2013-03-03 13:07:20

آخر أيام حبريّة البابا بندكتس السادس عشر


"بحريّة تامة، أُعلن التخلي عن خدمتي كأسقف روما، خليفة القديس بطرس": بهذه الكلمات وأمام الكرادلة المجتمعين في الكونسيستوار، أعلن البابا بندكتس السادس عشر قراره بالتخلي عن الخدمة البطرسيّة في تذكار العذراء مريّم سيّدة لورد. ويقينا بأن قواه، وبسبب تقدّمه في السنّ لم تعد قادرة على أن تقوم بشكل ملائم بالخدمة البطرسية، أوكل الكنيسة لعناية راعيها الأعظم يسوع المسيح، وهذا الإيمان الكبير يظهر من خلال كلماته إذ قال خلال المقابلة العامة في الثالث عشر من شباط فبراير الماضي:" تدعمني وتنيرني الثقة بأن الكنيسة هي للمسيح، الذي سيواصل قيادتها والاعتناء بها... تابعوا الصلاة من أجلي، من أجل الكنيسة ومن أجل البابا الجديد. والرب سيقود خطانا." وفي التعليم الأسبوعي ذكّر البابا بندكتس السادس عشر بأن " قوّة هذا العالم لن تخلّص العالم وإنما قوّة الصليب والتواضع والمحبّة." ودعا المؤمنين "لوضع الله في المقام الأول".

في عظته مترأسا القداس الإلهيّ في يوم أربعاء الرماد تحدث البابا بندكتس السادس عشر عن ضرورة التوبة، عمل رحمة الله في عالمٍ غالبًا ما يحكم على الآخر، وقال: "في الواقع إن أشخاصا كثيرين في عالم اليوم يعبرون عن سخطهم إزاء أوضاع الظلم وغياب العدالة، لكن قليلين هم الأشخاص المستعدون لوضع قلبهم وضميرهم ونواياهم في تصرف الله القادر على تبديل الإنسان ودفعه صوب الارتداد والتوبة." ودعا المؤمنين لعدم تشويه وجه الكنيسة. ولفت الحبر الأعظم إلى أن شهادتنا المسيحية تكون فاعلة عندما لا نبحث عن مجدنا الشخصي، وعندما ندرك أن الله يكافئ الأشخاص بالعدل، وأن مكافأتنا تكمن أيضا في أن نكون متحدين معه خلال مسيرتنا الإيمانية.

في لقائه مع كهنة أبرشية روما قال البابا بندكتس السادس عشر:"فرحي كبير برؤية كنيسة حية..." نحن الكنيسة، فالكنيسة ليست بناءً بل هي نحن المسيحيين، لأننا معًا نكوّن جسد الكنيسة الحيّ."

وقبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي في السابع عشر من شباط الماضي شدّد البابا على أهميّة الارتداد الذي يتطلّب "جهادًا روحيًّا حقيقيًّا" وقال: " أنريد إتّباع الأنا أم الله؟ المصلحة الفردية أم الخير الحقيقي، أي ما هو خير حقّا؟" وأكد البابا أنه لا ينبغي الخوف من الجهاد ضد روح الشر: المهم أن نفعل ذلك مع المسيح، المنتصر.

في ختام أسبوع الرياضة الروحيّة في الفاتيكان ألقى البابا كلمة أشار فيها إلى أن موضوع التأملات الرئيسي قد تمحور حول "فن الإيمان، فن الصلاة" لافتا إلى أن الحقيقة جميلة، والحقيقة والجمال يترافقان، والجمال هو ختم الحقيقة، وأن الشرير يريد أن يشوه الخلق ليعارض مشيئة الله، وليخفي حقيقته وجماله. ولذلك تكلل ابن الله بالشوك وصُلب: " ومن خلال صورة ابن الله المتألم نرى جمال الخالق والمخلص. نستطيع أن نصغي إلى الكلمة في صمت الليل القاتم. أن نؤمن يعني أن نلمس يد الله، في ظلمة هذا العالم، وأن نصغي إلى الكلمة في الصمت ونرى المحبة."

وفي آخر لقاء مع وفود المؤمنين لتلاوة صلاة للتبشير الملائكي في الرابع والعشرين من شباط  تحدث البابا بندكتس السادس عشر عن دعوة الله له لـ "صعوده الجبل" لتكريس نفسه للصلاة والتأمل، وقال:" لكن هذا الأمر لا يعني التخلي عن الكنيسة، بل على العكس، إذا طلب مني الله ذلك فهذا يعني أن أواصل خدمتها بتفان ومحبة، كما فعلت لغاية الآن ولكن بطريقة تتلاءم أكثر مع سني وقدراتي".

وفي آخر مقابلة عامة في حبريّته تذكر الأب الأقدس لحظات حبريّته السعيدة ولكنّه تحدث أيضًا عن تلك الأوقات التي كانت فيها المياه هائجة والريح معاكسة تماما وبدا أن الرب نائم، وقال:" لكنني كنت مدركٌ دائما أن الرب حاضر في تلك السفينة وأن سفينة الكنيسة ليست لي ولا لنا بل للربّ ولن يتركها تغرق."

تابع الأب الأقدس يقول في سنة الإيمان التي أردتها لتعزيز إيماننا بالله، "أدعوكم لتجددوا ثقتكم الثابتة بالرب وتستسلموا كالأطفال بين ذراعي الله، واثقين أن هاتين الذراعين تعضدانا دائماً وهما اللتان تسمحان لنا بالسير يوميا بالرغم من التعب. أريد أن يشعر كلٌّ منكم بأنه محبوب من الله الذي وهب ابنه من أجلنا وأظهر لنا محبته التي لا تعرف الحدود. أريد أن يشعر كلٌّ منكم بالفرح لكونه مسيحيّ". وشرح مرّة أخرى للمؤمنين قرار تخلّيه عن الخدمة البطرسيّة وقال:"محبة الكنيسة تعني أيضا الشجاعة للقيام بالخيارات الصعبة والمؤلمة واضعين دائما في المرتبة الأولى خير الكنيسة".

وقبل أن ينطلق إلى "جبله" للتأمل والصلاة، أطل البابا بندكتس السادس عشر من شرفة القصر الرسولي الصيفي في كاستيل غاندولفو للمرة الأخيرة كحبر أعظم وعانق المؤمنين الذين احتشدوا في ساحة البلدة الرئيسيّة وقال: " بعد الساعة الثامنة من مساء اليوم لن أكون حبرا أعظم للكنيسة الكاثوليكية بل مجرّد حاج يبدأ المرحلة الأخيرة من مسيرة حجّه على هذه الأرض... لنسر إلى الأمام مع الرب من أجل خير الكنيسة والعالم.








All the contents on this site are copyrighted ©.