2013-03-02 15:17:29

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


في ذلِكَ الوَقتِ، حَضَرَ أُناسٌ وأَخبَروا يسوع خَبَرَ الجَليليِّينَ الَّذينَ خَلَطَ بيلاطُسُ دِماءَهم بِدِماءِ ذَبائِحِهِم. فأَجابَهُم:"أَتظُنُّونَ هؤلاءِ الجَليليِّينَ أَكبَرَ خَطيَئةً مِن سائِرِ الجَليليِّينَ حتّى أُصيبوا بِذلك؟ أَقولُ لَكم: لا، ولكِن إِن لم تَتوبوا، تَهلِكوا بِأَجمَعِكُم مِثلَهم. وأُولئِكَ الثَّمانِيَةَ عَشَرَ الَّذينَ سَقَطَ عَليهِمِ البُرجُ في سِلْوامَ وقَتَلَهم، أَتَظُنُّونَهم أَكبرَ ذَنْبًا مِن سائِرِ أَهلِ أُورَشَليم؟ أَقولُ لكم: لا ولكِن إِن لم تَتوبوا تَهِلكوا بِأَجمَعِكُم كذلِكَ." وضَرَبَ هذا المَثَل: "كانَ لِرَجُلٍ تينَةٌ مَغروسَةٌ في كَرمِه، فجاءَ يَطلُبُ ثَمَرًا علَيها فلَم يَجِدْ. فقالَ لِلكَرَّام:"نِّي آتي مُنذُ ثَلاثِ سَنَواتٍ إِلى التِّينَةِ هذه أَطُلبُ ثَمَرًا علَيها فلا أَجِد، فَاقطَعْها! لِماذا تُعَطِّلُ الأَرض؟" فأَجابَه:"سيِّدي، دَعْها هذِه السَّنَةَ أَيضًا، حتَّى أَقلِبَ الأَرضَ مِن حَولِها وأُلْقِيَ سَمادًا. فَلُرَّبما تُثمِرُ في العامِ المُقبِل وإِلاَّ فتَقطَعُها." (لوقا 13، 1- 9)

 

للتـأمل

يضعنا القديس لوقا في إنجيل هذا الأحد أمام سؤالَين أساسيين ومثلا أعطاه الرب يسوع لتلاميذه هدفهم الأساسي ومحورهم التوبة. في السؤال الأول قال الرب يسوع:"أَتظُنُّونَ هؤلاءِ الجَليليِّينَ أَكبَرَ خَطيَئةً مِن سائِرِ الجَليليِّينَ حتّى أُصيبوا بِذلك؟" في السؤال الثاني: "وأُولئِكَ الثَّمانِيَةَ عَشَرَ الَّذينَ سَقَطَ عَليهِمِ البُرجُ في سِلْوامَ وقَتَلَهم، أَتَظُنُّونَهم أَكبرَ ذَنْبًا مِن سائِرِ أَهلِ أُورَشَليم؟"، أما التينة فستقطع لأنها تعطل الأرض ولا تعطي ثمرًا.

نجد فرقًا كبيرًا في تعليم يسوع بين السؤالين الأولين والمثل الذي أعطاه. ففي المقطع الأول قام يسوع بردّة فعل حادة أمام سؤاله عن الجليليين، فجاء جوابه: "أَقولُ لَكم: لا، ولكِن إِن لم تَتوبوا، تَهلِكوا بِأَجمَعِكُم مِثلَهم". لا نستطيع أن نضع أي إنسان في خانة الموت والهلاك ونحكم عليه، ولا أن ننسب للرب حكم الموت هذا.

يدعونا إنجيل اليوم إلى التوبة وعدم الحكم على الآخرين. فيسوع خلال حياته الأرضيّة وتعاليمه لم يحكم أبدًا على أي إنسان ولم يعاقب أي إنسان بل ساعد الإنسان على اكتشاف ملكوت الله من خلال الرحمة والمسامحة حتى الصليب إذ قال:"اغفر لهم يا أبتاه لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون." فالخطيئة تعمي أعيننا وقلوبنا، فننقاد خلف ملذّاتنا وننجرف إلى الموت، مختبئين وراء عادات وتقاليد كأعذارٍ نقنع من خلالها الرب فيقول لنا: "أريد رحمةً لا ذبيحة."

يساعدنا إنجيل اليوم للتأمل في تعليم الكنيسة حول سرّ التوبة والمصالحة. فيسوع وبعد قيامته من بين الأموات أرسل رسله إلى العالم كلّه لينادوا باسمه بمغفرة الخطايا (لو 24، 47) والمصالحة إذ: "كلّ شيء هو من الله الذي صالحنا مع نفسه بالمسيح، وأعطانا خدمة المصالحة." (2 قور 5، 18). إن هذه الخدمة قد أوكلها يسوع لرسله وخلفائهم ليس من أجل إعلان رحمة الآب فقط بل لمنح مغفرة الخطايا بواسطة المعموديّة أولا وسرّ التوبة فيما بعد. وحدها الكنيسة لها الحق، من خلال خلفاء الرسل أي الأساقفة والكهنة مساعديهم، بحل وربط الخطايا. إنه السرّ الذي أوكله الرب مباشرة لهم من خلال شخص بطرس والرسل بعد القيامة عندما قال له:"أنت الصخرة وعلى هذه الصخرة سأبني كنيستي ولك أعطي مفاتيح ملكوت السماوات فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطا في السماء وكل ما تحلّه على الأرض يكون محلولا في السماوات". يقول القديس يوحنا الذهبيّ الفن: "في هذه الخدمة أعطى الرب الكهنة سلطانًا لم يعطه حتى للملائكة ورؤساء الملائكة". ويقول القديس أغوسطينوس:"لو لم يكن في الكنيسة مغفرة الخطايا، لما كان الرجاء ولم يكن الأمل بالحياة الأبدية والحريّة الأزليّة. فلنشكر الرب الذي أعطى كنيسته هذه الموهبة."

نحن مدعوون في زمن الصوم هذا، زمن التوبة الصادقة والندامة، لتجديد حياتنا وتغيير جذريّ يقودنا إلى الاستسلام المطلق لرحمة الله التي تتجلى من خلال رحمتنا لأخينا الإنسان.

قال قداسة البابا بندكتس السادس عشر في آخر إطلالة له في التبشير الملائكي:"يدعوني الرب إلى صعود الجبل من أجل الصلاة والصمت والتأمل" وكم نحن بحاجة لصعود هذا الجبل من أجل الصلاة والصمت وقراءة مشيئة الرب في حياتنا. كم نحن بحاجة لما يقوله القديس يوحنا فم الذهب:"خروج إلى بستان الزيتون لنلقى أيدي الفقراء فهي جبل زيتوننا... من هناك يسيل شيئًا فشيئًا، هذا الزيت الضروري لنا عند الموت، هذا الزيت الذي حفظته العذارى الخمس الحكيمات." والذي يرمز إلى التوبة ورحمة الله لنا. فلنتزوّد بهذا الزيت ونمضِ أمام عروسنا بمصابيحنا وحاجتنا لنتحد به وهو بنا:"فنصبح جسده وأعضاؤه" (1قور 21، 27) ونتّحد ببعضنا البعض:"فنحن على كثرتنا واحد لأننا نشترك بالخبز الواحد" (1قور 10، 17).








All the contents on this site are copyrighted ©.