دخلت حياة الغني في ليل مُظلمَ عندما أبدلَ المُعطي بالعطية التي بين يديه، فلم يعد يُفرّق بين الهبة والواهب. بل تعلّقت نفسه بالهبة وتركَ الواهب، وهكذا دخلت حياته ليلاً مُظلماً فلم يعرف ماذا يُقرر، وإن قرر فسيُقرر بجهلٍ، والجاهل هو من يُنكِر وجود الله، ومَن يعتقد أن بإمكانهِ أن يعيشَ من دونِ الله. فأعتقدَ الغني الذي وصفهُ ربّنا يسوع بالجاهل، مثلما نعتقد نحن أيضاً"، أن المال هو غايةٌ بحدِ ذاتها، فوضعه صنماً يعبده، متجاهلاً حقائق أخرى منها: الإنسان، القريب الذي نحن مسؤولون عليه، ومحبّة القريب هي التي ستُوصلنا للهّ، لأن الإنسان لا يأخذ معه شيءُ إلا ما أعطاه لقريبهِ. فحياة القريب ومحبته هي الأهراء التي لا ينفذ إليه سارقٌ أو لصٌ، لأنه مُؤمّنةٌ في الله الذي لا يغلبهُ الشرير، وهذا ما نسيهُ الغني، وينساه كثيرون منّا أيضاً.

يُروى أن غنيّ دخل الفردوس بعد مماته. فبينما كان يتجول في أسواقها تعجّب من أن البضائع في السماء رخيصة جداً... فوقف في أحدِ المحلات التجارية وأراد أن يشتري أشياء كثيرة. فأخرج نقوده وأرادَ التسوق... فقاطعه أحد الملائكة بقوله: "هذه العملة غير متداولة في السماْء". فسأله الغني: "وما هي العملة المتداولة هنا؟" فأجاب الملاك: "العملة المتداولة في السماء هي الأموال التي أنفقت على الفقراء في الارض".

يريد ربنا يسوع أن يتحدّانا لنواجه أنفسنا بالسؤال: ما معنى حياتنا الأرضية؟ ولما نعيش؟ ويُريد أن يُعطينا الجواب: معنى الحياة هو أن نعترف بالله إلهاً ورباً وملكاً يُعبد، وبالإنسان قريباً يُحتَرم، وهكذا نُفقّر أنفسنا، ونغتني بالله. يقول القديس بولس في رسالته الأولى إلى تلميذه تيموتاوس: "فإن اصلَ الشرور محبّة المال، وقد طمحَ إليه أُناسٌ، فشردوا عن الإيمان، وطعنوا أنفسهم بأوجاعٍ شتّى" (1 طيم 6: 10). المشكلة ليست إذًا في المال أو الخيرات، بل في كيفية التصرّف بها. المال والخيرات وُجدت لخدمة الإنسان وخدمة حياة القريب، وهذا ما لم يفهمه الغني، ولا يقبل أن يفهمه الإنسان دوماً، ومازلنا نعاند أنفسنا إلى اليوم ونقول: بالمال نستطيعُ فعلَ كل شيء. نعم المالُ وسيلةٌ لكن متى صارتَ إلهاً قتلتَ إنسانيتنا وإنسانية الآخرين.

يدعونا يسوع اليوم لنؤمن، أي أن نضع كل ثقتنا بالله، هو الأمان والأمن، ويقول لنا أن الانشغال بالمال أو بالإنجازات  ليسا إلا تعبيرًا عن عوز في الإيمان وقلّة للثقة بالله الآب. كما ويُعلّمنا أيضًا أن المالَ والغنى أُعطيا لنا ليكونا وسيلة نُسعِد بها حياتنا وحياة الفقراء والتعساء من حولنا. فلنوسّع قلوبنا لتحتضِنَ احتياجاتهم، ونملئ أهراءنا من صلاة المساكين ودعاء الفقراء لنا، فيكون الله كنزنا الأوحد.








All the contents on this site are copyrighted ©.