2012-10-21 15:05:10

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


ودَنا إِلَيه يَعقوبُ ويوحَنَّا ابنا زَبَدى، فقالا له:  "يا مُعَلِّم، نُريدُ أَن تَصنَعَ لَنا ما نَسأَلُكَ". فقالَ لَهما:  "ماذا تُريدانِ أَن أَصنَعَ لكما؟" قالا لهُ: "اِمنَحْنا أَن يَجلِسَ أَحَدُنا عن يَمينِك، والآخَرُ عَن شِمالِكَ في مَجدِك". فقالَ لَهما يسوع: "إِنَّكُما لا تَعلَمانِ ما تَسألان. أَتَستَطيعانِ أَن تَشرَبا الكأسَ الَّتي سأَشرَبُها، أَو تَقبَلان المَعمودِيَّةَ الَّتي سَأَقبَلُها؟" فقالا له: "نَستَطيع".  فقالَ لَهما يسوع: "إِن الكأَسَ الَّتي أَشرَبُها سَوفَ تَشرَبانِها، والمَعمودِيَّةَ الَّتي أَقبَلُها سَوفَ تَقبَلانِها. وأَمَّا الجُلوسُ عن يَميني أَو شِمالي، فلَيسَ لي أَن أَمنَحَه، وإِنَّما هُوَ لِلَّذينَ أُعِدَّ لهم". فلمَّا سَمِعَ العَشَرَةُ ذلكَ الكَلامَ اغْتاظوا مِن يَعقوبَ ويوحَنَّا فدَعاهم يسوعُ وقالَ لَهم: "تَعلَمونَ أَنَّ الَّذينَ يُعَدُّونَ رُؤَساءَ الأُمَمِ يَسودونَها، وأَنَّ أَكابِرَها يَتَسَلَّطونَ علَيها. فلَيسَ الأَمرُ فيكم كذلِك. بل مَن أَرادَ أَن يَكونَ كَبيرًا فيكم، فَلْيَكُنْ لَكُم خادِمًا. ومَن أَرادَ أَن يكونَ الأَوَّلَ فيكم، فَلْيَكُنْ لأَجمَعِكم عَبْدًا. لأَنَّ ابنَ الإِنسانِ لم يَأتِ لِيُخدَم، بل لِيَخدُمَ ويَفدِيَ بِنَفْسِه جَماعةَ النَّاس". (مرقس 10، 35 – 45)

 

للتـأمل

فِي هَذَا الأَحَد مِن زَمَنِ الصَّلِيب وَفِي هَذَا النَّصِ الإِنجِيلِي نَرَى يَسُوع مُحَاوِراً ابنَي زَبَدَى وَمُطَمئِناً وَمُوَجِّهاً لِبَاقِي الرُّسلِ المُغتَاظِين.

حاور يسوع إِبْنَيْ زَبَدَى اللَّذَينِ أَتَيَا إِلَيْهِ بِطَلَبٍ مُهمٍّ جِدّاً لَو عَرَفُوا مَضْمُونَهُ بِحَسَبِ قَلبِ الرَّبّ وَهُوَ أَنْ يَجلِس أَحَدُهُمَا عَن يَمِينِهِ وَالآخَر عَن شِمَالِهِ. ولكِنَّ هَذَا الطَّلَب جَاءَ بَشَرِيّاً مَحضاً كما دلّ قَول يَسُوع لَهُمَا: "إِنَّكُمَا لا تَعلَمَانِ مَا تَطلُبَان" لأنّهما ظنّا، كَبَاقِي الرُّسُل، بِأَنَّ يَسُوع أَتَى مَلِكاً زَمَنِيّاً ليُقِيمَ مُلكَهُ وَمَملَكَتَهُ عَلَى الأَرض وَبِالتَّالِي سَيَكُونُونَ مُعَاوِنِيهِ فِي الحُكمِ وَقَد أَتَوا يَطلُبُونَ مَنصِباً فِي هَذَا الحُكم.

