2012-11-02 09:07:35

تذكار جميع الموتى المؤمنين – الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


في ذلك الزّمان وقبل أَنّ ينتقل يسوع من هذا العالم إلى أَبيهِ، قالَ لتَلاميذِه:"لا تَضْطَرِبْ قُلوبُكم. تُؤمِنونَ بِاللهِ فآمِنوا بي أَيضًا. في بَيتِ أَبي مَنازِلُ كثيرة ولَو لم تَكُنْ، أَتُراني قُلتُ لَكم إِنِّي ذاهِبٌ لأُعِدَّ لَكُم مُقامًا؟ وإِذا ذَهَبتُ وأَعددتُ لَكُم مُقامًا أَرجعُ فآخُذُكم إِلَيَّ لِتَكونوا أَنتُم أَيضًا حَيثُ أَنا أَكون. أَنتُم تَعرِفونَ الطَّريقَ إِلى حَيثُ أَنا ذاهِب". قالَ له توما:"يا ربّ، إِنَّنا لا نَعرِفُ إِلى أَينَ تَذهَب، فكَيفَ نَعرِفُ الطَّريق؟" قالَ له يسوع:"أَنا الطَّريقُ والحَقُّ والحَياة. لا يَمْضي أَحَدٌ إِلى الآبِ إِلاَّ بي". (يوحنا 14، 1- 6)

 

للتـأمل

بعد أن احتفلنا بعيد جميع القدّيسين، تدعونا الكنيسة اليوم لإحياء تذكار جميع الموتى المؤمنين، وتحويل أعيننا إلى الوجوه الكثيرة التي سبقتنا والتي أتمّت رحلتها الدنيويّة.

نحن نذهب في هذه الأيّام إلى المقبرة للصلاة من أجل أحبّائنا الذين تركونا، ما يشبه الذهاب لزيارتهم للتعبير لهم، مرّةً أخرى، عن حبّنا، وللشعور بأنّهم قريبون منّا، مستذكرين أيضًا، في هذا السبيل، نقطةً من قانون الإيمان. ففي شراكة القدّيسين هناك ارتباطٌ وثيق بيننا نحن السائرين على هذه الأرض وبين الكثيرين من إخواننا وأخواتنا الذين بلغوا دار الأبديّة.

وعلى الرغم من أنّ الموت غالبًا ما يمثّل موضوعًا محظورًا تقريبًا في مجتمعنا، ورغم أنّ هناك جهدًا متواصلا لإزالة التفكير في الموت من عقولنا، إلا أنّه يطال كلَّ فردٍ منّا، ويطال إنسان كلِّ زمان وكلّ مكان. أمام هذا السرّ يبحث كلٌّ منّا، بشكلٍ لاشعوريّ، عن أمرٍ يدعونا إلى الأمل، عن علامة تعزّينا وتفتح أمامنا أفقًا جديدًا وتقدّم لنا مستقبلا جديدًا. فطريق الموت، في الواقع، ما هو إلا وسيلةٌ للأمل والسير بمسيرة تتميّز برجاء الأبديّة.

إنّ الاحتفال بعيد جميع القديسين وتذكار جميع الموتى المؤمنين يخبرنا بأنّ من يعترف بأمل كبير في الموت، هو فقط يستطيع أن يعيش حياةً من الأمل. فالإنسان يحتاج إلى الأبديّة، ويجد معناه الأعمق، فقط إذا كان هناك الله، ونحن نعرف أنّ الله قد اقترب منّا، ودخل حياتنا ويقول لنا: "أنا القيامة والحياة: من آمن بي وإن مات فسيحيا، وكلّ من يحيا ويؤمن بي لا يموت للأبد" (يوحنّا 11، 25-26).

فلنفكّر لحظةً بمشهد الجلجلة، ولنصغي مرّةً أخرى إلى الكلمات التي وجّهها يسوع من على الصليب إلى اللصّ المصلوب عن يمينه: "الحقّ أقول لك: اليوم سوف تكون معي في الفردوس" (لوقا 23، 43). فلنفكّر بالتلميذين على الطريق إلى عمواس، عندما، وبعد أن قطعا مسافةً من الطريق مع يسوع القائم من الموت، عرفاه وغادرا على الفور للإعلان عن قيامة الربّ (لوقا 24، 13-35). ويعود بوضوح إلى أذهاننا قول المعلّم: "لا تضطرب قلوبكم. أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي أيضًا. في بيت أبي منازل كثيرة ولو لم تكن، أتُراني قلت لكم أنا ذاهب لأعدّ لكم مقامًا؟" (يوحنّا 14، 1-2). لقد أظهر الله ذاته حقًّا، وأصبح في متناولنا، وهو أحبّ العالم لدرجة أنّه "بذل ابنه الوحيد، كيلا يهلك من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبديّة" (يوحنّا 3، 16). وفي أقصى محبّة الصليب، غلب الموت وقام وفتح لنا أيضًا أبواب الأبديّة. إنّ المسيح يدعمنا في ظلمة الموت الذي مرّ به هو بنفسه، وهو الراعي الصالح الذي يمكننا الاتّكال على توجيهه دون أيّ خوف، لأنّه يعرف الطريق جيّدًا، حتّى في الظلام.

كلَّ يوم أحد، عند تلاوتنا قانون الإيمان، نؤكّد على هذه الحقيقة من جديد. مرّةً أخرى، نحن مدعوّون إلى تجديد إيماننا بالحياة الأبديّة بشجاعة وقوّة، بل إلى العيش بهذا الأمل الكبير، حتّى نشهد عليه أمام العالم: وراء الحاضر لا يوجد العدم. إنّ الإيمان بالحياة الأبديّة هو ما يعطي للمسيحيّ الشجاعة في محبّة أرضنا هذه بشكلٍ أعمق والعمل على بناء مستقبل لها، حتى نمنحها الأمل الحقيقيّ الأكيد. (من تعليم البابا بندكتس السادس عشر)








All the contents on this site are copyrighted ©.