2012-12-29 15:58:36

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


وكانَ أَبَوا يسوعَ يَذهَبانِ كُلَّ سَنَةٍ إِلى أُورَشَليمَ في عيدِ الفِصْح. فلَمَّا بَلَغَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَة، صَعِدوا إِلَيها جَرْيًا على السُّنَّةِ في العيد. فَلَمَّا انقَضَت أَيَّامُ العيدِ ورَجَعا، بَقيَ الصَّبيُّ يسوعُ في أُورَشَليم، مِن غَيِر أَن يَعلَمَ أَبَواه. وكانا يَظُنَّانِ أَنَّه في القافِلة، فَسارا مَسيرَةَ يَومٍ، ثُمَّ أَخذا يَبحَثانِ عَنهُ عِندَ الأَقارِبِ والـمَعارِف. فلَمَّا لَم يَجداه، رَجَعا إِلى أُورَشَليمَ يَبحَثانِ عنه. فَوجداهُ بَعدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ في الـهَيكَل، جالِسًا بَينَ العُلَماء، يَستَمِعُ إِلَيهم ويسأَلُهم. وكانَ جَميعُ سَامِعيهِ مُعجَبينَ أَشَدَّ الإِعجابِ بِذَكائِه وجَواباتِه. فلَمَّا أَبصَراه دَهِشا، فقالَت لَه أُمُّه: "يا بُنَيَّ، لِمَ صَنَعتَ بِنا ذلك؟ فأَنا وأَبوكَ نَبحَثُ عَنكَ مُتَلَهِّفَيْن." فقالَ لَهُما: "ولِمَ  َبحثتُما عَنِّي؟ أَلم تَعلَما أَنَّه يَجِبُ عَليَّ أَن أَكونَ عِندَ أَبي؟" فلَم يَفهَما ما قالَ لَهما. ثُمَّ نَزلَ مَعَهما، وعادَ إِلى النَّاصِرَة، وكانَ طائِعًا لَهُما، وكانَت أُمُّه تَحفُظُ تِلكَ الأُمورَ كُلَّها في قَلبِها. وكانَ يسوعُ يَتسامى في الحِكمَةِ والقامَةِ والحُظْوَةِ عِندَ اللهِ والنَّاس. (لوقا 2، 41 – 52)

 

للتـأمـل

على أطلال سنةٍ تلفظ لحظاتِها الأخيرة، وعند مشارف سنة جديدة، سنة تخطو بتاريخنا البشريّ خطوةً إلى الأمام، تحمل قلقنا ومخاوفَنا، تمنيّاتِنا وانتظاراتِ نفوسنا، تضع الكنيسة بين أيدينا هذا النصّ الإنجيليّ من لوقا، في عيد العائلة المقدسة، إلهٌ فتيّ، يكاد شبابه ينسينا حقيقة كونه قديم الأيّام وسابق كلّ دهر، إله وإنسان يرافق يوسف ومريم في رحلة حجّ نحو بيت الآب. إله جاء يرسم بنفسه قدوة وطريقة حياة لكلّ واحد منّا. في زمن تتفكّك فيه العائلة وتفقد مجتمعاتنا القيم الإلهيّة، حاصرة وجودها في بعد ماديّ وفي فلسفة اقتناص اللّحظة العابرة، تتجلّى عائلة الناصرة كمثال لكلّ عائلة مسيحيّة.

هي مثال للالتزام بوصايا الرّب. يوسف ومريم صعدا كعادتهما كلّ سنة إلى الهيكل، لم يخافا مسافة الطريق ولا الأخطار المحدقة، أخذا الطفلَ الإلهي، الكلمة المتجسّد الموكل لعنايتهما، واصعداه إلى بيت الرّب. في هذا الفعل يعطينا لوقا صورة العائلة المؤمنة، تضع إرادة الرّب فوق كلّ اعتبار.

يوسف ومريم مثال للتخلّي الوالديّ. يسوع عطيّة الله لمريم إنّما هو أيضاً عطيّة الله للبشريّة. لقد اختبر يوسف ومريم معاً معنى الأبوّة الحقيقيّة، الّذي يتخطّىّ مفهوم التملّك. يسوع كان أمانة أوكلت إليهما ولم يكن ملكاً خاصّاً، كذلك الأبناء أيضاً، هم عطيّة من الله توكل للوالدين ليحافظا عليه فينمو الطفل كائناً حرّاً، ناضجاً، فرداً بناءّاً في المجتمع.

يوسف ومريم مثال للشجاعة الوالديّة: كم هم بحاجة لشجاعة مريم آباء اليوم وأمّهاته، كم هم بحاجة لقوّة الرجاء يضيء لهم الطريق عندما يخشون على أبنائهم من ظلام المرض والموت والضياع، كم هم بحاجة إلى قوّة يوسف ورجاء مريم، يفتّشان دون تعب، يبحثان دوماً عن الشريد حتّى يجداه. مريم ويوسف وجدا وحيد الآب في بيت الآب، لأنّهما قاداه بنفسهما إلى بيت الآب، فأين يقود الأهلُ أولادَهم اليوم، لأنّهما سوف يجدان ابنهما حيث قاداه بمثلهما.

 مريم ويوسف مثال في تربية الطفل المتكاملة ليبلغ النضج من كافة نواحي إنسانيّته. لقد كان يسوع خاضعاً لوالديه ينمو بالقامة والحكمة والنعمة أمام الله والناس، أي ينمو بكافّة أبعاد بشريّته، بالقامة جسديّاً، وبالحكمة عقليّاً وبالنعمة روحيّاً. واجب الوالدين أن يقدّما لأبنائهم ما هو ضروريّ لبنائهم البشريّ المتكامل.

عائلة الناصرّة تعلّمنا أنّ الله يحلّ في بساطة حياتنا اليوميّة، فالله الّذي حلّ في عائلة الناصرة يريد أن يسكن في عائلاتنا. سرّ الإيمان المسيحيّ يكمن في قبول فكرة أن الله قد حلّ في يوميّات عائلة فقيرة، عاديّة، إنّما في عائلة منفتحة على إرادة الله. لقد حلّ الله في التعب اليوميّ الّذي كان يحياه يوسف النجّار، وفي حياة امرأة كرّست حياتها لتربية طفل. لقد حلّ الله في بساطة حياة هذه العائلة فأعطاها معنى لوجودها أسمى وأعظم. إن العائلة المسيحيّة مدعوّة لأن تقبل الله في كلّ لحظة في داخلها، من خلال الالتزام بمنطق المحبّة والتضحية والغفران واحترام قيمة الحياة والسلام.

صلاتنا اليوم نرفعها إلى الرّب من أجل العائلة، لتكون دوماً صورةً لعائلة الناصرة المقدّسة، مدرسة للصلاة وللالتزام بوصايا الله والتفتيش عن إرادته دوماً. بشفاعة مريم أم يسوع وأم العائلة نرفع الصلاة إلى الله ليعطي عائلاتنا قوّة الشهادة لإنجيل يسوع في حياتها اليوميّة، رغم التعب والخوف ومشاكل الحياة ومصاعبها.) نقلاً عن موقع Lexamoris )








All the contents on this site are copyrighted ©.