فَوَجَّهَ يَسُوع نَظَرَهُمَا وَقَلبَهُمَا إِلَى الكَأسِ الَّتِي سَيَشْرَبُهَا وَالمَعمُودِيَّة الَّتِي سَيَعْتَمِدُ بِهَا إِشَارَةً مِنهُ إِلَى صَلبِهِ وَمَوتِهِ لِخَلاصِ البَشَرِيَّة وَطَمأَنَهُمَا بِأَنَّهُمَا سَيَكُونَانِ عَلَى مِثَالِهِ فِي هَذَا الأَلَم وَالمَوت. وَنَحنُ عِندَمَا نَطلُب مِنَ الرَّب طلباً، هل نَعلَم مَاذَا نَطلُب أَو كَيفَ نَطلُب؟ وَهَل هَذَا الطَّلَب يَنفَعُ خَلاصَنَا الأَبَدِي أَم أَنَّهُ مَحض بَشَرِي يَقتَصِرُ عَلَى هُمُومِ الأَرض؟ فَلنَسمَع الرّبَّ يَسُوع يقُول : "أُطلُبُوا مَلَكُوتَ اللَّهِ وَبِرَّهُ وَكُلُّ شَيءٍ يُزَادُ لَكُم ".

طمأن يسوع بَاقِي الرُّسُل الَّذِينَ اغتاظُوا لِسَمَاعِهِم يَسُوع يَتَحَدَّثُ مَع ابْنَيْ زَبَدَى عَن مَنَاصِب وَمَكَاسِب أَوضَحَ لَهُم مَعنَى السُّلطَة بِنَظَرِهِ وَهَدَف رِسَالَتِهِ. فَلَيسَتِ السُّلطَةُ للتَّسَلُّطِ وَتَسخِيرِ النَّاسِ لِخِدمَةِ الزَّعِيمِ والمَسؤُول لَكِنَّ السُّلطَةَ بِحَسَبِ نَظَرِ الرَّب هِيَ الخِدمَة: "فَمَنْ كَانَ عَظِيماً فَليَكُن لَكُم خَادِماً". وَالأَوَّل فِي القِيَادَة هُوَ الَّذِي يَكُونُ عَبداً لِلجَمِيع.

وَهَكَذَا يَدعُو يَسُوع التَّلامِيذَ لِلتَّشَبُّهِ بِهِ "حَسبُ التِّلمِيذِ أَن يَكُونَ مِثلَ مُعَلِّمِه". وَقَد عَاشَ أَمَامَهُم هَذِهِ الخِدمَة بِامتِيَاز عِندَمَا غَسَلَ أَرجُلَهُم وَقَال لَهُم: "إِذَا كُنْتُ أَنَا المُعَلِّمَ والرَّب قَد غَسَلتُ أَقدَامَكُم،  فَيَجِبُ عَلَيكُم أَنتُم أَيضاً أَن يَغسِلَ بَعضُكُم أَرجُلَ بَعض. فَقَد جَعَلتُ مِنْ نَفسِي قُدوَةً لِتَصنَعُوا أَنتُم أَيضاً مَا صَنَعتُ لَكُم".

 وَنَحنُ، مَا هِيَ نَظرَتُنَا وَعَيشُنَا للسُّلطَة؟

هَل أَقُوم بِمَسؤُولِيَّتِي كَمُتَسَلِّط فَأُصبِح مُجَرَّدَ مُوَظَّف يَقُومُ بِوَظِيفَتِهِ رُوتِينِيّاً وَينال مَعَاشَهُ فِي نهاية الشَّهرِ؟ هَل أَتسَلَّطُ عَلَى مَنْ أَوصَلَنِي لِهَذِهِ المَسؤُولِيَة وَأَتَنَكَّرُ لَهُ وَلِمَشَاكِلِهِ ضارِباً بِعرض الحائِط الوُعُود الَّتِي عَلَى أَساسِها وَصَلتُ إِلَى هَذَا المَركَزِ؟ أَم أَستَغِلُّ هَذَا المَركَز لِخِدمَةِ النَّاسِ بِمَجَّانِيَة وَأُسَانِدُ الضَّعِيفَ بِمِحَبَّة وَخَاصَّةً أَعدَائِي عَارِفاً أَنَّ السُّلطَة مِنَ الله وَالله مَحَبَّة.

فَلنَحمِل صَلِيبَ الخِدمَة وَلنَخدُم بَعضُنَا البَعض وَمَعاً فَلنَبنِي "ملكوت الله"، مَلَكُوت المَحَبَّة والسَّلام عَارِفِينَ بأَنَّ مَنْ وَضَعَهُم الله عَلَى دُرُوبِ حَيَاتِنَا هُم إِخوَة لَنَا فِي مَلَكوتِهِ. آمِين








All the contents on this site are copyrighted ©.