2012-07-14 14:55:24

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


في ذلك الزَّمان: دَعا يَسوعُ الإثني عَشَر وأَخَذَ يُرسِلُهُمُ اثنَينِ اثنَين، وأَولاهُم سُلْطانًا على الأَرواحِ النَّجِسَة. وأوصاهم ألا يأخذوا للطريق شيئا سوى عصا: لا خبزا ولا مزودا ولا نقدا من نحاس في زنارهم، بل: "لِيَلبَسوا نِعالاً، ولا يَلبَسوا قميصَين". وقالَ لَهم: "وحيثُما دَخَلتُم بَيتًا، فأَقيموا فيه إِلى أَن تَرحَلوا. وإِن لم يَقبَلْكُم مَكانٌ ولم يَستَمِعْ فيه النَّاسُ إِليكم، فارحَلوا عنهُ نافِضينَ الغُبارَ مِن تَحتِ أَقدامِكم شَهادَةً علَيهم". فمَضَوا يَدْعونَ النَّاسَ إِلى التَّوبَة، وطرَدوا كَثيرًا مِنَ الشَّياطين، ودَهَنوا بِالزَّيْتِ كَثيرًا مِنَ المَرْضى فَشَفَوْهم. (مرقس 6، 7- 13)

 

للتأمل

يكمل إنجيل هذا الأحد مسيرة يسوع التبشيرية فبعد أن رُفض من أهله ومواطنيه يخبرنا الإنجيلي مرقس:" سارَ في القُرى المُجاوِرَةِ يُعَلِّم ودَعا الإثني عَشَر". فأمام انغلاق قلوب سامعيه ترك يسوع الناصرة وبدأ يجوب القرى المجاورة معلنا البشرى الجديدة وداعيا آخرين ليشاركوه في رسالته: "وأَخَذَ يُرسِلُهُمُ اثنَينِ اثنَين، وأَولاهُم سُلْطانًا على الأَرواحِ النَّجِسَة" ليحملوا الشفاء والعزاء للآخرين ويفتحوا أمامهم الطريق لملاقاة الله.

"وأوصاهم يسوع ألا يأخذوا للطريق شيئا سوى عصا: لا خبزا ولا مزودا ولا نقدا من نحاس في زنارهم"، فها هو يرسلهم بدون ضمانات إنسانية فقراء يحملون الرسالة متكلين فقط على إيمانهم وثقتهم بدعوته لهم، فالرسول لا يستعمل ثروات هذه الدنيا ليجذب سامعيه، بل يتكل على روح الله الذي دعاه ليحمل البشرى السارة التي تلقاها من يسوع.

فالفقر مكون أساسي للرسالة هو علامة إيمان محسوس لمن لا يكتفي ويعتز بنفسه وإنما يسلّم ذاته متكلا على الرب وعنايته، فإعلان البشارة يجب أن يتم دائما بروح التسليم هذه لأنه إعلان للصليب والألم اللذين خلصا العالم، والرب يسوع هو الذي يعطينا ما نقوله ويعلمنا ما نفعل.

يعلمنا القديس بولس أن الفقر والضعف هما الأداتان التي يختارهما الله ليخزي العالم:" فما كانَ في العالَمِ مِن حَماقة فذاكَ ما اختارَه اللهُ لِيُخزِيَ الحُكَماء، وما كانَ في العالَمِ مِن ضُعْف فذاكَ ما اختارَه اللهُ ليُخزِيَ ما كانَ قَوِيًّا، وما كانَ في العالَمِ مِن غَيرِ حَسَبٍ ونَسَبٍ وكان مُحتَقَراً فذاكَ ما اختارَهُ الله: اِختارَ غَيرَ المَوجودِ لِيُزيلَ المَوجود، حتَّى لا يَفتَخِرَ بَشَرٌ أَمامَ الله." (1قور1، 27- 29). وهذا ما تعلّمه أيضا القديس بطرس، إذ أنه عندما شفا الكسيح عند باب الهيكل قال له:" لا فِضَّةَ عِندي ولا ذَهَب، ولكِنِّي أُعْطيك ما عندي: بِاسمِ يسوعَ المَسيحِ النَّاصِريِّ امشِ!" (رسل 3، 6).

يعلمنا إنجيل هذا الأحد أن الخلاص يأتينا بواسطة صليب المسيح كما يعلن القديس بولس:" فإِنَّ المسيحَ لم يُرسِلْني لأَُعَمِّد، بل لأُبَشِّر، غَيرَ مُعَوِّلٍ على حِكمَةِ الكَلام لِئَلاَّ يَبطُلَ صَليبُ المَسيح. فإِنَّ لُغَةَ الصَّليبِ حَماقةٌ عِندَ الَّذينَ يَسلُكونَ سَبيلَ الهَلاك، وأَمَّا عِندَ الَّذينَ يَسلُكونَ سَبيلَ الخَلاص، أَي عِندَنا، فهي قُدرَةُ اللّهُ" (1قور 1، 17). ويسوع يرسل تلاميذه فقراء كما أرسله الآب فقيرا ليظهر مجد الله، ويدعوهم إلى ذروة الحياة المسيحية ليشتركوا معه في رسالته ويكتشفوا محبة الله التي تحملهم نحو جميع الأخوة، ليعلنوا لهم عظائم الله في حياتهم واقتراب ملكوت الله، الذي حلّ بيننا في شخص يسوع المسيح.

لنتعلّم من مريم العذراء، أم الله وأم الكنيسة، كيف نقبل الرسالة التي يدعونا إليها الله لنحمل على مثالها البشرى الجديدة إلى العالم، فنخرج من "ذواتنا" وأنفسنا بشجاعة، ونذهب حتى أقاصي الأرض معلنين في كل مكان بشارة المسيح ربنا مخلص العالم.








All the contents on this site are copyrighted ©.