2012-05-23 16:06:47

البابا بندكتس السادس عشر في مقابلته العامة: "فلنتعلم بصلاتنا أن نتذوق جمال كوننا أبناء لله"


أجرى البابا بندكتس السادس عشر صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان واستهل تعليمه بالقول إخوتي وأخواتي إن الروح القدس يعلمنا كيف نتوجه إلى الله كأبناء داعين إياه "أبا، أيها الآب". هذا ما فعله يسوع في أصعب لحظة من حياته الأرضية، فلم يفقد ثقته قط بالآب ودعاه دائما بثقة الابن الحبيب. في الجتسمانية، عندما شعر برهبة الموت كانت صلاته:" أَبَّا، يا أَبَتِ، إِنَّكَ على كُلِّ شَيءٍ قَدير، فَاصرِفْ عنَّي هذِه الكَأس. ولكِن لا ما أَنا أَشاء، بل ما أنتَ تَشاء" (مرقس 14، 36)

تابع الأب الأقدس يقول منذ الخطوات الأولى لمسيرتها، قبلت الكنيسة هذا الدعاء وتبنّته لاسيما في صلاة الأبانا التي نرددها يوميا:" أَبانا الَّذي في السَّمَوات لِيُقَدَّسِ اسمُكَ لِيَأتِ مَلَكوتُكَ لِيَكُنْ ما تَشاء في الأَرْضِ كما في السَّماء "(متى 6، 9-10). نجد هذا الدعاء مرتين في رسائل القديس بولس، في رسالته إلى أهل غلاطية:" والدَّليلُ على كَونِكُم أَبناء أَنَّ اللهَ أَرسَلَ رُوحَ ابنِه إِلى قُلوبِنا، الرُّوحَ الَّذي يُنادي: "أَبَّا"، "يا أَبتِ" (غل 4، 6) وفي رسالته إلى أهل روما:"لم تَتلَقَّوا روحَ عُبودِيَّةٍ لِتَعودوا إِلى الخَوف، بل روحَ تَبَنٍّ بِه نُنادي: أَبًّا، يا أَبَتِ!" (روما 8، 15).

وأضاف البابا أن المسيحية ليست ديانة الخوف إنما الثقة والمحبة للآب الذي يحبّنا. هاتان الآيتان تخبراننا عن إرسال وقبول الروح القدس عطية القائم من الموت الذي يجعلنا أبناءً في المسيح، الابن الوحيد، ويدخلنا في علاقة ثقة بنوية مع الله. فالروح القدس هو العطية الغالية والضرورية التي تجعلنا أبناء لله وتحقق التبني الذي يُدعى إليه جميع البشر لأن الله بالمسيح:" اختارَنا قَبلَ إِنشاءِ العالَم لِنَكونَ في نَظَرِه قِدِّيسينَ بِلا عَيبٍ في المَحبَّة وقَدَّرَ لَنا مُنذُ القِدَم أَن يَتَبنَّانا بِيَسوعَ المسيح" (أف 1، 4).

تابع الأب الأقدس يقول: ربّما إنسان اليوم لا يدرك الجمال، العظمة والعزاء الكبير الذي تحتويه كلمة "أب" التي نتوجه بها إلى الله في الصلاة. من يسوع نفسه، ومن علاقته البنوية مع الله يمكننا أن نتعلّم معنى هذه الكلمة والطبيعة الحقيقية للآب الذي في السماوات. فيسوع يظهر لنا من هو الآب وما هي الأبوة الحقيقية:" أَحِبُّوا أَعداءَكم وصَلُّوا مِن أَجلِ مُضطَهِديكُم، لِتَصيروا بني أَبيكُمُ الَّذي في السَّمَوات" (متى 5، 44- 45). هو حب يسوع الابن الوحيد، الذي يقوده إلى تقدمة ذاته على الصليب، الذي يظهر لنا طبيعة الآب الحقيقية.

أضاف البابا يمكننا القول إن الأبوة في الله تأخذ بعدين، فالله هو أولا أبونا لأنه خالقنا، وقد خلقنا على صورته ومثاله (تك 1، 27). أما الروح القدس فهو يفتح لنا بُعدا ثانيا لأبوة الله، فيسوع هو "الابن"، بكونه قد أصبح إنسانا مثلنا، وبتجسده، بموته وقيامته يقبلنا في إنسانيته وفي بنوته، وعندما ننفتح على الروح القدس يمكننا عندها أن ندعو الله "أبا، أيها الآب".

شدّد الأب الأقدس على أن الصلاة المسيحية ليست أبدا باتجاه واحد، أي منّا نحو الله بل هي تعبير عن علاقة متبادلة يقوم فيها الله دائما بالخطوة الأولى: هو الروح القدس الذي يصرخ فينا "أبا، أيها الآب!" عندما نفتح له قلوبنا ليسكن فينا، فحضوره يفتح صلاتنا وحياتنا على الثالوث الأقدس والكنيسة، وتصبح صلاة يسوع صلاتنا.

ختم الأب الأقدس تعليمه الأسبوعي بالقول: فلنتعلم بصلاتنا أن نتذوق جمال كوننا أصدقاء، لا بل أبناء لله لنتمكن من التوجه إليه بثقة الابن. لنفتح صلاتنا على عمل الروح القدس ليصرخ فينا لله "أبا، أيها الآب" ولتغير صلاتنا باستمرار فكرنا وعملنا لتجعلهما على الدوام أكثر تشبها بعمل وفكر الابن الوحيد يسوع المسيح.








All the contents on this site are copyrighted ©.