2013-02-23 13:02:40

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


وبَعدَ هذا الكَلامِ بِنَحوِ ثَمانِيَةِ أَيَّام، مَضى بِبُطرسَ ويوحنَّا ويعقوبَ وصعِدَ الجَبَلَ  لِيُصَلِّي. وبَينَما هو يُصَلِّي، تَبَدَّلَ مَنظَرُ وَجهه، وصارَت ثِيابه بِيضاً تَتَلألأُ كَالبَرْق. وإِذا رَجُلانِ يُكَلِّمانِه، وهُما مُوسى وإِيلِيَّا، قد تَراءَيا في المَجد، وأَخَذا يَتَكلَّمانِ على رَحيلِه الَّذي سَيتِمُّ في أُورَشَليم. وكان بُطرُسُ واللَّذانِ معَه قد أَثقَلَهُمُ النُّعاس. ولكِنَّهُمُ استَيقَظوا فَعايَنوا مَجدَه والرَّجُلَينِ القائميَنِ مَعَه، حتَّى إِذا هَمَّا بِالانصِرافِ عَنه قالَ بُطرُسُ لِيَسوع:" يا مُعَلِّم حَسَنٌ أَن نَكونَ ههُنا. فلَو نَصَبنا ثَلاثَ خِيَم، واحِدَةً لَكَ وواحدةً لِموسى وواحِدةً لإِيليَّا!" ولم يَكُنْ يَدري ما يَقول. وبَينَما هو يَتَكَلَّم، ظهَرَ غَمامٌ ظَلَّلهُم، فلمَّا دَخَلوا في الغَمام خافَ التَّلاميذ. وانطَلَقَ صَوتٌ مِن الغَمامِ يَقول:"هذا هوَ ابنِيَ الَّذي اختَرتُه، فلَه اسمَعوا." وبَينما الصَّوتُ يَنطَلِق، بَقِيَ يَسوعُ وَحدَهُ، فالتَزَموا الصَّمْتَ ولم يُخبِروا أَحداً في تِلكَ الأَيَّامِ بِشَيءٍ ممَّا رأوا.

 

للتـأمل

تدعونا الكنيسة في الأحد الثاني من زمن الصوم للبحث عن وجه الرب في حياتنا المسيحيّة. "وجهك يا رب ألتمس" هي مناجاة صلاها الأقدمون وكُتبت في سفر المزامير، وتساعدنا اليوم على التأمل الحقيقي في وجه الرب في أيقونته التي خطّتها كلماته في أسفار الأناجيل، على صفحات قلوبنا وعلى أسطر حياتنا وتجلّت على وجوهنا شهادة للعالم أنه إله حق وإنسان حقّ.

يدعونا إنجيل اليوم لاستخراج ثلاث صفات من حدث التجلّي، فكلمة الله لا تضعنا أمام صورة واحدة لوجهه، بل ثلاثة وذلك للتأكيد: "أنه هو الذي نبحث عنه، إنه سرّ الذي نحبه ولن نجده إلا من خلال مسيرة حياتنا".

الصورة الأولى هي صورة يسوع المتألم، المصلوب والمائت: في صليبه وموته وآلامه وحده الحب يتألق ويشع على وجهه الذي يرشح دماً وماءً من أجلنا نحن الخطأة. ذهب إلى أقصى حدود الحب ليفتدينا. فهذا الوجه لم يُطبع فقط على منديل القديسة فيرونيكا إنما في قلوبنا أيضا ليكون لنا عضدا في كلّ ألم وشدّة.

الصورة الثانية هي التي رآها بطرس ويعقوب ويوحنا على الجبل: أصعدهم معه ليصلّي، أخرجهم من واقع حياتهم اليوميّة وأخذهم إلى قمة الجبل ليختلوا بذواتهم وبالله بالصمت والصلاة: "وبَينَما هو يُصَلِّي، تَبَدَّلَ مَنظَرُ وَجهه، وصارَت ثِيابه بِيضاً تَتَلألأُ كَالبَرْق". رأى التلاميذ وجه يسوع متجلّياً بالصلاة. لم يكونوا مستعدّين لهذا الحدث كما يخبرنا الإنجيلي: " كان بُطرُسُ واللَّذانِ معَه قد أَثقَلَهُمُ النُّعاس. ولكِنَّهُمُ استَيقَظوا فَعايَنوا مَجدَه."

كم من المرات تُثقلنا المتاعب، وفي طريقنا نحو "الجبل" يغلبنا النعاس. مسيرتنا في سنة الإيمان تختلف من شخص على آخر، منا من هم حديثو الإيمان، ومنا من خبرتهم قديمة. نتساءل: كم من الأوقات نعسنا في إيماننا وغفونا في ثبات عميق فيوقظنا نور المسيح وإشعاعه ويدعونا لنسهر ونتجدد فيظهر مجده من خلالنا ويتجلّى للعالم أنه المحبة ومصدرها، أنه البداية والنهاية، أنه نور العالم ومن يتبعه لا يمشي في الظلام.

أما الصورة الثالثة فهي وجه يسوع الممجّد القائم من الموت: بالتجلّي انبهر العهدان بنور وجه المسيح: العهد القديم بشخصي موسى وإيليا والعهد الجديد بأشخاص يعقوب، بطرس ويوحنا، وما كان هذا النور إلا بداية لتتويجهما، يوم انتصر الرب على الألم والصليب والموت بقيامته، فكان النور الحقيقي الذي أشعّ من القلب الفارغ. ومع القائم من الموت تحطم الإنسان القديم، إنسان الخطيئة الأصليّة، واستنار الإنسان الجديد إنسان الخلاص، والغمامة التي ظلّلتهما على الجبل، أصبحت مصدر وأساس وحياة إنسان ولا تنال اليوم تظلّل قلوبنا وحياتنا. إنها الرب الحاضر فينا والذي يقول: "ليشرق من الظلمة نور! هو الذي أشرق في قلوبنا، لنستنير فنعرف مجد الله المتجلّي في وجه المسيح" (2 قور 4، 6).

"وانطَلَقَ صَوتٌ مِن الغَمامِ يَقول:"هذا هوَ ابنِيَ الَّذي اختَرتُه، فلَه اسمَعوا." في زمن الصوم نحن مدعوون لنصمت ونصغي إلى كلمة الله التي أظهرها وجه يسوع في حياتنا، مدعوون لنسلّم ذواتنا بكليتها للرب ليتجلّى من خلالنا ويتجلّى وجهه المحمّل بآلامنا: "إنه، كما تقول القديسة تريزيا الطفل يسوع، وجه الابن الوحيد المتجلي على الجبل، وجه الرب الحي المعبود". (بقلم الأب جوني تنوري)








All the contents on this site are copyrighted ©.