2012-11-04 09:29:35

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


في ذلِك الزمان دَنا إِلى يسوعَ أَحدُ الكَتَبَة، فسأله:"ما الوَصِيَّةُ الأُولى في الوَصايا كُلِّها؟". فأَجابَ يسوع:"الوَصِيَّةُ الأُولى هيَ: اسمَع، يا إِسرائيل: إِنَّ الرَّبَّ إِلهَنا هو الرَّبُّ الأَحَدُ، فأَحبِبِ الرَّبَّ إِلهَكَ، بِكُلِّ قلبِكَ وكُلِّ نَفْسِكَ وكُلِّ ذِهِنكَ وكُلِّ قُوَّتِكَ. والثَّانِيَةُ هي: أَحبِبْ قريبَكَ حُبَّكَ لِنَفْسِكَ؛ ولا وَصِيَّةَ أُخرى أَكبرُ مِن هاتَيْن. فقالَ له الكاتب:"أَحسَنتَ، يا مُعَلِّمُ، لقد أَصَبْتَ إِذ قُلتَ: إِنَّه الأَحَد ولَيسَ مِن دونِه آخَر؛ وأَن يُحِبَّهُ الإِنسانُ يِكُلِّ قلبِهِ وكُلِّ ذِهنِهِ وكُلِّ قُوَّتِه، وأَن يُحِبَّ قَريبَه حُبَّه لِنَفْسِه، أَفضَلُ مِن كُلِّ مُحرَقَةٍ وذبيحَة". فلمَّا رأَى يسوعُ أَنَّه أَجابَ بِفَطَنة قالَ له:"لَستَ بَعيدًا مِن مَلَكوتِ الله". ولَم يَجرُؤْ أَحَدٌ بعدَئذٍ أَن يَسأَلَه عن شَيء. (مرقس 12، 28 – 34)

 

للتـأمل

يتحدث القديس بولس عن التدبير الإلهي العظيم قائلاً: "هكذا كان (الله) قد اختارنا فيه (المسيح) قبل تأسيس العالم، لنكون قديسين بلا لوم أمامه. إذ سبق فعيننا في المحبة". و يقول القديس أغوسطينوس: "أحبب وافعل ما تشاء". ويشرح هذا التعبير قائلا: "إن سكتت، فاسكت بدافع المحبة؛ إن تكلمت، تكلم بدافع المحبة؛ إن أصلحت، أصلح بدافع المحبة؛ إن غفرت، اغفر بدافع المحبة؛ ولتكن فيك جذور المحبة لأن لا شيء يصدر عن هذه الجذور إلا الخير". فللمحبة ثمار تماما كما أن للروح القدس ثمار. وثمار المحبة هي العطف والرحمة، الحنان والرأفة، الإخلاص والوداعة، التسامح والغفران، الشفقة والتواضع وغيرها... ومن يسمح للمحبة بإرشاده، من يعش المحبة بالكامل، يرشده الله لأن الله محبة.

من هنا كانت وصية الرب يسوع الأولى عندما تقدم إليه أحد الكتبة فسأله: "أية وصية هي أولى الوصايا جميعا ؟ فأجابه يسوع :اسمع يا بني إسرائيل... أولى الوصايا جميعا هي أن الرب إلهنا رب واحد، فأحبب الرب إلهك بكل قلبك وبكل نفسك، وبكل فكرك، وبكل قوتك، هذه هي الوصية الأولى، وهناك ثانية مثلها هي أن تحب قريبك كنفسك فما من وصية أعظم من هاتين ...

حقا فما من وصية أعظم من هاتين لأنّ فيهما تكمن كل الوصايا وكل الشرائع، فبمحبتنا العميقة لله نجعل قلوبنا مسكنا لروحه القدوس وبالتالي تهطل علينا كل النعم السماوية والزمنية لأن الله لا يبخل أن يغدق بنعمه على من يحبه.

عندما نحب الله بكل قلبنا وفكرنا وقوتنا فإن هذا الحب لا يمكن إلا ن يظهر في كل شئ... في عطفنا ومساعدتنا للمحتاج، في تسامحنا مع من أساء إلينا، في أمانتنا وإخلاصنا في عدلنا وحتى في مظهرنا الخارجي.

إن ما نعانيه اليوم في هذا العالم من مشاكل وخلافات ومجاعات وحتى حروب إنما سببها الأصلي هو نقص في المحبة... لقد أصبحت الأنانية هي المحرك الأساسي لتصرفاتنا. وعندما تختفي المحبة تختفي معها كل مظاهر الإنسانية... للأسف لم يعد الإنسان يحب أخاه الإنسان أو حتى يتقبله إذا كان مختلفا عنه، فمن يدعي انه يحب الله ولا يحب أخاه إنما هو كاذب لأنه وكما قال القديس يوحنا:"كيف يمكنك أن تحب الله الذي لا تراه إذا كنت لا تحب أخاك الذي تراه"...

المحبة هي جوهر الله لأن "الله محبة. ومن يثبت في المحبة، فإنه يثبت في الله، والله يثبت فيه" (1 يو 4، 16). المحبة هي الهبة الأولى التي تجعلنا نسلك في طريق القداسة، وهي ليست جهدًا بشريًا بل هبة من الله يفيضها الله بروحه القدوس فينا. وعليه إن المحبة التي تجعلنا نحب الله فوق كل شيء والقريب محبةً به هي الهبة الأولى والأكثر ضرورة.

ولكن، لكي تنمو المحبة كبذرة جيدة في الروح وتثمر، ينبغي علينا أن ننفتح على كلمة الله، ونتمم مشيئته بمعونة نعمته، ونشارك في الأسرار، بخاصة في سر الافخارستيا، وفي الأعمال المقدسة، وننكب بمثابرة على الصلاة، على إنكار الذات، على الخدمة الفعالة لإخوته وعلى ممارسة جميع الفضائل.

لنرجع إلى كلمة الله لان الرب يسوع أرشدنا ودلنا على الطريق لأنه هو الطريق والحق والحياة فلنحب الرب إلهنا بكل ما نملك من قوة ومن كل كياننا وقلبنا إلهنا الذي أحبنا حبا يفوق كل وصف وهو من أحبنا أولا.

فلنسر حسب ما أوصانا به الرب ونحب أبناءه أيضا لأنهم إخوة لنا بما أن الرب إلهنا هو أبونا السماوي فلنحب بعضنا بعضا لان الحب يصنع المعجزات.








All the contents on this site are copyrighted ©.