2012-07-07 16:24:08

الانجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


في ذلك الزمان: جاءَ يسوع إلى وَطَنِهِ يَتبَعُه تَلاميذه. ولمَّا أَتى السَّبت أَخذَ يُعَلِّمُ في المَجمَع، فَدَهِشَ كثيرٌ مِنَ الَّذينَ سَمِعوه، وقالوا: "مِن أَينَ له هذا؟ وما هذهِ الحِكمَةُ الَّتي أُعطِيَها حتَّى إِنَّ المُعجِزاتِ المُبِينَةَ تَجري عن يَديَه؟ أَما هو النَّجَّارُ ابنُ مَريَم، أَخو يعقوبَ ويوسى ويَهوذا وسِمعان؟ أَوَ لَيسَت أَخَواتُهُ عِندَنا ههُنا؟"، وكانَ لَهم حَجَرَ عَثرَة. فقالَ لهم يسوع: "لا يُزدَرى نَبِيٌّ إِلاَّ في وَطَنِهِ وأَقارِبِهِ وبَيتِه". ولَم يَستَطِعْ أَن يُجرِيَ هُناكَ شَيْئًا مِنَ المُعجزات، سِوى أَنَّه وَضَعَ يَديَهِ على بَعضِ المَرْضى فَشَفاهم. وكانَ يَتَعَجَّبُ مِنْ عدم إِيمانِهم. ثُمَّ سارَ في القُرى المُجاوِرَةِ يُعَلِّم. (مرقس 6، 1- 6)

 

للتأمل

في هذا الأحد الرابع عشر من زمن السنة يخبرنا القديس مرقس عن عودة يسوع إلى وطنه. فبعدما ذاع خبره في نواحي الجليل وصولا إلى أورشليم ها هو يعلّم اليوم في المجمع بين أهله وأقاربه، يخبرنا الانجيلي مرقس أنه بالرغم من معرفتهم له فلقد "َدُهِشَ كثيرٌ مِنَ الَّذينَ سَمِعوه" وأخذوا يتساءلون "مِن أَينَ له هذا؟". فلو تذكروا كلمة الله إلى موسى:"يقيم لك الرب إلهك نبيا مثلي من وسطِك، من إخوتك، فله تسمعون" (تث18، 15). لكانوا قبلوا يسوع لا كنبي فقط بل كمرسل من الآب، لكنهم توقفوا على كونه انسانا عاديا من بينهم وأخذوا يتكلمون فيما بينهم:" أَما هو النَّجَّارُ ابنُ مَريَم، أَخو يعقوبَ ويوسى ويَهوذا وسِمعان؟ أَوَ لَيسَت أَخَواتُهُ عِندَنا ههُنا؟".

لقد اعترفوا بالحكمة التي أعطيت له وبالمعجزات التي كانت تجري على يديه لكنه لم يقبلوا أن يعلمهم كمن له سلطان على حياتهم، فهو إنسان مثلهم من أرضهم، لذا شكل لهم يسوع "حَجَرَ عَثرَة".

إنما هذا هو منطق التجسد: الله يعمل من خلال الإنسان بالرغم من صغره وضعفه، فهو يختار أناسا عاديين ليظهر حضوره في التاريخ من خلال بساطة كلمة الإنجيل وأعمال المحبة.

يقول القديس بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنتس:"ولَمَّا كانَ اليَهودُ يَطُلبونَ الآيات، واليونانِيُّونَ يَبحَثونَ عنِ الحِكمَة، فإِنَّنا نُبَشِّرُ بِمَسيحٍ مَصْلوب، عِثارٍ لِليَهود وحَماقةٍ لِلوَثنِيِّين، وأَمَّا لِلمَدعُوِّين، يَهودًا كانوا أَم يونانِيِّين، فهُو مسيح، قُدرَةُ اللّه وحِكمَةُ اللّه، لأَنَّ ألحَماقَةَ مِنَ اللّه أَكثَرُ حِكمَةً مِنَ النَّاس، والضُّعْفَ مِنَ اللّه أَوفَرُ قُوَّةً مِنَ النَّاس" (1 كور 1، 22- 25). هذا هو منطق الإنجيل وهذا ما اختبره يسوع في وطنه وقال: لا يُزدَرى نَبِيٌّ إِلاَّ في وَطَنِهِ وأَقارِبِهِ وبَيتِه". وهذا ما عاشه الأنبياء أيضا فيصرخ النبي أرميا:"ويلٌ لي يا أمي لأنك ولدتني رجل خصامٍ ورجل نزاعٍ للأرض كلّها" (إرميا 15، 10) ونقرأه في سفر حزقيال:" إِّني مُرسِلُكَ إِلى بَني إِسْرائيل، إِلى أُممٍ مُتَمَرِّدينَ قد تَمرَدوا عَلَّي فقَد عَصَوني هم وآباؤُهم إِلى هذا اليَومِ نَفْسِه، فأُرسِلُكَ إِلى البَنينَ الصِّلابِ الوُجوهِ القُساةِ القلوب، فتَقولُ لَهم: هكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ: "لعلهم يسمعون ويكفون، وان كانوا بيت تمرد، ويعلمون أن بينهم نبيا" ( حزقيال 2، 3- 5) فالله أمين دائما، وإن كلمته وإنجيله ثابتان إلى الأبد، فمن يقبل كلمته ويعمل بها يخلص". فمن لا يقبل كلمة الله على مثال سكان الناصرة يمنع الله من العمل في حياته كما يخبرنا الإنجيلي مرقص "ولَم يَستَطِعْ أَن يُجرِيَ هُناكَ شَيْئًا مِنَ المُعجزات".

يعلمنا إنجيل اليوم ألا نقفل قلوبنا أمام كلمة الله كمن يكتفي بذاته، وكمن لا حاجة له لله في حياته، فالمعجزات هي جواب الله للذين يسألونه ويؤمنون به. فحياة الله نور وفرح وسلام، تظهر للعيون التي تتطهّرت بفضل صلاة واثقة يملؤها الإيمان، وتولد في القلوب التي انتظرت خلاص الله بكل رجاء مهما تعقدت الأمور وفات الوقت في حساب البشر. الله أمين وصادق، يستجيب لكلّ صلاة تطلب الحياة والخلاص، ويرد عليها بوجه جديد عجيب لا تراه عيون العالم بل يظهر للودعاء والمتواضعين، المواظبين على الصلاة والرجاء.








All the contents on this site are copyrighted ©.