2012-12-02 10:05:48

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


"وسَتَظهَرُ عَلاماتٌ في الشَّمسِ والقمَرِ والنُّجوم، ويَنالُ الأُمَمَ كَرْبٌ في الأَرض وقَلَقٌ مِن عَجيجِ البَحرِ وجَيَشانِه، وتَزهَقُ نُفوسُ النَّاسِ مِنَ الخَوف ومِن تَوَقَّعِ ما يَنزِلُ بِالعالَم، لأنَّ أَجرامَ السَّماءِ تَتَزَعزَع، وحينَئذٍ يَرى النَّاسُ ابنَ الإِنسانِ آتِيًا في الغَمام في تَمامِ العِزَّةِ والجَلال. وإِذا أَخذَت تَحدُثُ هذِه الأُمور، فانتَصِبوا قائمين وَارفَعوا رُؤُوسَكُم لأنَّ اِفتِداءَكم يَقتَرِب. فاحذَروا أَن يُثقِلَ قُلوبَكُمُ السُّكْرُ والقُصوفُُ وهُمومُ الحَياةِ الدُّنيا، فَيُباغِتَكم ذلِكَ اليَومُ كأَنَّه الشبك، لأنه يُطبِقُ على جَميعِ مَن يَسْكُنونَ وَجهَ الأَرضِ كُلِّها. فاسهَروا مُواظِبينَ على الصَّلاة، لكي تكونوا أَهْلاً لِلنَّجاةِ مِن جَميعِ هذه الأُمورِ التي ستَحدُث، ولِلثَّباتِ لَدى ابنِ الإِنْسان". (لوقا 21، 25- 28. 34- 36)

 

للتـأمل

في هذا الأحد من جديد، تُكّلمنا قراءات اليوم على نهاية الأزمنة. هل كان يسوع مُخطئًا أم إنّ هذا الزمن قد أتى ولا يزال يأتي، ونحن عُميان وجاهلون نبحث دومًا في مستقبلٍ بعيدٍ عمّا يجب أن نعيشه في اليوم الحاضر؟ يبدو أنّ قراءات هذا الأحد تطلب من كلٍّ منّا أن يعيش أوّلاً زمن الشِدّة على أنّه زمن خلاص؛ ثم أن لا نصُمَّ آذاننا لصوت الله، ولا نكون عُميانًا لعلامات حضوره. وأخيراً، أن نعيش اللحظة الحاضرة بإخلاص، لأن ملكوت الله حاضرُ بيننا.

ينتاب الإنسان إحباطٌ أمام واقع الحياة المليء بالشدائد، من العواصف الّتي تجتاح كلّ شيء. لكن بدلاً من أن نُغرق أنفسنا في هذه الحقائق المُخيفة، يقول لنا الإنجيل باستمرارٍ أنّ هذه الكوارث هي آلام المخاض الّتي تهيئ مجيء ابن الإنسان في مجده. من الواضح، - أنه حتى ولو كان ذلك هو موقف إيمان، - يجب أن لا نفقد الأمل وأن نعمل كلّ ما في وسعنا، لكي نُغيّر هذه الآلام إلى آلام مخاض، والدمار إلى بناءٍ لعالمٍ أكثر عدالةٍ، والتهجير إلى وسيلةٍ لتجمُّعٍ جديد. إنّ أفضل طريقةٍ لانتظار عودة الربّ، هي أن نُساعد في بناء مجتمعٍ جديدٍ وأن نكون فاعلي سلام. إذا كُنتم تعرفون قراءة علامات الأزمنة، فلماذا أنتم عميان لا ترون علامات حضور الله التي يُعطينا إياها كلَّ يوم؟ لماذا أنتم صُمُّ لا تسمعون صوت الله الّذي يكلّمنا دون انقطاع في موسيقى الكون؟ صحيحٌ أنّ الإنسان يُصبح أكثر فأكثر ذكاءً، لكنّه يفقد في الوقت نفسه ذكاء الفلاح.

يقول باستور: "القليل من العِلم يُبعد عن الله، والكثير من العِلم يُعيدنا إليه". علينا أن نعرف كيف ننظر إلى السماء دون أن نتعثّر في مسيرنا. علينا أن نعرف كيف ننتظر العالم الآتي، ونبني في الوقت ذاته العالم الّذي نعيش فيه. علينا أن نعرف كيف ننتظر مجيء ابن الإنسان، وأن نكون مُلتزمين في آنٍ معًا. علينا أن نكون علامات لمجيء الله، الحاضر فعلاً بيننا، لكن ليس بعد في ملئه.

فلا ندعنّ المصائب تشلُّ حركتنا، ولا يُثبّط معنوياتنا تأخُّر مجيئه؛ لكن بالعكس، لنجعل من ذلك ما يُساعدنا على الالتزام باليوم الحاضر. على إيماننا بعودة المعلّم أن لا يجعل منّا عَمَلة كسالى يتركون عملهم بانتظار ما سيأتي، ولا عَمَلةً يُغرقون أنفسهم بأعمالٍ تافهة وينسون الانتظار.

علينا أن نكون عَمَلةً مُخلصين عارفين كيف يعملون، يُلهمهم انتظار مجيء المُعلّم ويعرفون كيف ينتظرون.  فاسهَروا مُواظِبينَ على الصَّلاة، لكي تكونوا أَهْلاً لِلنَّجاةِ مِن جَميعِ هذه الأُمورِ التي ستَحدُث، ولِلثَّباتِ لَدى ابنِ الإِنْسان". لا يطلب منّا الإنجيل أن نتحسّر على الماضي، ولا أن نخاف من المستقبل، لكن أن نلتقي الله في اللحظة الحاضرة، وأن نكون متيَّقظين لحضوره، هنا والآن. (بقلم الأب هانس بوتمان اليسوعي)








All the contents on this site are copyrighted ©.