2013-02-16 12:44:54

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


ورَجَعَ يسوعُ مِنَ الأُردُنّ، وهو مُمتَلِئٌ مِنَ الرُّوحِ القُدُس، فكانَ يَقودُه الرُّوحُ في البرِّيَّةِ أَربَعينَ يومًا، وإِبليسُ يُجَرِّبُه، ولَم يأكُلْ شَيئًا في تِلكَ الأَيَّام. فلَمَّا انقَضَت أَحَسَّ بِالجوع. فقالَ له إِبليس: "إِن كُنتَ ابنَ الله، فَمُر هذا الحَجَرَ أَن يَصيرَ رَغيفًا." فأَجابَه يسوع:"مَكتوبٌ: لَيَس بِالخُبزِ وَحدَه يَحيا الإِنسان." فصَعِدَ بِهِ إِبليس، وأَراهُ جَميعَ مَمالِكِ الأَرضِ في لَحظَةٍ مِنَ الزَّمَن، وقالَ له:"أُوليكَ هذا السُّلطانَ كُلَّه ومَجدَ هذهِ الـمَمالِك، لأَنَّه سُلِّمَ إِليَّ وأَنا أُولِيه مَن أَشاء. فَإِن سَجَدتَ لي، يَعودُ إِلَيكَ ذلكَ كُلُّه." فَأَجابَه يسوع: "مَكتوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسجُد، وإِيَّاه وَحدَه تَعبُد." فمَضى بِه إِلى أُورَشَليم، وأَقامَه على شُرفَةِ الـهَيكلِ وقالَ له: "إِن كُنتَ ابنَ الله، فأَلْقِ بِنَفْسِكَ مِن ههُنا إِلى الأَسفَل، لأَنَّهُ مَكتوبٌ: يُوصي مَلائِكَتَه بِكَ لِيَحفَظوكَ"، ومكتوبٌ أَيضًا:"على أَيديهِم يَحمِلونَكَ لِئَلاَّ تَصدِمَ بِحَجَرِ رِجلَكَ." فأَجابَه يسوع:"لقَد قيل: لا تُجَرِّبَنَّ الرَّبَّ إِلـهَكَ." فلَمَّا أَنْهى إِبليسُ جمَيعَ مَا عِندَه مِن تَجرِبَة، اِنصَرَفَ عَنه إِلى أَن يَحينَ الوَقْت. (لوقا 4، 1- 13)

 

للتـأمل

في الأحد الأول من زمن الصوم الأربعيني الذي يبدأ يوم أربعاء الرماد من كل سنة، وفي سنة الإيمان تدعونا الكنيسة لقراءة كلمة الله في ضوء الإيمان الذي يساعدنا على القيام بهذه الرحلة الداخلية والعبور عبر رياح التجارب للوصول إلى برّ الأمان أي القيامة مع المسيح.

في سنة الإيمان هذه نحن مدعوون لعيش هذه الفضيلة في حياتنا اليومية والاعتراف بجوهرها قائلين مع الرسول: "فإن اعترفت بفمك أن يسوع هو الرب، وآمنت بقلبك أن الله أقامه من بين الأموات، تخلُص." إن هذا الاعتراف بالرب هو السبيل نحو الحب (الله محبة عدد 17). من هنا يتوجب علينا جميعاً أن نؤمن ونعترف ونلتقي بالله في المسيح الذي يحرك فينا المحبة ويفتح حياتنا على بعضنا البعض، فلا تعود المحبة فرض وإنما نتيجة نابعة من القلب ومن إيماننا بالمحبة: "لأن محبة المسيح تأسرنا، لأننا أدركنا هذا، وهو أن واحداً مات عن الجميع... لكي لا يحيا الأحياء من بعدُ لأنفسهم، بل للذي مات عنهم وقام من أجلهم" (2 قور 5، 14- 15).

في رحلة الصوم نحن بحاجة إلى هذا الإيمان. نحن بحاجة إلى مساعدة الروح القدس الذي قاد يسوع إلى البرية ليصوم ويصلّي وساعده على الانتصار على كل أنواع التجارب. جرّب إبليس يسوع حين قال له: "إذا كنت ابن الله قل لهذا الحجر يصير رغيفاً! أسجد لي! ألقِ بنفسك! ويجربنا نحن أيضا بالطريقة نفسها قائلاً: "إذا كنت إنساناً حرّاً، اصنع كل ما يحلو لك، حينئذ يمكنك أن تعبر عن حريّتك المزيفة". إنها أخطر التجارب التي تبعدنا عن حب الله وتجعلنا ننكر وجوده في حياتنا.

في إنجيل اليوم، نرى كيف أنه أمام التجارب يُظهر لنا يسوع حقيقةً أنه ابن الله متسلحا بالروح القدس والصوم والصلاة، حاملا صليبه متألما لأجلنا، فجاءه جواب الآب: "القيامة والغلبة على التجارب والخطيئة".

تهدف التجارب في حياتنا اليوميّة إلى قطع علاقاتنا مع الله والآخرين وبالتالي إلى استعبادنا، لكن يسوع يظهر لنا أنه باتحادنا العميق به نتغلب على التجارب ونتحرر من جميع القيود التي تكبلنا، ويبدو ذلك واضحا في جواب يسوع لإبليس: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان!... للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد!... لا تجرّب الرب إلهك!

كلمات يسوع هذه هي دعوة لكل منا ليتسلّح بالرب وخاصة بخبز الحياة، "الافخارستيا" عربون فداء وخلاص وحياة لكل إنسان: "من يأكل جسدي لا يرَ الموت أبداً".

إخوتي وأخواتي،

الحياة البشريّة لا تخلو من التجربة، نقرأ في سفر أيوب: "إنها خدمة عسكريّة" مليئة بالمصاعب والآلام لكن مع المسيح نغلب وننتصر. فالسر المسيحيّ هو الصمود أمام التجربة والتغلب عليها، والثقة بقلب الله الذي قدّم ذاته من أجلنا، لذلك ينبغي ألا نيأس بل أن نتضرّع إلى الله بحرارة ليساعدنا في وقت التجارب والمحن، لأنه حقاً على حد قول الرسول بولس: "يجعل مع كل تجربة مخرجاً، لنستطيع احتمالها". (1 قور 10، 13) "لنتواضع إذا تحت يد الله القادرة" (1 بط 5، 6) في كل تجربة ومحنة لأنه "يخلّص منسحقي القلوب ويرفعهم" (مز 34، 19).

 

بقلم الأب جوني تنوري








All the contents on this site are copyrighted ©.